ذكريات مضت.. هل يُمكن أن يكون الواقع الأليم الذي نعيشه اليوم منامًا سنستيقظ منه يوما….
ذكريات مضت
في سويعات تأمُّل، تخطفني الذكرى لتحلّقَ بي في سماء أيام خلت من عمر ثورتنا، فألمح فيها – مِن بُعد – خيال إخوة لنا رحلوا بعد أن رَوَتْ دماؤهم ثرى أرضنا، فأقتربُ أكثر، لأرى – بصورة أوضح – مشاهدَ عشتُها، انتصارات وانتكاسات، ضحكات وبسمات، غزوات وتضحيات، لحظات لو تباع اشتريتُها، تمرّ سريعا، فلا أصبر حتى أقترب أكثر وأكثر، فأشاهد تفاصيل دقيقة، وذكريات جميلة، أرى شوارع حلب البهية، أطفالا زُرع حب الجهاد في قلوبهم، ذاهبين إلى مدارسهم وهم يكبّرون، لسان حالهم يقول: سأتعلم وأكبر لأدافع عن ديني وأرضي، وأرى عجوزا يمشي إلى المسجد، وهو يتضرع ويدعو ربه بالنصر والفرج، ومجاهدا حاملا بندقيته، متوجها بعزيمة وثبات إلى ثغره، يبتغي الموت في سبيل الله.
يشدّني الشوقُ أكثر، ليجعلني أغوص في تلك الأحداث، وأشاهدها واضحة كأني أعيشها الآن! جلسات سمر مع الأحبة، يملؤها الصدق والإخلاص والأمل، لحظات قصف الطيران للأحياء، ونظرات التحدي التي يرقب بها الأهالي حركة الطائرة، وسقوط البرميل على المسلمين، آملةً الانتقام للدماء التي تُسفك، وبينما أنا أشاهد بسمة الماضي، وأسمع بحّته، وأستنشق عطره، وأسبح في فلكه، حتى أكاد أظنه الحقيقة، والواقع منامًا، يقطع عليّ تأمّلي منبّهٌ مزعجٌ، ينبئني بحدث جديد، فأقارن بينه وبين الماضي، فأجد بونًا واسعًا، وفرقًا شاسعًا، فيخيب أملي، ويتجدد حزني، ثم أقول في نفسي: هل يُمكن أن يكون الواقع الأليم الذي نعيشه اليوم منامًا سنستيقظ منه يوما ما لمستقبل واعد يجدد جمال الماضي الفائت؟!.