وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ – مجلة بلاغ العدد ٦٨ – رجب ١٤٤٦ هـ
الشيخ: أبو حمزة الكردي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد؛
الحمد لله الكريم المنان الجواد الناصر المعز المذل الذي صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده لا شريك له ولا شيء قبله ولا شيء بعده..
الحمد لله الذي نصرنا على القوم الكافرين الظالمين الذين ساموا الناس سوء العذاب قتلًا ونهبًا وسرقةً وتشريدًا وسجنًا وسحلًا وفسادًا وخوفًا وترهيبًا..
الحمد لله القائل: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر:51].
والقائل: {حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف:110].
الحمد لله على هذا النصر والفتح المبين الذي منّ به على عباده المجاهدين المستضعفين فأعادهم أعزة كرامًا إلى أهلهم وديارهم وأرضهم..
فكان من لوازم هذا النصر والفتح المبين أن نحافظ على أهم أسباب نصرنا وعزتنا وكرامتنا ألا وهو تمسكنا بديننا وأخلاقنا وسلاحنا، قال تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران:139]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال:46-45]، وقال تعالى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ۗ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَىٰ أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ ۖ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا} [النساء:102]،
فلا ينبغي وضع السلاح أو تركه أو بيعه أو التهاون في حمله أو حتى التقصير بالرمي فيه وهو السبب الأهم فيما وصل إليه المجاهدون من فتح البلاد وحماية الأعراض والعودة إلى الديار وطرد النظام النصيري والإيراني والروسي إلا بتمسكهم بهذا السلاح، يقول الصحابي الجليل عبد الله بن الزبير رضي الله عنه: “صونوا سيوفكم كما تصونوا وجوهكم، لا أعلمن امرءًا كسر سيفه واستبقى نفسه، فإن الرجل إذا ذهب سلاحه فهو كالمرأة أعزل”..
حالنا اليوم في ثورة أهل سوريا أنها انتصرت في معركة عسكرية مهمة ولكن ما زال أمامها معارك أخرى قادمة منها عسكرية وسياسية واقتصادية وأمنية، فهي تتنقل من مرحلة إلى أخرى ومن لون إلى لون ولا تنتهي أو تتوقف.
وأهم مرحلة مستمرة مع الثورة والجهاد على تزامن مع كليهما في كل المراحل هي معركة بناء الإنسان المسلم بناءً عقديًا سليمًا صحيحًا متمثلًا بقول الصحابي الجليل ربعي بن عامر رضي الله عنه: “الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه”.
ومع واجب الوقت الذي يحتم على الجميع العمل والدعوة والانتباه لمخططات الأعداء الداخليين والخارجيين وما يحاك لنا من مؤامرات كان لا بد من عدة نصائح، أهمها:
1_ تجديد النية لله عز وجل؛ وعدم الركون للدنيا أو الانشغال بها وقد فتحت للمجاهدين المدن والقرى والساحل والكثير من المناطق الجميلة الجديدة بما تحويه من فتنٍ وملهيات، جاء في الحديث: “أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قال لقومٍ رجعُوا مِنَ الغزوِ: «قدمْتُمْ مِنَ الجِهادِ الأَصْغَرِ إلى الجِهادِ الأَكْبَرِ»، قيل: وما الجهادُ الأكبرُ؟ قال: «مُجَاهَدَةُ العبدِ لهَوَاهِ»”.
2_ الحذر الأمني؛ فالنظام النصيري سقط عسكريًا لكنه متواجد ويعمل بقوةٍ أمنيًا بعمليات غدرٍ شهدناها وقتل فيها مجاهدون فيجب الانتباه والحذر، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُوا جَمِيعًا} [النساء:71].
3_ سلاحك عزك؛ فلا تبعه ولا تعره ولا تتركه ولا تتهاون في حمله والاعتناء به بل واقتناء أسلحة جديدة ونشر ثقافة التسلح والقوة بين المسلمين.
