مناصرة أهل غزة.. أفكار خارج المساحات الآمنة – كتابات فكرية – مجلة بلاغ العدد ٦٢ – ذو الحجة ١٤٤٥ هـ

الأستاذ: حسين أبو عمر

مضت أكثر من ثمانية أشهر على بدء الحرب الصهيونية الأمريكية ضد أهل غزة، ومازالت الحرب مستمرة بغطاء ودعم أمريكي مفتوح، ارتكب الصهاينة خلال هذه الأشهر آلاف المجازر بحق المسلمين العزل، راح ضحيتها عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ، وتحولت خلالها مدن بأكملها إلى ركام، وسُوّيت بالأرض بفعل آلة الدمار الصهيونية الأمريكية.. ما يجري هناك إبادة جماعية بما تحمل الكلمة من معنى -هذا إن كانت الكلمات تستطيع أن تعبر عن بعض ما يجري هناك.. إبادة جماعية تحت مرأى ومسمع الجميع، تلتقط صورها الكاميرات وتبثها الشاشات.. تدمير للبشر والحجر ولكل شيء.. مجازر تتقرح لها الأكباد، وتتفطر لها القلوب، لو كانت حية!

لقد تخطَّت الحرب على غزة كل القواعد والاعتبارات والحسابات السابقة؛ وذلك أن المجرمين لم يجدوا ردود أفعال تدفعهم لأن يعيدوا حساباتهم ويضبطوا أفعالهم، فتمادوا في إجرامهم إلى حد بعيد جدا؛ ولن يردع هؤلاء المجرمين، ويضع حدًا لهذه الهمجية وهذه الوحشية، ويوقف هذه الإبادة الجماعية، إلا ردود أفعال خارج المألوف، لا تلتزم بأي شيء إلا ما يفرضه علينا ديننا، تكسر القواعد القديمة، وتفرض قواعد جديدة، وتذيق الصهاينة من نفس الكأس التي أذاقوا المستضعفين منها؛ هذا فقط ما يمكن أن يردعهم.

خلال حرب أمريكا على العراق، ارتكب الأمريكيون في البداية مجازر وجرائم أخلاقية بحق أهل السنة يندى لها الجبين، ولم يضع حدًا لإجرامهم سوى ردود الفعل العنيفة، التي قام بها المسلمون؛ هذا هو الشيء الوحيد الذي وضع حدًا لهمجيتهم، وأجبرهم على تغيير نهجهم.

في كتابه «مستقبل القوة» نقل جوزيف ناي قول الجنرال الأمريكي ستانلي ماكريستال، الذي قاد «قوات المساعدة الدولية لإرساء الأمن في أفغانستان» «إيساف» مؤيدًا له: “إن حادثة أبو غريب، وغيرها من المواقف المماثلة لا يمكن استصغار شأنها.. إن العدو مستمر في ضربك بها مثل العصا”.

ولعل سائلًا يسأل: وما الذي يستطيع المسلمون الذين لا يستطيعون اختراق الحدود، والمكبلون من قبل حكوماتهم، تقديمه لنصرة أهل غزة؟

حقيقة؛ ما يستطيع المسلمون تقديمه لأهل غزة كثير، وأنا هنا أتكلم عن الممكن في ظل الواقع الذي نعيشه، وليس خارج هذا الواقع، كما أني لا أتكلم هنا عن الإغاثة والدعم المادي، وإنما عن أعمال موجعة، يمكن أن تجبر الصهاينة وحلفاءهم على إعادة حساباتهم.

ألا يستطيع علماء المسلمين ودعاتهم وجماعاتهم تحريك وتجنيد وتدريب مئات من الشباب المسلم المتحرق لنصرة غزة لضرب الصهاينة ومصالحهم في أقطار العالم؟

والجواب: بلى يستطيعون تجنيد وتجهيز الآلاف، بل وعشرات الآلاف، وليس فقط المئات؛ والمطلوب فقط أن يتحركوا خارج المساحات الآمنة.

ثم إن أمر الاستهداف لم يعد بتلك الصعوبة التي كان عليها في السابق؛ حيث أصبح اليوم بمقدور أي مجموعة صغيرة متدربة تدريبًا جيدًا، وتمتلك القليل من الإمكانيات المادية، وبوسائل بسيطة، صناعة الدرونات المسلحة، واستعمالها في عمليات الاستهداف والنكاية.

ولن يوقف هذا الإجرام، ويرفع هذه الذلة إلا الرجوع إلى دين الله عز وجل، والالتزام بأمره، وإحياء سنة نبيه صلى الله عليه وسلم في الاغتيالات، قال تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [البقرة:191].

وقال تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} [النساء:89].

وقال تعالى: {وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التوبة:5].

والآيات التي تحض على ترصد الكافرين المحاربين، وقتلهم في كل مكان كثيرة..

الأمر الآخر الذي يستطيع علماء المسلمين ودعاتهم وجماعاتهم فعله هو تجنيد وتدريب شباب مسلمين ممن يحملون جوازات سفر، يستطيعون بواسطتها الدخول إلى الكيان الصهيوني، من أجل تنفيذ عمليات هجومية داخل الكيان الصهيوني، كما فعل الشاب التركي حسن ساكلانان -تقبله الله في الشهداء- الذي قام بطعن شرطي صهيوني في القدس في نهاية أبريل الفائت.

وتنفيذ مثل هذه العمليات له فوائد كثيرة، منها: إحداث النكاية في الصهاينة المجرمين، وبث الرعب فيهم حتى لا يشعروا بالأمان، وكي يعلموا أن إجرامهم لن يمر دون عواقب، ومنها وضعهم في حالة حذر وإجهاد مادي من إعطاء تأشيرة دخول لأي مسلم؛ وذلك سيكون عائقًا أمام تطبيع شعبي محتمل حصول بعضه بعد التطبيع السياسي مع الكيان الصهيوني، بل غالبًا سيؤثر على العلاقات القائمة فعلًا بين بعض الدول والكيان، ثم إن الفائدة ستكون أكبر، وإجهاد الكيان أشد؛ لو أمكن تجنيد شبان مسلمين للقيام بمثل هذه المهمات من أمريكا وأوروبا وروسيا وغير هذه الدول؛ وهو ليس بالأمر المستحيل، ولا بالصعب جدًا، بل هو ممكن، يحتاج فقط إلى علماء ودعاة وجماعات مستعدين للتضحية في سبيل نصرة المستضعفين من المسلمين، ويعملون على تحريض وتجنيد الشباب.

الشيء الآخر الذي يجب ألا يُغْفِله المسلمون أبدًا، وهم من يستطيع ممارسته أكثر من أهل غزة، هو الضغط على الأمريكيين، إذ أنه لولا الغطاء الأمريكي والدعم اللامحدود لما استطاع الكيان الصهيوني القيام بهذه المجازر الوحشية، والمضي بالحرب إلى هذا المستوى وهذا الوقت.

ومشاركة الأمريكيين في هذه الحرب ليست سرًا، بل هي معلنة، وعلق عليها الكثيرون، حتى أن حركة حماس نفسها حملت الإدارة الأمريكية مرارًا المسؤولية عن المجازر التي يرتكبها الكيان الصهيوني في غزة.

ولقد أشار إلى الدور الأمريكي في الحرب على غزة الكاتب الفلسطيني سعيد الحاج على حسابه على منصة (X) بقوله: “واشنطن منذ اليوم الأول شريكة للاحتلال في جرائمه، بل تشعرنا أحيانًا أنه يخوض لها حربها هي”.

وهذا التحليل من مراقب يذكرنا بوصف السياسي الأمريكي روبرت كينيدي جونيور، ابن شقيق الرئيس الأمريكي الأسبق جون كينيدي، لدولة الاحتلال بأنها: “رأس حربتهم في الشرق الأوسط”، وأنها: “حصن لهم.. الأمر أشبه بوجود حاملة طائرات في الشرق الأوسط”. كما قال.

فيجب تعبئة المسلمين ضد أمريكا، وحشدهم لإظهار أشد درجات الغضب ضدها، وليكن سقف ردات الفعل ضدها مفتوحًا؛ ولا يُخدعنَّ أحد بمبادراتها ودعاويها لإيقاف الحرب، فما هي إلا مراوغات لامتصاص الغضب، ووسائل للتلاعب وكسب الوقت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى