عقائد النصيرية 8- نقل الدروز لعقائد النصيرية/ مقال من الركن الدعوي لمجلة بلاغ العدد الخامس عشر لشهر محرم 1442هـ
الشيح: محمد سمير
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.. وبعد؛
فقد استعرضنا في المقالات السابقة أهم عقائد النصيرية وأفكارهم موثقة من كتبهم وكلام أئمتهم، وتتميما للفائدة فسنتحدث بحول الله في هذا المقال والمقالات القادمة عن أهم الكتب المؤلفة عنهم.
وسيكون اختيارنا لكتب ألفها مؤلفون من مشارب شتى، بعضهم من الباطنية، وبعضهم من الشيعة، وبعضهم كان نصيريا، وبعضهم من أهل السنة.
وسنضرب صفحا عن الكتب العقيمة التي ألفها بعض المعاصرين محاولا من خلالها إثبات أن النصيرية ليست شيئا مختلفا عن الإمامية بل هي عينها، فهذا كلام ساقط علميا وتاريخيا، وتكذبه كتب الإمامية نفسها، وسنتناول نصوصا منها لاحقا بمشيئة الله. كما أن المقالات السابقة كفيلة بنقضه من جذوره ونسفه في اليم نسفا.
* وأول كتاب سنتناوله اليوم هو كتاب: “الرسالة الدامغة للفاسق” أو “الرد على النصيري لعنه الله في كل كور ودور”، لمؤلفها حمزة بن علي الدرزي، ألفها ردا على بعض النصيرية في عصره “وللعلم فالدروز والنصيرية في الكفر سواء”.
وحمزة هذه ترجمه الزركلي في أعلامه، وأثبت هذه الرسالة له، فقال في 2/ 279: “حمزة بن علي … – 433هـ = … – 1041 م، حمزة بن علي بن أحمد الفارسي الحاكمي الدرزي، من كبار الباطنية، ومن مؤسسي المذهب الدرزي، فارسي الأصل، من مقاطعة زوزن، كان قذاذا ولبادا، وتأدب بالعربية، وانتقل إلى القاهرة، قيل حوالي سنة 405، واتصل برجال الدعوة السرية من شيعة الحاكم بأمر الله الفاطمي، فأصبح من أركانها، واستمر يعمل لها في الخفاء، ويواصل رفع كتبه إلى الحاكم حتى كانت سنة 408 هـ، فأظهر الدعوة وجاهر بتأليه الحاكم، وقال: إنه رسوله، وأقره الحاكم على ما نعت به نفسه، فلقبه برسول الله…، وحمزة عندهم أول الحدود الخمسة المعصومين… وله رسائل في مذهبهم والدعوة إلى الحاكم والرد على مخالفيهم، منها “الدامغة في الرد على الفاسق النصيري” اهـ.
وهذه الرسالة طبعت ضمن رسائل الحكمة، وتقع في أربع عشرة صفحة، وتقع نسختها المخطوطة في سبع وعشرين صفحة، وقد نشرت المخطوطة والمطبوعة قناة “مكتبة التراث النصيري العلوي”، وهذا رابطها على التليجرام: (t.m/alawit)
– والكتاب يبتدئ ببيان سبب تأليفه، فيقول: “إنه ورد إلي كتاب ألفه بعض النصيرية الكافرين بمولانا جل ذكره، المشركين به، الكاذبين عليه، الغاوي للمؤمنين والمؤمنات، الطالب الشهوات البهيمية وبرازة الطبيعية، ودينه دين النصيرية الدنية، فعليه وعليهم لعنة مولانا سبحانه، ولعنة الخنازير العابدين لإبليس وحزبه، وسماه كتاب: الحقائق وكشف المحجوب، فمن قبل كتابه عبد إبليس واعتقد التناسخ وحلل الفروج واستحل الكذب والبهتان، ونسبه إلى الموحدين الحقيقية”.
ثم شرع هذا الدرزي يحذر أتباعه من اتباع النصيري، ويسوق بعض عقائد النصيرية، ويرد عليها من وجهة نظر الدروز.
وبالطبع فلا يهمنا هنا معرفة رد الدرزي على النصيري، وإنما المهم إثبات ضلال النصيرية وزندقتهم من مصادر شتى. ولذلك سأكتفي بذكر ما نقله الدرزي من كتاب النصيري، ثم أعلق عليه، وقد أنقل شيئا من رد الدرزي.
– قال الدرزي: “فأول ما قال هذا الفاسق النصيري لعنه المولى، بأن جميع ما حرموه من القتل والسرقة والكذب والبهتان والزناء واللياطة، فهو مطلق للعارف والعارفة بمولانا جل ذكره”.
وهذا الذي ذكره قد مر معنا ما يصدقه من كتب النصيرية، والمحرمات والواجبات ليست سوى إشارات ورموز ولا يحرم على النصيري ما يحرم على أهل الظاهر، ولا يجب عليه ما يجب على أهل الظاهر. والمقصود بالعارف والعارفة هو من يعرف أن إلهه هو علي بن أبي طالب.
ثم قال الدرزي: “وأما قوله: إنه يجب على المؤمن ألا يمنع أخاه من ماله، ولا من جاهه، وأن يظهر لأخيه المؤمن عياله ولا يعترض عليهم فيما يجري بينهم، وإلا فلا يتم إيمانه، فقد كذب لعنه الله، وسرق الأول من مجالس الحكمة بقوله: لا يمنع أخاه من ماله ولا من جاهه، ويستر بذلك على كفره وكذبه، وإلا فمن لا يغار على عياله فليس بمؤمن، بل هو خرمي طالب الراحة والإباحة، راكب هواه وضلالته”.
ثم قال الدرزي: “وأما قوله، بأنه يجب على المؤمنة ألا تمنع أخاها فرجها، وأن تبذل فرجها مباحا حيث يشاء، وأنه لا يتم نكاح الباطن إلا بنكاح الظاهر، ونسبه إلى توحيد مولانا جل ذكره”.
وهذا الذي نقله الدرزي متفق مع أصول النصيرية بإسقاط التكاليف والرتع في الشهوات، وسيأتي معنا لاحقا إن شاء الله في كتاب الباكورة السليمانية التصريح بقريب من ذلك.
على أني لم أجد فيما اطلعت عليه من كتب النصيرية وجوب الإباحة لكل أحد، وأن الإيمان لا يتم إلا بذلك، وإنما كانوا يكتفون في كتبهم بإباحة الزنا دون وجوبه، والذي يبدو لي أن وجوب الزنا من ابتداع مؤلف كتاب “الحقائق وكشف المحجوب” ليطلق العنان لسعاره البهيمي، ويدل على ذلك ما نقله الدرزي عنه؛ حيث قال: “وأما قوله: الويل كل الويل على مؤمنة تمنع أخاها فرجها؛ لأن الفرج مثل أئمة الكفر، والإحليل إذا دخل فرج المرأة دليل على الباطن، وبمثوله على مكاسرة أهل الظاهر وأئمة الكفر، والحرام على من تكلم غير المستحق فهو الزنا، ومن عرف الباطن فقد رفع عنه الظاهر”.
فهذا النص يدل على أن هذه الصورة من ابتداع صاحب كتائب الحقائق؛ لأن المرأة عند النصيرية غير مكلفة، ولا يحل تعليمها شيئا من الدين فضلا عن تعليمها ما يكمل به إيمانها، كما أن هذا المجرم أراد أن يستغوي أهل الفساد والانحلال ويضمهم إلى دينه مرغبا إياهم بالفحش والرذائل.
– ثم قال الدرزي: “وأما قوله بأن أرواح النواصب والأضداد، ترجع في الكلاب والقردة والخنازير، إلى أن ترجع في الحديد، وتحمى وتضرب بالمطرقة، وبعضهم في الطيور والبوم، وبعضهم ترجع إلى المرأة التي تثكل ولدها”..
فهذا عين ما ذكره الخصيبي فمن بعده في التناسخ على ما ذكرنا سابقا.
– ثم قال: “وأما قوله: إن المشركين هم النواصب الذين يشركون بين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي فقد كذب وأبطل في قوله، وإن كان هذا هو الشرك فقد رضي علي بذلك وبايع أبا بكر وعمر وعثمان، وهم يروون عن علي بأنه ضرب على خفه فمات عشرون ألف رجل من أهل النهروان، ومن كانت هذه صفته لا يدخل تحت العجز، فعلمنا بأنه رضي به، ومحمد نصبهم معه”.
فهذه عقيدة النصيرية في الصحابة وقد مرت معنا سابقا، فصح بذلك أن جميع ما ذكره الدرزي عن النصيري ليس كذبا عليهم وافتراء، بل جميعه مسطور في كتبهم يعتقده أئمتهم ويعلمونه تلاميذهم ويتواصون بكتمانه، فعليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
* ونكتفي بهذا القدر، وإلى مقال جديد نتناول فيه كتابا ثانيا يتحدث عن النصيرية الآثمة ونحلتها الباطنية، والحمد لله رب العالمين.