تعليق على مناقشة الشيخ أبي قتادة لكتاب “الأمير” لميكافيلي
حسين أبو عمر تعليق على مناقشة الشيخ أبي قتادة لكتاب “الأمير” لميكافيلي
أجد أن تعليق الشيخ على كتاب الأمير لميكافيلي لم يكن موفقا في كثير من الجوانب.. تعليق الشيخ ببساطة هو التنويه على أهمية الكتاب لفهم السياسة، ومحاولة لإزالة السمعة السيئة الملتصقة بالكتاب، مع إظهار الكثير من ميزاته، وهو دعوة ملحة لقراءة الكتاب -كان بالإمكان صناعة أسلوب مختلف للدعوة إلى قراءة الكتاب.
١- نبدأ مع تعليق الشيخ على شعار “الغاية تبرر الوسيلة”:
قال الشيخ: نأتي إلى الكلمة الأشهر سوءا في كتاب الأمير “الغاية تبرر الوسيلة” .. بلا شك أن الناس يرفضونها رفضا تاما… مع أنها في الفقه عندما تُقرأ لها جوانب مقبولة عندنا..
ضرب الشيخ لذلك أمثلة: مسألة الترس، عندما تضطر المرأة أن تكشف جسمها للطبيب.. وغيرها.
وقال:”الناس الذين يقولون:”الغاية لا تبرر الوسيلة” بهذا الإطلاق هذه عليها مؤاخذة فقهية”.
قال الأستاذ محمود شاكر -رحمه الله- في “رسالة في الطريق إلى ثقافتنا”:”فإن هذا المسلك، مسلك «الغاية تسوغ الوسيلة»، مسلك مألوف مستحسن محبب إلى الحضارة الأوروبية السائرة على هدي «ميكافلي» الذي هداهم إليه، ونزل عندهم منزلة «الدين»، وإن كان ديننا، نحن المسلمين، ينكره ويأباه علينا كل الإباء”.
الاستثناء الذي استثناه الشيخ من “الغاية تبرر الوسيلة” مشكل جدا؛ قال الشيخ:”عندما تكون الغاية شهوانية وذاتية والوسيلة سيئة وشريرة هذا هو الجانب الذي لا نقبله”.
إذا كانت الغاية محمودة “التمكين للإسلام” وليست اتباع الشهوات، ولكن الوسائل المستخدمة هي الحكم بغير شريعة الله، وموالاة الكفار وغيرها من الكفريات؛ أكيد هذا الجانب غير مقبول عند الشيخ نفسه.
ثم إن كل السياسيين في العالم يتبرأون من ميكافيلي ومن شعاره في الكلام العام – بالرغم من أنهم يطبقونه في الحقيقة- وذلك بسبب السمعة السيئة التي ارتبطت به. فليت أن الشيخ التزم بقوله:”ولا شك أن الكتب كالبشر إذا حملت دلالة سيئة من الصعب إزالة هذه الدلالة عنها حتى لو بذل الباذلون الجهود في تنقيتها…”. ولم يحاول تسويغ هذا الشعار، والتزم بمصطلحات الفقهاء : دفع أعلى المفسدتين بارتكاب أدناهما، سد الذرائع، جلب المصالح، الضرر يُزال… وغيرها من تعبيرات الفقهاء.
من سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه ترك قتل المنافقين حتى ((لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه)).
الشيخ لم يذكر شيئا من الأمور السيئة في الكتاب : من تدمير المدن الحرة، وقتل من تجري في دمائهم عروق الملك، وما يسميها حسن ارتكاب الجريمة، والدعوة إلى عدم المحافظة على العهود، والتأثير على العقول بالمكر…
٢- سيكولوجيا الجماهير:
قال الشيخ:” عادة الجموع تكون جاهلة تكون غوغائية، تُساق بالطبل والعصا، بالرقص والغناء؛ فكيفية التعامل معها هنا تأتي الواقعية”. ثم قال:”سنن الأقدار من الواجب اتباعها، كما أنك لا يمكن إلا أن تشرب الماء.. لا بد أن تأكل لأن هذا من سنن الله … كذلك هناك سنن اجتماعية، سنن لفهم الجماهير”.
الجمع بين الكلام الأول والثاني مشكل جدا؛ (سنن الأقدار واجب اتباعها – الجماهير تساق بالطبل والعصا، بالرقص والغناء)؛ هنا حتى لو لم نأخذ الكلام حرفيا يبقى مشكلا.
الجماعات عندنا لكثرة ما غلت في استغباء الجماهير أصبحت تتعامل حتى مع النخب، بل حتى مع الدول!! على مبدأ سيكولوجيا الجماهير!!.
استطراد: دخول الفرد في جمهور يحمل صفات جيدة تكسب الفرد قيما وأخلاقا وصفات ربما لم يكن يمتلكها؛ فسيكولوجيا الجماهير ليست فقط نقائص وعيوب، بل قد تكسب الإنسان صفات حسنة. على كل حال، الجماهير بالعموم تقلد نخبها، فإذا كانت النخب صالحة ولها جاذبية فستقلدها الجماهير، وإن كانت النخب غير صالحة، أو ليس لها جاذبية فستبحث الجماهير عمن تقلده. هذه ليست دعوة لعدم فهم نفسية الجماهير أو الفرد، ولكن دعوة للاعتدال حتى لا نصبح أدوات تتحرك بحسب ما يطلبه الجمهور من باب الواقعية.
٣- السلطة المطلقة وتقليل المؤثرين:
قول الشيخ:”عندما نكون في حالة حرب؛ عندئذ لا بد من تقليل المؤثرين على سياسة هذه السلطة .. قد تصل إلى واحد هو الذي يقودها”.
هنا عند الكلام عن السلطة المطلقة وسلطة الفرد الواحد، تعامل الشيخ مع البديل عن سلطة الفرد أنه الديمقراطية فقط!! وأظن أننا لسنا مضطرين للاختيار بين رذيلتين: إما استبداد الفرد، أو ديمقراطية فوضى القرار؛ يقول الشيخ رفاعي سرور -رحمه الله- في “التَّصور السَّياسي للحركة الإسلاميَّة”: «فالديمقراطية.. هي أنْ يتكلمَ الجميع، والديكتاتورية هي أنْ لا يتكلمَ أحد..”
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يشاور أصحابه في كل شيء، خاصة في حالات الحروب، وكان يفعل ما يشيرون به عليه. بعد أحد -التي كان سبب الخروج إليها النزول على رأي الغالبية- أمر اللهُ النبيَّ بالمشاورة.
ثم إنه في الإسلام لا يوجد شيء اسمه سلطة مطلقة لبشر؛ السلطة المطلقة هي لله وحده، أما سلطة البشر فهي مقيدة.
٤- الواقعية السياسية:
الشيخ أكثر من ذكر وجوب الواقعية في النظر والتعامل مع الأحداث، وعن ضرورة الموازنة بين المُثل والواقعية… وهو كلام مقبول لو كان موضعه غير هذا المكان؛ “التعليق على كتاب الأمير”.
على كل حال، الواقعية عند جماعاتنا تعني التنازل عن كل شيء، وهي شيء مختلف عن الواقعية عند رموز المدرسة الواقعية في تحليل العلاقات الدولية.
تحدث الشيخ عن الحروب التي شنتها الدول الكبرى -راعية السلام- روسيا، الصين، أمريكا؛ ثم قال:”أمريكا، بعد حرب الاستقلال الأمريكية لم يحدث اي حرب داخلية وإنما كل حروب أمريكا خارج أمريكا”. يرى أقطاب المدرسة الواقعية السياسية في تحليل العلاقات الدولية أن الصراع له فاوئد كثيرة؛ من فوائد الصراع الخارجي إحداث حالة قوية من التماسك الداخلي، وأن بعض الدول لا تجد وسيلة لتخفيف الصراع الداخلي إلا عبر نقل الصراع إلى خارج حدودها..
استطراد: كتب رموز المدرسة الواقعية في تحليل العلاقات الدولية مفيدة جدا.
٥- عند الكلام عن الصراع بين الجماعات لاحظ الشيخ شيئا عجيبا -وهو عجيب حقا- :
السعي إلى “إزالة من يُخاف منه أو من حزبه أو تنظيمه.. بالرغم من الضعف وعدم التمكين”.
هذه حالة عصية على الفهم، فالدول والجماعات تحصل فيها حالة تماسك داخلي قوية أثناء الحروب مع عدو خارجي، بينما الجماعات عندنا يتقاتلون وهم في أشد حالات الاستضعاف، وهم يتعرضون لعمليات القتل والإبادة!!
نسأل الله أن يرزقنا التوفيق والسداد في الأقوال والأعمال، وأن يلهمنا الرشد