حق المجاهدين في زمن المنبطحين – مجلة بلاغ العدد ٤٦ – شعبان ١٤٤٤هـ
الشيخ: إسماعيل بن عبد الرحيم حميد أبو حفص المقدسي
الحمد لله وحده لا شريك له، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
يقول تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)
في زمن الغربة والانحلال من القيم والأخلاق الحميدة، والبعد عن الدين، وانقلاب المفاهيم، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ فِيهِمْ عَلَى دِينِهِ كَالقَابِضِ عَلَى الجَمْرِ» لما يتعرض له من البلايا والمحن والفتن التي تؤذيه وتضره في نفسه وأهل بيته، ما يجعله كالقابض على الجمر، وهذا يتطلب منه الكثير من الصبر على ما يتعرض له من الأذى الجسدي والنفسي، كأنه يمسك بيديه الجمر من كثرة الآلام والأحزان والمعاناة التي يجدها في حياته، وصبره على الفتن ومغريات الحياة، وتحمله مشاق طريق الجهاد ومواجهة أعداء الله، بالإضافة إلى تحمله نفقة نفسه، والنفقة على أهل بيته.
أخي القارئ: قد يستهين بعض الناس بالمشقة التي يتعرض لها المجاهد، وقد لا يدرك البعض حجم المعاناة التي يعيشها هو وأهل بيته، قد تمر عليه الأيام والليالي دون أن يرى أهله، وكذلك دون أن يأكل ويشرب وينام، وقد يتعرض أهله للأذى ومداهمة البيوت والاعتقال، للضغط عليهم وإجبارهم على الضغط على ابنهم المجاهد لتسليم نفسه، وقد يضيق عليهم في أرزاقهم ويفصلون من أعمالهم، قد يظن البعض أنني أبالغ في حديثي، ولكن هذه الحقيقة التي يحاول الطغاة وأعوانهم إخفاءها.
ومن خلال هذا المقال أدعو الأمة إلى رعاية المجاهدين، والوقوف معهم بكل أشكال الدعم المادي والمعنوي، فعنْ أنسٍ رضي الله عنه، «أنَّ فَتىً مِن أسْلَمَ قَالَ: يَا رَسُول اللَّهِ إنِّي أُريد الغَزْو ولَيْس معي مَا أتَجهَّزُ بِهِ، قَالَ: ائتِ فُلانًا، فَإنَّه قَد كانَ تَجهَّزَ فَمَرِضَ، فَأتَاهُ فَقَال: إنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْرِئكَ السَّلامَ ويقولُ: أعطِني الَّذِي تَجهَّزتَ بِهِ، قَالَ: يَا فُلانَةُ، أعْطِيهِ، الَّذِي كُنْتُ تَجهَّزْتُ بِهِ، وَلاَ تَحْبِسي عِنْهُ شَيْئًا، فوَاللَّهِ لاَ تَحْبِسي مِنْه شَيْئًا فَيُبارَكَ لَكِ فِيهِ». رواه مسلم.
وكما يعلم الجميع أن تجهز المجاهدين يكلف الكثير من المال، وهذا يتطلب من غيرهم الوقوف معهم لإعانتهم على امتلاك السلاح الذي يمكنهم من مواجهة أعدائهم من المحتلين وأعوانهم، عن زيد بن خالد رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ جهَّزَ غَازِيًا في سبيلِ اللهِ فَقَدْ غَزَا». متفقٌ عليهِ.
ومن الواجب على الأمة توفير حياة كريمة لأسر المجاهدين، فقد لا يتمكن المجاهد من العمل لأنه مطارد ومطلوب لأعداء الله، وقد جاء في الحديث: «ومنْ خَلَفَ غَازيًا في أَهْلِهِ بخَيْر فَقَدْ غزَا» متفقٌ عليهِ.
ومن المعلوم أخي القارئ أن المطلوب لقوى الأمن لا بد له من إجراءات أمنية مشددة، وحرص شديد، وبحاجة إلى سكن آمن، وقد يحتاج إلى أكثر من بيت لإقامته، والكثير من الأمور التي تعينه على البقاء لأكثر وقت ممكن ليثخن في أعداء الله، فمجرد بقاء الكثير من المجاهدين المطلوبين على قيد الحياة فيه إغاظة لأعداء الله.
وهذا الأمر يوجب على الشعوب القيام بواجبها تجاه من ضحى بنفسه وماله ليدافع عن دينه وقضايا أمته، بتوفير الحماية، والمكان المناسب له ولأمثاله، واحتياجاته من المأكل والمشرب، وما يعين أسرته على مصاعب الحياة، إننا بحاجة إلى فهم عميق لهذه القضية التي لا يعيرها الكثير من أبناء الأمة أي اهتمام، بل يجب على من لهم علاقة مباشرة بعائلات المجاهدين العمل على حماية أسرهم من المتربصين بهم، لكي لا يقعوا فريسة للذئاب البشرية التي لا تراعي مخافة الله، والذين قد يستغلون غياب المجاهد عن أهل بيته ليتمكنوا من كسر إرادته، وإبعاده عن طريقه، وتحييده إما بالقتل، أو بكشف مكانه ليُعتقل، وقد شاهدت الكثير من هذه الأمثلة خلال مراحل حياتي، ولا أريد التعمق في شرح هذه المسألة فيكفيني التلميح، ويكفيك أخي القارئ أن تدرك حجم المخاطر التي يتعرض لها إخوانك المجاهدون، وخاصة المطلوبين لقوى الاحتلال الغربي الصهيوصليبي، ومن عاونهم من الأنظمة الوظيفية.
هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.