معركة التغيير والأخطاء القاتلة 11- تشويه المفاهيم السنية

#كتابات_فكرية

معركة التغيير والأخطاء القاتلة 11- تشويه المفاهيم السنية

الدكتور: أبو عبد الله الشامي

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

يقول تعالى في محكم تنزيله: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل 89]، ويقول أيضًا: {كَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى 52].

ويقول سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر 9].

يقول السعدي رحمه الله: “{إِنَّا نَحْنُ نزلْنَا الذِّكْرَ} أي: القرآن، الذي فيه ذكرى لكل شيء من المسائل والدلائل الواضحة، وفيه يتذكر من أراد التذكر، {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} أي: في حال إنزاله وبعد إنزاله، ففي حال إنزاله حافظون له من استراق كل شيطان رجيم، وبعد إنزاله أودعه الله في قلب رسوله، واستودعه فيه ثم في قلوب أمته، وحفظ الله ألفاظه من التغيير فيها والزيادة والنقص، ومعانيه من التبديل، فلا يحرف محرف معنى من معانيه إلا وقيض الله له من يبين الحق المبين، وهذا من أعظم آيات الله ونعمه على عباده المؤمنين، ومن حفظه أن الله يحفظ أهله من أعدائهم، ولا يسلط عليهم عدوًا يجتاحهم” انتهى.

هذا، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين».

وإن المتتبع لمسيرة جماعات الإسلام الحركي، على اختلاف فلسفتها للصراع ووسائلها المعتمدة في التغيير، يجد كمًا هائلًا من العبث التصوري والتشويه السلوكي للمفاهيم السنية؛ حيث لا يقتصر الأمر على شبهات الغلو والإرجاء، بل يتعداه إلى تشويه سلوكي مشرعن، نابع من عقلية جبرية مسيطرة، ليترتب على ذلك كله غياب وتشويه كم كبير من المفاهيم السنية، وعلى رأسها: مسمى الإيمان والحكم والجهاد والخلافة والسياسة الشرعية، وغيرها كثير، الأمر الذي يوجب على العلماء الربانيين أخذ دورهم الحقيقي في صيانة المفاهيم السنية وتنقيتها من الشبه والدعاوى والسلوكيات المشوهة.

يقول النووي رحمه الله: “وهذا إخبار منه صلى الله عليه وسلم بصيانة العلم وحفظه وعدالة ناقليه، وأن الله تعالى يوفق له في كل عصر خلفًا من العدول يحملونه وينفون عنه التحريف، وما بعد فلا يضيع، وهذا تصريح بعدالة حامليه في كل عصر، وهكذا وقع ولله الحمد، وهذا من أعلام النبوة، ولا يضر مع هذا كون بعض الفساق يعرف شيئًا من العلم، فإن الحديث إنما هو إخبار بأن العدول يحملونه، لا أن غيرهم لا يعرف شيئًا منه، والله أعلم”.

هذا وإن من أهم ما يعوق مهمة المحسوبين على طلبة العلم عن هذا الواجب: هو تمكن الحزبية المقيتة في النفوس، وما ينتج عن ذلك من تكريس فقه انتقائي تلفيقي ومنهج تبريري تلوني.

وفي ضوء ما سبق؛ يتضح: 

أن صيانة العلم والمفاهيم السنية وحفظها من العبث التصوري والتشويه السلوكي لأهل الإفراط والتفريط، وأدعياء العلم، حق وواجب شرعي، لا يضيعه شيء في واقعنا المعاصر، مثل تمكن الحزبية المقيتة في النفوس، وسيطرة المنهج التبريري التلوني، وفي هذا يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: “لو أن أهل العلم صانوا العلم ووضعوه عند أهله، لسادوا به أهل زمانهم، ولكنهم بذلوه لأهل الدنيا لينالوا به من دنياهم فهانوا عليهم”.

والحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى