ضرب متة – الأستاذ غياث الحلبي

الأستاذ: غياث الحلبي

 

 الزمان والمكان: خان شيخون 2012.

 أمضى عثمان نوبته من الثانية عشرة إلى الثانية ظهرا على سطح المقر يراقب بمنظاره حاجز النظام على طرف القرية من الجهة الشمالية، كان يتأمل بدقة وجوه الأشخاص الذين يستوقفهم الحاجز ويقوم بتفتيش سياراتهم أو يقوم بالتحدث معهم، فهو يخشى أن يكون بعضهم عملاء وجواسيس للنظام ينقلون إليه أخبار المجاهدين أو يعطونه إحداثيات مقراتهم ليقوم بقصفها.

 

 وقبيل انتهاء نوبته كان عثمان قد بدأ يشعر بالتعب الشديد؛ فهو صائم ونوبته على سطح سقفه السماء وقد كوته الشمس بسياطها اللاهبة.

 

 وفجأة شاهد عثمان الحاجز وهو يوقف سيارة نوع سوزكي ويخاطب سائقها ويأخذ منه هويته ويأمره بالعودة إلى القرية، واستدار السائق بسيارته وانطلق نحو القرية.

 

 استراب عثمان بشأن هذا السائق، ونادى إخوانه على الحاجز، وطلب منهم إيقاف السيارة، ثم سلَّم النوبة لمن بعده وركب دراجته النارية وانطلق نحو الحاجز حيث كان سائق السوزكي قد وصل بسيارته.

 

 توجه عثمان نحوه وسأله عما جرى بينه وبين الحاجز، شعر الرجل بالخوف وأخبره أن الحاجز أخذ هويته وطلب منه أن يرجع إلى القرية ويحضر له علبة متة ونصف كيلو سكر، ثم أخذ الرجل يقسم الأيمان المغلظة أنه صادق فيما ذكر وأنه ليس جاسوسا ولا عميلا للنظام.

 

 كان عثمان يستمع للرجل وهو يفكر كيف يمكن أن يستغل هذا الموقف ليعاقب الحاجز النصيري، ولم يكن يشك أن الرجل صادق في كلامه، ولكنه قال له: سوف تذهب معنا إلى المقر لنطرح عليك بعض الأسئلة ثم نتركك وشأنك.

 

 أضاءت فكرة في رأس عثمان وبدأ على الفور بتنفيذها، قام واشترى مادة اللانيت وهي سم لا طعم له ولا لون ولا رائحة، ثم عاد وطلب من بعض المجاهدين أن يشتري علبة متة ونصف كيلو سكر، ففعل المجاهد وأحضر المتة والسكر، ومازح عثمان قائلا: بدك تسقي الجيش متة على حسابك؟ 

 

 فقال له عثمان: ستكون متة تضحك أرامل الشهداء وتسعد أيتامهم وتملأ قلوب المصابين بالفرح. 

 

 لم يفهم المجاهد ماذا أراد عثمان بقوله إلا أنه أعطاه المتة والسكر.

 

 دخل عثمان إحدى الغرف وخلط اللانيت بالسكر والمتة وأعاد إغلاق علبة المتة، ولم يخبر أحدا بما فعل، ثم خرج واتجه إلى الغرفة التي كان ينتظر فيها سائق السوزكي وأعطاه المتة والسكر، قائلا: نأسف على الإزعاج يمكنك الانطلاق الآن.

 

 حاول الرجل أن يعطي عثمان ثمن السكر والمتة إلا أنه رفض، فأخذ الرجل الأشياء وسار بسيارته؛ حيث أعطى الحاجز السكر والمتة وأخذ هويته وأكمل سيره.

 

 وفي المساء وصلت الأخبار أن خمسة من عناصر الحاجز لقوا حتفهم نتيجة التسمم، فيما نقل أربعة آخرون إلى المشفى.

 

 عندها أخبر عثمان أصدقاءه بما جرى قائلا: “كذا فلتكن أضرب المتة”.

 انتهت.

ضرب متة – الأستاذ غياث الحلبي /الواحة الأدبية / / مجلة بلاغ العدد السادس عشر، لشهر صفر ١٤٤٢

هنا بقية مقالات العدد السادس عشر من مجلة بلاغ الشهرية لشهر صفر 1442 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى