ملخص كتاب العلمنة من الداخل – مجلة بلاغ العدد ٦٨ – رجب ١٤٤٦ هـ
من مشاركات القراء
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
تمكنت قوى الكفر من إسقاط الخلافة الإسلامية ومزّقت جسد الأمة إلى أقطار متناحرة، وأقصت الأنظمةُ الطاغوتية التي استخلفتها قوى الكفر الحكمَ بالشريعة وأحلت محلها العلمانية.
وما انفكت أجهزة الإعلام العالمية والمحلية التابعة للأنظمة الوظيفية تمجد بهذه النحلة الخبيثة وفُرضَ تربية النشء في المدارس عليها وكان الأمر ذاته يحصل في الجامعات وصُدر الزنادقة العلمانيون ليكونوا قدوةً للشباب وأُسندت إليهم الوظائف والمناصب لاسيما التعليمية.
وكان لزاماً على الحركة الإسلامية التصدي لهذه النبتة الخبيثة فشنت الأنظمة عليها حربًا لا هوادة فيها وقدمت الحركة الإسلامية كثيرًا من التضحيات
ثم دخلت دهاليز اللعبة السياسية التي يُشترط فيها الاعتراف بالأنظمة العلمانية فتسربت بعض المفاهيم العلمانية إلى بعض العاملين فيها.
ومع مرور الوقت وتعاقب الأجيال ازداد هذا التسرب وما كان بالأمس يقال من باب اتقاء الشر صار اليوم ركيزةً عند البعض.
والكتاب الذي نتناوله في هذا المقال هو رصدٌ لهذا التسرب وهو بعنوان:
((العلمنة من الداخل رصد تسرب التأصيلات العلمانية إلى فكر التيارات الإسلامية المعاصرة)) للدكتور البشير عصام المراكشي
ابتدأ الكتاب ببيان أن تسلل العلمانية إلى التيارات الإسلامية لم يكن على مرتبةٍ واحدةٍ بل كان على نسبٍ مختلفةٍ فمن مقل ومستكثر وبين أن النقد سيكون موجهاً إلى الطائفة الأكثر تمرغًا في حمأة العلمانية وذكر قول بعضهم من هذا الصنف بلسان الحال أو المقال: “أن لا أدعوا إلى تطبيق الشريعة ولا أنوي تطبيقها لو حكمت وليس في برنامجي السياسي أصلاً”.
“لا أدعوا لمنع الخمر ولا للبس الحجاب فضلاً عن أن أسعى لفرض ذلك بل من شاء أن يفعل شيئاً فليفعله”.
“لا أحب الدقة الفقهية والصرامة العقدية وأفضل الخطاب الفكري الناعم المميع الذي يفهم منه كل مخاطب ما يريده”.
ثم ذكر المؤلف بعض تعاريف العلمانية وسبك تعريفاً بين أنه يقصده في كتابه معرفها بقوله:
“نزع القيم الدينية الإسلامية عن الممارسة السياسية بمعناها الشامل للاقتصاد والاجتماع والثقافة ثم بين حكم الشريعة في العلمانية فبين أنها ((لا تجتمع مع الاسلام جملة وتفصيلاً))” وهي مناقضة للإسلام من عدة أوجه:
-أنها شركٌ في الربوبية وشركٌ في الألوهية وقدحٌ في النبوة، وقدحٌ في عقيدة الإيمان.
-ثم بين أن الخلل هو الانفصام عن المرجعية الإسلامية وهذا الانفصام له صورتنا هما:
-تنحية المرجعية الإسلامية جزئيًا وسماه (التجزيء).
-تنحية المرجعية الإسلامية كلياً وسماه (التنحل).
وبين أن المراد بالتجزيء (تنحية المرجعية الإسلامية عن حقل السياسة خصوصًا بشكل جزئيٍّ غير شامل ويتخذ ذلك اتجاهين اثنين:
-التجزيء في أحكام الشريعة نفسها.
-التجزيء في المخاطبين بها.
وهذا التجزيء وإن كان أخص من التنحية الكلية لا يخلو من مفاسد خطيرة.
فهو في الاتجاه الأول يستدعي إشكالاً شرعيا خطيراً، إذ الكفر بحكمٍ شرعيٍ واحدٍ لا يختلف عن الكفر بالشرع كله.
وهو في الاتجاه الثاني يقتضي تلبيساً واقعياً وغموضاً في الأهداف السياسية مما يستدعي إنكار المخالفين وعدم ثقتهم في نزاهة التيار الإسلامي.
ونتج عن هذا:
“التفريق بين الالتزام الفردي بأحكام الدين والتزام المجتمع والدولة…. فصار مشايخ هذا التيار مع إنكارهم العلمانية وعدم انتسابهم إليها لا يستنكفون من التصريح بأن مهمتهم الدعوة إلى تصحيح عقيدة الأفراد وعبادتهم وعدم الخوض في قضايا المجتمع والسياسة” وهذا ينتشر في بعض دعاة السلفية أما غيرهم فنجد كثيراً من الدعاة يصرحون بالبراءة من طلب السلطة والحكم ويجتنبون التلفظ بالدعوة إلى تطبيق الشريعة كأنها معرّة يستحي منها، وتجد غالب خطابهم يدور على الأحكام الفردية خاصةً منها المتعلقة بترقيق القلب والحث على العبادة وتصحيح العقائد النظرية”.
ومن صور الخلل أيضاً أنه “انتشر بين كثير من منظري التيارات الإسلامية المعاصرة اختيار المرجعية العليا من المبادئ الكلية للشريعة مع إهمال التنصيص على أن المرجعية يدخل فيها أيضاً كل الأحكام التفصيلية.
والسبب وراء هذا التفريق أن المبادئ العامة تكون – في الغالب – مقبولة من النظام العلماني المهيمن خاصة في صيغها الموغلة في التعميم والإطلاق بخلاف التفصيلات الفرعية فإنها محك التسليم لسلطة الشرع.
ومن صور هذا الخلل ما اشتهر عند بعض الحركات الإسلامية “أن خطاب المحافل السياسية العامة كالبرلمان ووسائل الإعلام مغاير لخطاب المحافل الدعوية الخاصة كالمساجد مثلًا، وهذا من الثمرات السيئة للتفريق بين الدعوي والسياسي بحيث يكون للحركة الدعوية خطاب مغاير لذراعها السياسي.
والغالب عليهم أنهم – لتسويغ هذا الخطاب الازدواج في الخطاب – يظهرونه في صورة الإكراه ومراعاة المصلحة ويقدمونه في ثوب استعمال المعاريض فلا يختلف ذلك كثيراً عن التدليس السياسي الذي تمارسه الأحزاب العلمانية ويشتكي منه عموم المسلمين.
وقد يقع من بعضهم في باب الازدواج شيءٌ أخطر فإنهم حين يعجزون عن قول الحق المحض في البيئة المعادية مع قوم مخصوصين، لا يكتفون بالسكوت عن قول الحق حتى يضيفوا إليه قول بعض الباطل الصريح”.
ثم بين آثار التضليل من مرجعية الشريعة ويقصد بالتنصل تنحية المرجعية الإسلامية خلال الممارسة السياسية:
“ويصل التماهي بين الخطاب السياسي لهؤلاء وبين الخطاب العلماني إلى الدرجة التي يقول فيها أحد الإسلاميين ((لا بد من التمايز في المجالات والرموز والخطاب لأنه ليس مطلوباً مني أنا كسياسي استحضار الآيات في ممارستي السياسية بقدر ما أنا مطالب بتطبيق القانون)) وهكذا يصبح الاستشهاد بالنص القرآني تهمةً يتنصل منها ويفتخر – على عكس ذلك – بالركون إلى القوانين والتشريعات الوضعية”.
ويتمخض عن هذا اتجاهان خطيران:
أولهما: عدم الإفصاح عن المرجعية الإسلامية والاكتفاء بفهم الناس وتصنيفهم المأخوذ من بعض الإشارات والقرائن.
والثاني: تغليف المرجعية الإسلامية بمقولاتٍ علمانيةٍ مائعةٍ يتستر الناشط الإسلامي وراءها”.
ولذلك فإنكار المنكرات يجب أن يكون لأنها تخالف الشريعة وليس بالاعتماد فقط على آثارها الدنيوية وذكر الثمرة الدنيوية فقط وإغفال الحكم الشرعي يؤدي إلى:
1_ إضعاف تعظيم الشريعة في نفوس المسلمين.
2_ سهولة نفاذ الخطاب العلماني في جسم الأمة.
3_ ميوعة الأحكام المعلمنة بسبب سهولة تغيرها والالتفاف حولها.
4_ ربط الحق في أذهان الناس بالمعايير المادية بدلًا من المقاييس الشرعية.
5_ حرمان السياسة من الاستفادة من وازع الثواب والعقاب الأخروي الحاضر بشدة في الخطاب الشرعي، والغائب مطلقاً عن الخطاب المغلف بالمقولات العلمانية.
ثم يبين أسباب تسرب العلمانية إلى صفوف الحركة الإسلامية
ومن ذلك رفض وصول الحركة الإسلامية إلى الحكم من قبل العلمانيين والغربيين.
“فقد أنتج هذا الرفض محاولة بعض المفكرين الإسلاميين طمأنة القوى العلمانية في الداخل والدول الغربية في الخارج عن طريق تبني مفهوم المواطنة بمعناه الغربي مع تعديلات سطحية يسيرة ليوافق – فيما يزعمون – مبادئ الشريعة الإسلامية”.
“وتتأكد الخطورة حين تصل بعض هذه الحركات الإسلامية إلى سدة الحكم وتجد نفسها في حاجةٍ ماسةٍ إلى إظهار حسن النية والولاء التام للوطن والخضوع الكامل لدستوره وقوانينه، وهنا لا بأس بالتخلي عن بعض قضايا الأمة الكبرى في سبيل الوطن” وهذا لا شك مزلقٌ خطيرٌ تنحدر إليه بعض الحركات الإسلامية.
فهذه بعض المزالق والتسربات من العلمانية إلى الحركة الإسلامية والكتاب حافلٌ بالأمثلة وحريٌّ بالشباب المثقف العامل لدين الله أن يرجع إلى هذا الكتاب ويستفيد منه لا سيما النصف الأول منه والحمد لله رب العالمين.