هل يرغب الغرب بإحداث تغيير حقيقي في إيران؟ – كتابات_فكرية -مجلة بلاغ العدد ٤١ – ربيع الأول ١٤٤٤ هـ

الأستاذ: حسين أبو عمر

«بخلاف الاحتجاجات السابقة، فإن المصدر الرئيسي لاستياء الحركة الاحتجاجية ليس قراراً اقتصادياً أو سياسياً منفصلاً. إن الشعار الأساسي للمحتجين حتى الآن هو “امرأة، حياة، حرية”، في إشارة إلى معارضة أكثر عمومية وعميقة للنظام القمعي الشمولي للجمهورية الإسلامية».

هذا ما قاله مهدي خلجي، الكاتب في “معهد واشنطن” في تعليقه على الأحداث في إيران، في مقاله “احتجاجات إيران بين الحاضر والماضي”.

من جهة أخرى توقع بعض المتابعين للشأن الإيراني أن تتطور الأحداث في إيران إلى تغيير كبير، خاصة وأن المظاهرات طالت مدنا ذات أهمية دينية محورية لنظام ولاية الفقيه كمدينتي “قم” و “مشهد”.

– لكن، هل يحدث هذان الأمران لأول مرة في تاريخ إيران؟

 

في تعليقه على المظاهرات التي انطلقت في نهاية العام 2017 نشر الكاتب في صحيفة “الشرق الأوسط” إياد أبو شقرا في اليوم الأخير من نفس العام مقالا تحت عنوان: “إيران تستحق نظاماً آخر” قال فيه: «هناك انتفاضات الأقليات المقموعة عبر القرون والعقود… كالعرب والأكراد والبلوش والتركمان…» إلى أن قال: «لا جديد في أن تنتفض إيران ضد حاكميها. لكن ما هو غير مسبوق منذ «الثورة الخمينية» عام 1979 هو أن «الشرعية» المذهبية التي ادّعتها الحركة الخمينية لنفسها، وتستّرت بها على أطماعها القومية ومشروعها الإقليمي، سقطت في عاصمتَي «الخمينية» مشهد وقُم». فوصول المظاهرات إلى مدينتي “مشهد” و “قم” ليس حدثا يحصل لأول مرة، بل إن شرارة المظاهرات في نهاية 2017 انطلقت من مدينة “مشهد” أصلا.

أما القول بأن شعارات المظاهرات المناهضة لسلطة المرشد ولنظام الحكم في إيران جديدة وغير مسبوقة فهو قول بعيد عن الحقيقة والمصداقية أيضا..

في دراسة نشرها “مركز الجزيرة للدراسات” في بداية العام 2018، كتعليق على الأحداث وقتذاك، تحت عنوان: “إيران: حراك معارض محدود وأزمة نظام مزمنة”، جاء في مقدمتها: «شهدت إيران، منذ الثامن والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول 2017، حراكًا شعبيًّا معارضًا، انتقل خلال أيام قليلة من مدينة مشهد إلى عشرات المدن والبلدات. كان طابع الحراك في بدايته أقرب إلى التعبير المطلبي، والاحتجاج على ضغوط المعيشة المتزايدة، وانتشار الفساد في أوساط الدولة ونظام الحكم. ولكن المحتجين سرعان ما رفعوا شعارات سياسية، حملت تهجمًا صريحًا على رئيس الجمهورية والمرشد الإيراني ورموز الحكم الأخرى، وعلى نظام الجمهورية الإسلامية برمته».

فلا وصول المظاهرات إلى مدن “قم” و “مشهد” ولا شعارات المظاهرات شيء جديد في تاريخ الإيرانيين.. بل إن للإيرانيين صراع طويل مع سلطاتهم حول قضية الحجاب؛ سواءً في فرض الحجاب أو في منع الحجاب..

– موقف الغرب الحقيقي من نظام الملالي:

في مقالها المنشور في 28 سبتمبر 2022 تحت عنوان “إيران على أعتاب ثورةٍ جديدة” قالت الكاتبة في “معهد واشنطن” شوکریا برادوست: «يبدو أن البيت الأبيض تعلَّم من أخطائه الماضية. وقد استجابت إدارة بايدن هذه المرة بشكل مختلف تمامًا، حيث تبنت نهجًا أكثر حزماً ودعمت الاحتجاجات في إيران منذ بدايتها». وهذا الكلام مجانب للحقيقة أيضا، طالما أنه يتحدث عن الموقف المعلن للأمريكيين، إذ إن البيت الأبيض سارع إلى تأييد مظاهرات نهاية 2017 -في العلن- حتى إن الرئيس الأمريكي دعا في بداية 2018 إلى تغيير نظام الحكم في إيران، ووصفه بأنه “وحشي وفاسد…”.

لكن المواقف المعلنة شيء والموقف الحقيقي شيء آخر.

 

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن إيران دولة يسهل التدخل الخارجي فيها والتلاعب معها؛ لأنها تحتوي على تنوع عرقي ومذهبي، وتفتقد في ذات الوقت للتماسك الاجتماعي، وجرت العادة فيها أن مارست الأكثرية مختلف أنواع القمع ضد الأقليات، هذا أولا.

وثانيا: لما فيها من استبداد واستئثار الطبقة الحاكمة، وظلمها وفسادها وسوء توزيع الثروة..

في 29 حزيران/ يونيو 2021 استضافت وحدة الدراسات الإيرانية في “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات” مُجتبى مهداوي، أستاذ العلوم السياسية وأستاذ كرسي “مجلس إدمونتون للمجتمعات المسلمة” في الدراسات الإسلامية بجامعة ألبرتا، كندا، لإلقاء محاضرة، قال فيها: «الدولة في مرحلة ما بعد الثورة في إيران دولة هجينة؛ إذ إنها مزيج من السلطوية والاستبدادية وشبه الديمقراطية، وخليط من “الدولة العميقة” التي تجمع بين عناصر من الأوليغارشية الدينية والأجهزة الأمنية، ومزيج من تحالفٍ ترعاه الدولة مؤلفٍ من الجيش والتجار ورجال الدين».

فالموقف الأمريكي الحقيقي ليس سببه أن إيران عصية أو صعبة على الاختراق/ التدخل الخارجي، وإنما هو موقف مبني على حقائق جيوسياسية، جيوثقافية، وجيوإثنية تحقق للدول التي قسمت العالم الإسلامي خدمات كبيرة.

تتمتع إيران بموقع جيواستراتيجي مهم جدا؛ حيث تطل على المحيط الهندي من جهة وعلى بحر قزوين، وتتصل بريا بأرمينيا من الجهة الأخرى؛ فهي تفصل -جغرافيا- العالم السني العربي والتركي عن العالم السني في شبه القارة الهندية وآسيا الوسطى؛ وهذا الموقع لا يتوفر لأي دولة أخرى في العالم. إسرائيل – هي الأخرى- تفصل المغرب العربي عن المشرق العربي. وفي إيران كتلة بشرية وموارد جيدة..

ولا يمكن أن تحقق إيران ما تحققه إسرائيل من غير إيديولوجيا قوية، راسخة، منبوذة، معادية لمحيطها الإقليمي..

وهنا يجب أن لا ننسى أن المخابرات الأمريكية والبريطانية -كما اعترفوا هم- هي من ساهمت في إسقاط حكومة مصدق، الليبرالي، المنتخب ديمقراطيا…

ونختم بقول بول بريمر، الحاكم العسكري للعراق، إبان الغزو الأمريكي، في لقاء على قناة الجزيرة، حيث قال: «عندما أطحنا بصدام أطحنا معه أيضا بألف سنة من التسلط السني في بلاد “ما بين النهرين”». فمن كان هدفه الإطاحة بحكم السنة -العلمانيين- في بلاد “ما بين النهرين”، وتسليمها للروافض، لن يكون هدفه تمكين غير الروافض في بلاد فارس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى