التطبيع وأزمات الشرق الأوسط / كتابات فكرية /مجلة بلاغ العدد الخامس عشر لشهر محرم 1442هـ
الأستاذ: خالد شاكر
لم يكن مستغربا الإعلان عن تطبيع العلاقات بين دولة الإمارات ودولة اليهود اللقيطة إسرائيل؛ هذا الإعلان الذي قوبل بالترحيب من اليهود ودول الغرب وجمهور العلمانيين في البلاد العربية، إلى الحد الذي دفع كاتبا علمانيا سعوديا إلى أن يرحب بذلك صراحة قائلا: “فلسطين ليست قضيتي”.
وعدم استغراب هذا التطبيع يعود إلى أن مواقف حكام الإمارات والتيار العلماني في أكثر البلاد العربية خلال الأعوام الماضية كانت مواقف منحازة وبشدة لكل ما من شأنه حرب الإسلام والمسلمين ونشر الإلحاد والفجور في عموم أرجاء الأمة.
لكن عدم الاستغراب هذا لا يعني أنه لا جديد في إعلان التطبيع؛ بل هذا الإعلان عن التطبيع هو إعلان عن مرحلة جديدة من مراحل الصراع في المنطقة؛ ذلك أن مخطط الغرب يهدف إلى جعل دولة إسرائيل ليست مجرد خلية سرطانية مزروعة وسط الأمة، بل المراد أن تكون تلك الدولة اللقيطة قلب الشرق الأوسط والمركز السياسي والعسكري والثقافي والاقتصادي والأمني للشرق الأوسط الجديد؛ فترتبط مصالح حكام المنطقة بمصالح دولة إسرائيل ورغباتها.
لذا عملت أمريكا في المرحلة السابقة على زعزعة ثقة عملائها في الشرق الأوسط بجدية حمايتها لهم وأظهرت مواقفا مصلحية متباينة إزاء التهديد الإيراني لدول المنطقة، وإزاء العداوة (الإماراتية السعودية – التركية القطرية) المتصاعدة.
ورغم أن أمريكا استفادت من توترات المنطقة في نهب خيرات دول الخليج سواء الإمارات والسعودية أو قطر إلا أنها لم تقدم لهم ما كانوا يأملون من اطمئنان على عروشهم، ولعل هذا السلوك الأمريكي كان مقصودا لدفعهم دفعا إلى الارتماء في حضن إسرائيل؛ لتتحول إسرائيل مع الأيام إلى شرطي المنطقة الذي يحفظ لعملائه مناصبهم.
وإن هذا الاستثمار في الخلافات وإيقاد نار الفتن في المجتمعات هو التخصص الأصيل لليهود عبر التاريخ، كما قال تعالى: (كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ).
– وعلى الطرف الآخر فإن جشع اليهود للمال وحرصهم على الهيمنة على الموارد يجعلهم مستبشرين بتحالفهم مع الإمارات التي زرعت لها يدا في كل بلد من بلاد المنطقة، وبذلك تكون الإمارات متنفس اليهود في الشرق الأوسط الذي من خلاله يستغلون خيرات الإمارات وأموالها ونفوذها في الهيمنة على المنطقة ونهب خيراتها، وقد قال الله جل وعلا عن اليهود: (وَمِنْ أَهْلِ الكِتَابِ مَنْ إِن تَامَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَامَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ).
ولكن نبشر حلف الشر والرذيلة بسوء العاقبة؛ فقد وضعوا يدهم في يد اللئام الغادرين الذين قال الله جل وعلا عنهم: (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ) ولا بد للذليل الذي ابتغى العزة من لئيم أن يذوق الذل مضاعفا ولو بعد حين فـ:
المستجير بعمرو عند كربته
كالمستجير من الرمضاء بالنار
ولعل هذا التطبيع يكون بإذن الله إيذانا بانهيار بنيان المستجير والمستجار به واللص ومن يحميه، قال تعالى: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ).