السفر وآدابه
الشيخ: همام أبو عبد الله
السفر هو الخروج عن موطن الإقامة لقصد مكان بعيد عنه، وكلمة السفر تفيد الظهور والانكشاف؛ كما نقول: أسفر الصبح، إذا ظهر ضوؤه، وأسفرت المرأة عن وجهها، إذا أظهرته، وسمي السفر سفرا؛ لأنه يسفر عن وجوه المسافرين وأخلاقهم، فيظهر ما كان خافيا منها، ويسفر كذلك عن أرض أخرى وأحوال جديدة، فيبدو للمسافر ما كان خافيا عنه.
والسفر، والتنقل بين البلدان، مع أنه مظنة المشقة والتعب، إلا أنه ضرورة بشرية، وحاجة فطرية، لا يستقيم معاش الناس دونها.
لذا فقد اعتنى الإسلام ببيان آداب السفر وأحكامه، والدلالة على ما ينفع الناس في حلهم وترحالهم، قال الله تعالى: (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآَخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) فقرن الله جل وعلا بين المرض واعتلال الصحة، والسفر ضربا في الأرض ابتغاء لفضل الله وطلبا للرزق الحلال الطيب، والجهاد في سبيل الله؛ حيث تشترك هذه الأمور في أنها مظنة المشقة، وتغير الأحوال والعادات.
وقال صلى الله عليه وسلم: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ الْعَذَابِ، يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ، فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ مِنْ وَجْهِهِ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ» فالسفر قطعة من العذاب لما فيه من المشقة والتعب ومقاساة الحر والبرد والخوف ومفارقة الأهل والأصحاب وخشونة العيش، وهو يمنع الإنسان من التلذذ بالنوم والطعام والشراب؛ لذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى تعجيل الرجوع إلى الأهل بعد قضاء الشغل، وألا يتأخر المرء لما ليس بمهم، لما في الإقامة في الأهل من الراحة المعينة على صلاح الدين والدنيا، ولا سيما إذا كان يخشى على أهله من الضياع.
وينبغي على المسافر أن يتحلى بجميل الأخلاق والأفعال، وأن يحافظ في سفره على لزوم العمل الصالح، وأن يبتعد عن النقائص والرذائل، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يودع أصحابه إذا أراد أحدهم سفرا فيقول: «أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك».
وكان صلى الله عليه وسلم يقول لمن طلب منه أن يوصيه من المسافرين: «زودك الله التقوى، وغفر ذنبك، ويسَّر لك الخير حيثما كنت».
وعلى المسافر أن يلتجئ إلى الله جل وعلا طالبا منه العون والمدد والتوفيق والتيسير، متبرئا من الحول والقوة إلا بالله جل وعلا، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر كبر ثلاثا ثم قال: «سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الأَهْلِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالأَهْلِ».
* التخفيف على المسافر:
السفر خروج من بلد إلى بلد، وتغير من حال إلى حال، وانتقال من قوم إلى قوم آخرين؛ وهو مظنة المشقة والتعب، كما أخبر الله جل وعلا عن قول موسى عليه السلام لفتاه في قوله تعالى: (فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا)، فكان من حكمة الله جل وعلا أن شرع من الأحكام ما يخفف به على المسافر ويعينه على قضاء حاجته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب أن تؤتى رُخصه كما يكره أن تؤتى معصيته»، ومن ذلك:
1- الترخيص للمسافر في الإفطار في رمضان: قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) فمع أن شهر رمضان من أعظم الشهور، والصيام فيه من أفضل العبادات، إلا أن الله جل وعلا رحمة منه وفضلا رخص للمسافر أن يفطر في هذه الأيام المباركة، وأن يتقوى بالطعام على سفره، وأن يقضي بعد انتهاء سفره أياما أخرى بدلا عن الأيام التي أفطرها في رمضان.
2- الترخيص للمسافر في جمع الصلاة وقصرها: قال تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا) وعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: «فُرِضَتِ الصَّلاَةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ وَزِيدَ فِي صَلاَةِ الْحَضَرِ» فالمسافر يقصر الصلاة الرباعية ويصليها ركعتين لا أربعة تخفيفا من الله جل وعلا ورحمة بعباده، أما صلاة المغرب فهي ثلاث ركعات تبقى كما هي ولا تقصر، وكذلك صلاة الفجر ركعتان لا قصر فيهما.
3- الجمع بين صلاتي الظهر والعصر، وصلاتي المغرب والعشاء، فعن ابن عباس رضي الله عنهما: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ بَيْنَ الصَّلاَةِ فِي سَفْرَةٍ سَافَرَهَا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ»، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين صلاة المغرب والعشاء في السفر»، وفي إباحة هذا الجمع للصلاة ما لا يخفى من التخفيف على المسافر والتيسير عليه.
4- إباحة المسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام بلياليها: حيث إن المقيم يمسح على الخفين يوما وليلة، أما المسافر فقد رخص الله جل وعلا له في المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليها، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوما وليلة للمقيم».
5- الترخيص للمسافر أن يصلي النافلة على راحلته أو وسيلة تنقله حتى ولو سارت بعد تكبيره للإحرام في غير جهة القبلة: فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته حيث توجهت، فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة».
6- ومن فضل الله جل وعلا على المسافر أنه إن انشغل بسفره عن بعض النوافل التي كان يؤديها، فإن الله جل وعلا يكتب لهذا المسافر أجر ما كان يعمله قبل سفره، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مرض العبد أو سافر كُتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا».
* نوافل يمكن أن تؤدى في السفر:
السفر مظنة المشقة، وموطن التعب؛ لذا فقد خُفف على المسافر بعض العبادات؛ مثل إباحة الفطر للمسافر في نهار رمضان، وجواز جمع الصلاة وقصرها، والمسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليها.
ولكن هذا التخفيف لا يمنع من الاجتهاد في العبادة لمن أراد التزود من الخير، والمسارعة إلى رضوان الله جل وعلا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: «أَوْصَانِي خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم بِثَلاَثٍ لاَ أَدَعُهُنَّ فِي سَفَرٍ وَلاَ حَضَرٍ؛ رَكْعَتَي الضُّحَى، وَصَوْمِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنَ الشَّهْرِ، وَأَنْ لاَ أَنَامَ إِلاَّ عَلَى وِتْرٍ». فهذا أبو هريرة رضي الله عنه يحرص على المداومة على ثلاث نوافل في كل حالاته؛ لأنها وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم.
-وأول هذه الأمور الثلاثة هو ركعتا الضحى، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى في سفره أحيانا، فعن أم هانئ رضي الله عنها، قالت: «ذَهَبْتُ إِلَى رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ صَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، وَذَلِكَ ضُحىً».
– والأمر الثاني هو صوم ثلاثة أيام من كل شهر، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صَوْمُ ثَلاَثَةِ أيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ».
ويباح الصوم في السفر، فعن عائشة رضي الله عنها أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي صلى الله عليه وسلم أأصوم في السفر؟ وكان كثير الصيام، فقال: «إن شئت فصم وإن شئت فأفطر».
– والأمر الثالث هو أداء صلاة الوتر، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحافظ على صلاة الوتر حتى في سفره؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في السفر على راحلته حيث توجهت به، يومئ إيماء صلاة الليل، إلا الفرائض، ويوتر على راحلته».
* الرحمة بالمسافر:
في السفر ترك للمألوفات، ومفارقة للأهل والأصحاب، وتقلل من زخارف الدنيا، واستقبال لأمور غير معهودة.
لذا حث الإسلام على رحمة المسافرين، والتواصي بهم، والعناية بأمرهم، ومن ذلك:
– مساعدة المسافر في حاجياته: فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات مرة مسافرا، فقال لأصحابه: «مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ ظَهْرَ لَهُ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لاَ زَادَ لَهُ»، فمن كان في سفر، ووجد لديه بعض سعة من الأمر، فليكن في عون إخوانه المسافرين، سواء استطاع أن يهيئ للمسافر مكانا للركوب أيسر مما هو فيه، أو استطاع أن يكسوه كسوة تقيه شدة البرد، أو أشعة الشمس.
– الإنفاق على ابن السبيل: وابن السبيل هو المسافر الغريب الذي انقطعت به السبل في غير بلده؛ فحث الله عباده على رحمة أخيهم الغريب، وإعطائه من المال ما يعينه في سفره، قال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ)، بل إن الله جل وعلا أخبر أن إعطاء ابن السبيل ما يتقوى به على فاقته حق متعين له، قال تعالى: (فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ).
– أن يجتمع المسافرون وألا يتفرقوا: فقد نُهي أن يسافر الرجل وحده، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن الناس يعلمون ما أعلم من الوحدة ما سرى راكب بليل، يعني وحده»، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المسافرين بأن يؤمروا أحدهم؛ لتنضبط أمورهم، وتنصلح أحوالهم، قال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا خَرَجَ ثَلاَثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ».
– ومن رحمة الإسلام بالأمة أن نهى عن أن تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، فالمرأة ضعيفة والسفر مشقة، ومحرم المرأة عضد لها وناصر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم».
– بل إن رحمة الإسلام بالسفر والمسافر اتسعت لتشمل رحمة الدابة التي يركب عليها المسافر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْبِ فَأَعْطُوا الإِبِلَ حَظَّهَا مِنَ الأَرْضِ، وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي السَّنَةِ فَأَسْرِعُوا عَلَيْهَا السَّيْرَ». ومعنى الحديث هو الحث على الرفق بالدواب ومراعاة مصلحتها؛ فإن سافروا في وقت الخِصب وكثرة العشب والمرعى قللوا السير وتركوها تأكل في بعض النهار وفي أثناء السير، فتأخذ حظها من الأرض، وإن سافروا في القحط عجلوا السير؛ ليصلوا المقصد وفيها بقية من قوتها، ولا يتأخروا في السير فيلحقها الضرر؛ لأنها لا تجد ما تأكله.
* آداب السفر:
للسفر والمسافر آداب حميدة، وخصال نافعة مفيدة، ومن ذلك:
– لا يقصد السفر إلى مكان يتعبد فيه إلا إلى المساجد الثلاثة؛ المسجد الحرام بمكة المكرمة، والمسجد النبوي بالمدينة المطهرة، والمسجد الأقصى بالقدس الشريف، قال صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَشُدُّوا الرِّحَالَ إِلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْمَسْجِدِ الأَقْصَى».
– أن ينشغل المسافر بذكر الله جل وعلا والثناء عليه ودعائه، قال صلى الله عليه وسلم: «ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده».
– يستحب للمسافر أن يخرج للسفر يوم الخميس؛ لفعله صلى الله عليه وسلم، قال كعب بن مالك رضي الله عنه: «لقلَّما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إذا خرج في سفر إلا يوم الخميس».
– ويفضل السفر بكورا في أول النهار؛ فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لأمته بالبركة في أول النهار فقال: «اللهم بارك لأمتي في بكورها»، فالبكور وقت البركة، فيه تتيسر الأعمال وتنشط النفوس وتقوى.
– ويستحب للمسافر ألا يتوقف عن المسير في أول الليل، بل يكمل السير في أوله؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل».
– ويستحب إذا نزل المسافرون في مكان للراحة أثناء السفر، ألا يتفرقوا في الأرض، بل ينضم بعضهم إلى بعض، فقد كان الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلا تفرقوا في الشِّعاب والأودية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ تَفَرُّقَكُمْ فِي هَذِهِ الشِّعَابِ وَالأَوْدِيَةِ إِنَّمَا ذَلِكُمْ مِنَ الشَّيْطَانِ» فَلَمْ يَنْزِلْ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْزِلاً إِلاَّ انْضَمَّ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، حَتَّى يُقَالُ: لَوْ بُسِطَ عَلَيْهِمْ ثَوْبٌ لَعَمَّهُمْ.
– ويستحب للمسافر أن يكبّر على المرتفعات، ويسبّح إذا هبط المنخفضات والأودية، قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «كنا إذا صعدنا كبرنا، وإذا نزلنا سبحنا» ولا يُرفع الصوتُ بالتكبير، قال صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس ارْبَعُوا على أنفسكم؛ فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا إنه معكم إنه سميع قريب».
– رفع شعائر الإسلام: ومن ذلك رفع الأذان والصدع به في الأراضي والصحاري الشاسعة، والهضاب والوديان، فعن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: أتى رجلان النبي صلى الله عليه وسلم يريدان السفر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أنتما خرجتما فأذنا، ثم أقيما، ثم ليؤمكما أكبركما».
– ألا يصطحب المسافر معه الأمور الملهية، فضلا عن وسائل المنكر، قال صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَصْحَبُ الْمَلاَئِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ وَلاَ جَرَس» فما بالنا بمن يسافر قصدا للوصول إلى الأماكن التي يَعصي فيها الله جل وعلا، ويبارزه بالمنكرات، فهذا يغدو ويروح في سخط الله جل وعلا.
– ألا يعود المسافر إلى أهله فجأة، بل يبلغهم بقدومه قبل وصوله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِذَا قَدِمَ أَحَدُكُمْ لَيْلاً فَلاَ يَأْتِيَنَّ أَهْلَهُ طُرُوقًا، حَتَّى تَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ وَتَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ»، وعن جابر رضي الله عنه، قال: «نَهى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلاً يَتَخَوَّنُهُمْ أَوْ يَلْتَمِسُ عَثَرَاتِهِمْ» وبذلك يتهيأ أهل البيت للقيا المسافر، فلا يرى منهم ما لا يرضيه.
– ويستحب للقادم من السفر أن يبتدئ بالمسجد الذي بجواره، ويصلي فيه ركعتين؛ لفعله صلى الله عليه وسلم، فإنه «كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين».
– ويستحب للمسافر إذا قدم من سفر أن يتلطف بالوِلْدَان من أهل بيته وجيرانه، ويحسن إليهم إذا استقبلوه، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة استقبله أُغيلمة بني عبد المطلب فحمل واحدا بين يديه والآخر خلفه»، وقال عبد الله بن جعفر رضي الله عنه: «كان صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر تُلُقِّي بنا، فَتُلُقِّيَ بي وبالحسن أو بالحسين فحمل أحدنا بين يديه والآخر خلفه حتى دخلنا المدينة».
– وإذا قدم المسافر إلى بلده استحبت معانقته لأصحابه؛ قال أنس بن مالك رضي الله عنه: «كانوا إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا».
– ويجمل إطعام الطعام عند العودة من السفر، قال البخاري في صحيحه: “باب الطعام عند القدوم”، وذكر فيه حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة نحر جزورا أو بقرة”.
والحمد لله رب العالمين.