عقد على ثورة الشام.. هل فشل الربيع العربي || كتابات فكرية || مجلة بلاغ العدد الثاني والعشرون شعبان ١٤٤٢ هجرية
الأستاذ: حسين أبو عمر
“قتلنا 35 ألف مقاتل في سوريا وكسرنا ثورات المنطقة“
سيرغي شويغو
قبل بضع سنوات، وبينما كانت الدفعات الأخيرة من مهجري حلب تغادر المدينة قسرًا، أطلَّ علينا وقتها وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو بهذه الكلمات، وفي ذات الوقت كانت قناة “روسيا اليوم” تبث الفيديوهات التي التقطتها طائرة درون روسيا، والتي تصور حجم الدمار الذي قد حلَّ بمدينة حلب.
نفس الأمر كانت قد فعلته ذات القناة في عرض مقاطع الفيديو التي تصور حجم الدمار الذي فعلوه بمدينة حمص.
نفس النهج كانت قد انتهجته الولايات المتحدة، فما كادت قوات الاحتلال الأمريكي تبسط سيطرتها على مدينة الرقة السورية حتى أطلت علينا قناة CNN الأمريكية بنشر مقطع فيديو حصري «الرقة من الجو» يصور حجم الدمار الذي ألحقه المحتلون الجدد بمدينة الرشيد؛ أول جملة كتبت في مقطع الفيديو كانت: “تحولت المباني إلى حطام على الأرض بسبب القذائف”!
كما أن القناة الأمريكية نفسها كانت قد بثت مقطع فيديو حصري يصور حجم الدمار الذي لحق بمدينة الموصل فور إتمامهم السيطرة عليها، وكيف أن الجثث كانت ملقاة في الشوارع!
بهذه الكلمات، وهذا العرض لمشاهد القتل والدمار عبر قنواتهم الناطقة بالعربية يمارسون علينا نوعا من الحرب النفسية؛ أرادوا من خلال ذلك نشر الرعب والخوف في أوساطنا وإرهابنا، لتمكين الشعور بالإحباط واليأس من نفوسنا، وتحطيم الروح المعنوية لمجاهدينا، وتعميم مشاعر الإحباط في مجتمعاتنا الإسلامية؛ لنستسلم ونخضع لهم مرة أخرى، ونعود إلى حظيرة العبودية مرة أخرى.
ثم راحوا هم وبقية طواغيت العرب “بلسان الناصح المشفق” يهددون كل مدينة أو قرية تحاول الخروج من حظيرة العبودية بمصير يشابه مصير حمص وحلب والرقة والموصل، وفي نفس الوقت كانت ماكيناتهم الإعلامية وأذنابهم يعقدون الندوات والحلقات التي تتحدث عن انتهاء “الربيع العربي”، وتحوله إلى “خريف” وتنشر الإرجاف والتخذيل فينا. فهل أتت استراتيجياتهم هذه بنتيجة؟
حقيقة، لم تكد تمض سنتان على تصريحات شويغو “كسرنا الثورات” حتى انطلقت ثورة الشعب الجزائري تنادي بإسقاط الطاغوت بوتفليقة، ثم ثورة الشعب اللبناني، ثم ثورة الشعب السوداني؛ هذه الثورات وإن كان تم الالتفاف عليها إلا أنها أثبتت فشل ما خططوا له، وأن سيرورة التاريخ أكبر من مكرهم.
علقت مجلة “ذي إيكونوميست” على ما جاء في التقرير الأممي “الشباب وآفاق التنمية الإنسانية في واقع متغير” الصادر في عام 2016: «وفقا لما ورد في التقرير الأممي من أن حركات الاحتجاج العربية تأتي في دورات مدتها خمس سنوات، وفي كل مرة تكون أكثر حدة من سابقتها، وأنه يبدو أن هناك موجة جديدة من الاحتجاجات يوشك أن تندلع».
– المستقبل لنا من أقلام مفكريهم:
قال الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون في كتابه “اقتناص الفرصة”: «إنّ الناس في العالم الإسلاميّ مرشحون للثورة. إنّهم صغار وشبان: وما يزيد على 60 بالمائة تحت الخامسة والعشرين من العمر».
كان قد سبق نيكسون إلى هذه النظرة المستشرق الألماني باول شمتز، يقول في كتابه “الإسلام قوة الغد”: «تشير ظاهرة النمو السكاني في أقطار الشرق الإسلامي إلى احتمال وقوع هزة في ميزان القوى في العالم كله».
في مقالته “الشرق الأوسط في القرن الواحد والعشرين” والتي نشرها “معهد دراسات الشرق الأوسط” في واشنطن في شتاء 1998 يقول الدبلوماسي الأمريكي والمحرر في الـ “فورين بوليسي” تشارلز ويليام ماينز: «الأجيال الشابة الجديدة تتميز بوعي سياسي وطني متصاعد، يرفض التدخل الخارجي، ويقوي روح المقاومة ضد الشمال، وذلك يمثل أكبر تحد للوضع الأمريكي في الشرق الأوسط خلال القرن الجديد».
كذلك يقول مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق زيبغنيو بريجنسكي في كتابه “رؤية استراتيجية”: «بات التفاعل بين كتلة الشرق الأوسط الشبابية المحرومة من الحقوق ولكن المستفزة سياسيا والثورة في تكنولوجيا الاتصالات الآن أحد الوقائع المهمة لجغرافية هذا القرن السياسية».
أما من روسيا، فتقول كبيرة الباحثين في المدرسة العليا للاقتصاد أليسا شيشكينا: «كان الدافع إلى معظم الحركات الاحتجاجية في 2010 “ذروة الشباب”، أي زيادة نسبة الشباب بين السكان ككل. منذ العام 2011، ارتفع معدل المواليد بشكل حاد في العالم العربي، بما في ذلك في بلدان الربيع العربي. وهذا يعطي سببا لتوقع تكرار “ذروة شباب” أخرى، كتلك التي حدثت في بداية الربيع العربي، بحلول الأعوام 2030 – 2035 وإذا لم تقم الدول في خضم الأزمة الحالية بهيكلة علاقتها بسوق العمل والتوظيف والتعليم، ولم تُعد النظر في البرامج التعليمية القائمة، فعندئذ أعتقد بأن التوقعات ستكون مبررة نحو جولة جديدة من الاحتجاجات في العشرين سنة القادمة»، كما نقلت “روسيا اليوم” تحت عنوان «انفجار الاحتجاجات يهدد الشرق الأوسط».
هذه الاحتجاجات والثورات وهذا الصراع هو مرحلة ضرورية في طريق النهوض؛ فمن رحم هذا التدافع ستخرج الصفوة العالمة العاملة، الواعية المضحية، القادرة على قيادة الأمة، وسيولد الحل الذي يكون فيه الخلاص والانعتاق من هيمنة المنظومة الدولية، وتعود حضارة أمتنا وأمجادها من جديد.
﴿مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ﴾ [الحج:١٥].