يا صانعة الرجال، لا تزاحمي الرجال – ركن المرأة – مجلة بلاغ العدد ٥٤ – ربيع الثاني ١٤٤٥ هـ
الأستاذة: خنساء عثمان
بسم الله الرحمن الرحيم
أورد الذهبي في سير أعلام النبلاء عن عمارة بن عمير عمن سمع عن عائشة إذا قرأت: { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ بكت حتى تبل خمارها}، “فالحدث الذي كانت تتأسف عليه عائشة الصديقة بنت الصديق ـ رضي الله عنها وعن أبيها ـ هو خروجها في موقعة الجمل، جاء في تفسير البحر المحيط عند تفسيره لقوله سبحانه: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ) “وكانت عائشة إذا قرأت هذه الآية بكت حتى تبل خمارها، تتذكر خروجها أيام الجمل تطلب بدم عثمان” انتهى.
وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء: “ولا ريب أن عائشة ندمت ندامة كلية على مسيرها إلى البصرة وحضورها يوم الجمل، وما ظنت أن الأمر يبلغ ما بلغ” انتهى.
وفي فتح الباري لابن حجر: “قال عمار بن ياسر لعائشة لما فرغوا من الجمل ما أبعد هذا المسير من العهد الذي عهد إليكم ـ يشير إلى قوله تعالى: وقرن في بيوتكن ـ فقالت: أبو اليقظان؟، قال: نعم، قالت: والله إنك ما علمتُ لقوّال بالحق، قال: الحمد لله الذي قضى لي على لسانك” انتهى.
أختي المؤمنة؛ لقد سُقت إليك ما جمعته من آثار وعبر لترشيد جهادنا نحن النساء، في زمن قلّ فيه الرجال وكثر أشباهم وأشباه النساء، ونحن تحت القصف وأمام أفواه البنادق والظلم والبغي والعدوان وتكالب الأعداء من الدول الكبرى والقائمين علينا من بني جلدتنا.
لا ناصر لنا إلا الله بالتأكيد…
ولكن للنصر أسباب وعُدة وعُدد، يتوجها تقوى الله والتزام أوامره فهل أتينا بها؟؟
الواقع يقول: لا…
فالحدود التي حدها الإسلام تجاوزها الرجال والنساء، وابتعدوا كل البعد عن الضوابط الشرعية وإن كانوا في ساحات الدفاع عن الحقوق الضائعة ورد المظالم.
وبما أن حديثي مع الأخوات؛ فمهمتي هي أن أنبههن إلى الحدود التي رسمها الشارع الحكيم لهن، فأقول وبالله التوفيق:
أختي المؤمنة؛ لابد أن تعي حكمة الله في خلق الذكر والأنثى، وأنه خلقهما لوظيفة عظيمة ألا وهي عبادة الله، وجعل طبيعة كل منهما وفطرته مناسبة لما خلقت له، ثم أرسل الرسل والرسالات ليوجه البشر بجنسيه إلى ما خُلِقَ له، وختم الرسالات بدين الإسلام وأكمله بما يناسب الفطرة التي فطر الناس عليها، قال تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)
فارجعي إلى كتاب ربك وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ففيهما البيان الكامل لحياة حقيقية لك تبين لك مهمتك، وتوضح لك حدود التعامل مع الرجال، ثم بتطبيق أوامر الله والتوقف عند حدوده، ينصرنا الله ويؤيدنا فما النصر إلاّ من عنده تعالى ولا يتنزل النصر في حالة الفوضى في تطبيق أحكام الله.
انظري إلى تعليمات الشرع وسيري عليها ليتقبل الله عملك ويجعلك لبنة في بناء الإسلام.
أقيمي دولة الإسلام في بيتك وبين النساء، ولا تزاحمي الرجال ينصرك الله وينصر دينك، أما هذه الفوضى في التعامل بين الذكور والإناث وعدم التزام حدود الشرع فأقول لك وللأسف:
إن هزيمة الإسلام تتحملين أنت جزءاً كبيراً منها؛ لأنك لو قمت بمسؤوليتك كما أمرك الله لما أصاب الأمة ما أصابها.
أختي أنت مربية الرجال؛ لكن بدون مزاحمتهم فإن تخليت عن دورك وأخذت دور الرجال فإن الأمة كلها ستدفع الثمن، فمن يربي الشباب لتلك المعركة ومن يقف خلف الرجال لخوض تلك المعركة ومن يُعَدّ أمهات الجيل القادم ليكملن الطريق من بعدك، إن المرأة عنصر مهم في الصراع اليوم يجب حضوره وبكل إمكانياتها وعواطفها، وحضورها ليس عبارة عن مكمل في الصراع كلا، بل إن حضورها يعد ركيزة من ركائز النصر ومواصلة الطريق.
هذا الحضور يجب أن يكون في مكانه وفي حدود شرع الله
فابقي يا أمة الله جوهرة مكنونة ودرة مصونة، وجندياً مخلصاً في الجبهة الداخلية للبيوت المسلمة.
روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لما غزا بدرا، قالت له الصحابية الجليلة أم ورقة الأنصارية: يا رسول الله إيذن لي في الغزوة معك أمرض مرضاكم لعل الله أن يرزقني الشهادة
فقال لها: «قرِّي في بيتك فإن الله يرزقك الشهادة»، وجاءت الروايات أن الله رزقها الشهادة كما بشرها صلى الله عليه وسلم.
وقد روى الحافظ البزار عن أنس رضي الله عنه، أن النساء جئن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلن يا رسول الله: ذهب الرجال بالفضل والجهاد في سبيل الله تعالى، فما لنا من عمل ندرك به عمل المجاهدين في سبيل الله تعالى؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قعدت منكن في بيتها فإنها تدرك عمل المجاهدين في سيبل الله».
أتدرين لماذا؟ لأنها بقرارها في بيتها ينجو المجتمع من فتنة تعاملها مع الرجال!!!! لكن للأسف فسدت الموازين فامتدح الناس المرأة المسترجلة، وقالوا عنها: اجتماعية إيجابية، وتؤدي الواجب أما من لزمت حدود ربها فهي المعقدة والانطوائية والسلبية والله المستعان على ما يصفون.
قال ابن القيم رحمه الله: “من الآفات الخفية العامة: أن يكون العبد في نعمة أنعمها الله عليه بها واختارها له، فيملها العبد ويطلب الانتقال منها إلى ما يزعم لجهله أنه خير له منها، وربه برحمته لا يخرجه من تلك النعمة، ويعذره لجهله وسوء اختياره لنفسه، حتى إذا ضاق ذرعاً بتلك النعمة واستحكم لها ملله سلبه الله إياها”.
فاحذري من سلب نعمة الله لك في القرار في البيت.
وإن اضطررت للتعامل مع الرجال فلا تسقطي الحاجز بينك وبينهم ولا تخضعي بالقول، لقول الله تعالى: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) والخضوع بالقول هو ترقيق الصوت عند مخاطبة الرجال، واختصري في أداء حاجتك يا رعاك الله ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، جعلني الله وإياك ممن يدخلون الجنة -التي حولها نددن في كل ما نعمله- بلا حساب ولا سابقة عذاب إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.