فالْزَمْ سِلاحكَ لا يغيبُ بريقهُ *** إنَّ السلاحَ وسامةُ الفرسانِ.
4_ لا بديل عن تحكيم الشريعة؛ فلأجلها قاتلنا ولأجلها خرجنا من بيوتنا وأرضنا ولأجلها قُتل إخواننا ولأجلها صبرنا وصمدنا وقاتلنا وعليها سنموت بإذن الله تعالى.
5_ ترتيب سلم الأولويات؛ وأولها الدعوة ثم الدعوة ثم الدعوة ثم خدمة الناس والنصح لهم وتوعيتهم فقد ترك النظام النصيري بلادًا مدمرة وشعبًا مهمشًا فقيرًا مشردًا أبعده عن دينه وجعله في غربة وفي غير ما خُلق له.
6_ التدرج في التعامل مع الشعب في المناطق الجديدة؛ وخفض الجناح لهم وإكرامهم وعدم التكبر عليهم أو المنّ عليهم بالجهاد وتخليصهم من النظام لئلا يحبط جهادك ودعوتك قال تعالى: {وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت:6].
7_ المجاهدون رأس مالنا؛ وأي مشروعٍ جديدٍ يجب أن يكونوا هم ولهم الأولوية فيه سواء كان مشروعًا اقتصاديًا أو سياسيًا أو اجتماعيًا أو علميًا، وليس من الفضل أن ننسى فضلهم وما قدموه على مدار سنوات وخاصة الجرحى وأهالي الشهداء.
8_ لم تضع الحرب أزوارها؛ وإنما تحولت من مرحلة إلى أخرى فما زالت فلول النظام النصيري حاضرة فضلًا عما يحاك ضدنا ومحاولات فرض إملاءات خارجية مرتبطة بالدعم ورفع العقوبات فاسألوا الله الصبر والثبات على الجهاد حتى الممات وعدم الركون للدنيا، كما ورد في الحديث: “فُتِح على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَتْحٌ فأتَيْتُه فقُلْتُ: يا رسولَ اللهِ سُيِّبَتِ الخيلُ ووضَعوا السِّلاحَ فقد وضَعَتِ الحربُ أوزارَها وقالوا: لا قتالَ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «كذَبوا الآنَ جاء القِتالُ الآنَ جاء القِتالُ إنَّ اللهَ جلَّ وعلا يُزيغُ قلوبَ أقوامٍ يُقاتِلونَ ويرزُقُهم اللهُ منهم حتى يأتيَ أمرُ اللهِ على ذلكَ وعُقْرُ دارِ المُؤمِنينَ الشَّامُ».
9_ لا بديل عن النجاح في المرحلة الجديدة؛ أمنيًا وسياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا كما نجحنا عسكريًا، فما حصل في سوريا نموذجٌ رفيعٌ يجب أن يبقى أثره جيدًا في عيون أبنائه وباقي المسلمين أننا ناجحون ولسنا فاشلون وتجربتنا يجب أن تعمم.
10_ المسارعة في التحلل من المظالم؛ صغيرةً أو كبيرةً وكيفما وقعت تحت أي ظرف أو سبب؛ فالنصر والتحرير لا يعني موت الحقوق أو نسيانها أو التهاون فيها، قال تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف:49].
11_ الإسراع للعمل مع القول والنصح؛ فكثيرٌ هم الناصحون وقلة هم العاملون والله عز وجل أمر بالعمل مع العلم قال تعالى: {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108]، وقال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة:105].
نسأل الله أن يتمم علينا النصر والفتح والتمكين وأن يفرج عن المسلمين المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، وأن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر، وسببًا في نصرة أهلنا في غزة والمستضعفين في كل مكان، وأن يجعلنا مجاهدين صادقين حقًا آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر وقّافين عند كتابه مقتدين بسنة نبيه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
والحمد لله رب العالمين.