بين قطع الأذرع وقطع الذرائع || كتابات فكرية || مجلة بلاغ العدد الثاني والعشرون شعبان ١٤٤٢ هجرية

الأستاذ: خالد شاكر

– الأذرع جمع ذراع، والذراع كما في لسان العرب هو “ما بين طرف المرفق إلى طرف الإصبع الوسطى”، والذراع عضو الإنسان الذي يدل على القوة، فمن قوي ذراعه ازدادت قوته ومن ضعف ذراعه ضعفت قوته، لذا يقال: “قلّدوا أمركم رَحْب الذراع، أي واسع القوة والقدرة والبطش”، ويقولون: “القصير الذراع لا ينال ما يناله الطويل الذراع ولا يطيق طاقته، فضُرب مَثَلا للذي سقطت قوته دون بلوغ الأمر والاقتدار عليه”.

فإذا كان من قصُرت ذراعه سقطت قوته وضعف أمره، فكيف بمن قُطعت ذراعه وأذرعه؟! إنه لا شك عاجز عديم القوة.

– أما الذرائع فهي جمع ذريعة، وهي الوسيلة للشيء، وأصل إطلاق الذريعة كما في لسان العرب هو على الجمل يُسيَّب أولا مع الوحش حتى تألفه، ثم يمشي الصياد إلى جنبه فيستتر به ويرمي الصيد إذا أمكنه، فجُعلت الذريعة مثلا لكل شيء قرب من شيء. وقطع الذريعة والذرائع هو قطع الوسيلة والوسائل التي تؤدي لشيء غير مرغوب فيه.

– فقطع القوم لأذرعهم جريمة، وقطعهم لذرائع العدا فضيلة، وقطعهم لأذرع العدا نصر، وقطع القوم لذرائعهم التي توصلهم لبغيتهم من عدوهم هزيمة.

– والتلاعب بهاتين الكلمتين مشهود في الحروب والسياسات المعاصرة فترى الأعداء يطالبون بقطع ذرائع، وهم في الحقيقة يعملون على قطع الأذرع، وترى كثيرين يتحدثون عن قطع ذرائع العدو وهم في الحقيقة يقطعون أذرع أنفسهم، فيحصل نقيض المراد وضد القصد.

* لذا كان من المهم التفريق في العمل الجهادي والسياسي بين الأذرع والذرائع، ومما يساعد في التفريق بينهما ما يلي:

1- الأذرع هي عوامل القوة التي بها يتحقق مقصود العمل وبسببها تصمد وتتقدم الأمة في مواجهة الأعداء؛ فقطعها جريمة. أما الذرائع التي يتوصل الأعداء بسببها لبغيتهم، ونفع قطعها أكبر من نفع بقائها؛ فقطعها من الحكمة.

2- من مكر العدو المهاجم أنه يتذرع بالأذرع ليقطع ذراعا للأمة بعد ذراع، وكلما قُطعت ذراع بدعوى أنها ذريعة تذرَّع بذراع أخرى ليقطعها، فهو يتدرج في إضعاف الأمة ليستحكم منها، فمجاراة من هذا هدفه باطلة، والتنبه لمكره وكيده هو الأصل.

3- قطع أذرع الأمة يسبب التنازع والفشل وذهاب الريح؛ لأنه في الحقيقة خدمة للعدو حمقاء، أما قطع الذرائع فالتوافق عليه سهل والتشاور والتناصح حوله ممكن؛ لأنه يصب في صالح الأمة وتقويتها.

4- قطع الأذرع ضرر عام، أما قطع الذرائع فهو فعل مصلحي لحاجة مؤقتة تقدر بقدرها، فليس قطعها لازما في كل حال، والقاعدة الفقهية تقول: “ما مُنع سدًا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة”.

5- الأذرع الحقيقية قد تُخفى ولكنها لا تقطع؛ لأن قطعها تقوية للعدو، أما ذرائع العدو الحقيقية والتي نفعها محدود وضررها كبير فقطعها تقوية للأمة وعون لها على أعدائها وفضح لمؤامراتهم.

6- قطع الأذرع شاق مؤلم عسير قاس؛ لأنه قطع جزء ضروري من البدن. أما قطع الذرائع فسهل يسير؛ لأن الذرائع كمالية لا ضرورية.

* إن دول وقوى العالم اليوم تتسابق في الاستكثار من أذرعها وتقويتها ودعمها، وتخوض بها الحروب المباشرة وغير المباشرة، وكلما قويت الأذرع قوي القلب الذي يتحكم فيها، وهي في ذات الوقت تتخلص بيسر عند الحاجة من الذرائع الزائدة التي تضعف مسيرها، ولا تضعف بذلك التخلص من الذرائع بل تقوى.

ومجمل القول: إذا رأيت الفشل والتنازع وازدياد الضعف والانشغال عن العدو الحقيقي بصراعات داخلية فاعلم أنك أمام حماقة أو عمالة قطع الأذرع، وإذا رأيت التوافق وازدياد القوة والانشغال بمواجهة العدو الحقيقي فاعلم أنك أمام حكمة قطع الذرائع.

والحمد لله رب العالمين.

بين قطع الأذرع وقطع الذرائع || كتابات فكرية || مجلة بلاغ العدد الثاني والعشرون شعبان ١٤٤٢ هجرية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى