بين آدم وإبليس مجلة بلاغ العدد ٧٢ – ذو القعدة ١٤٤٦ هـ

باحث

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الكريم، وآله وصحبه الطيبين الطاهرين، وبعد:

أول قصة وردت في ترتيب سور القرآن الكريم، قصة آدم عليه السلام، وهي من القصص التي اعتنى العلماء والفقهاء والمفسرون بها شرحاً واستنباطاً واستدلالاً.

هذه القصة سلّطت الضوء على سنّةٍ كونيةٍ أبديةٍ أزليةٍ باقيةٍ ما بقيت السموات والأرض، سنة التدافع بين الحقّ والباطل، بين الخير الشر، بين آدم عليه السلام وأتباعه، وبين إبليس عليه لعائن الله وحزبه وجنده، وقد بدأ الصراع حينما أمر إبليس بالسجود لآدم فأبى واستكبر وكان من الكافرين، قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:34]، وقد تكررت هذه القصة في أكثر من موضع في القرآن وذكرت في القرآن المكي والمدني، تذكيراً لسنة التدافع وأنها باقيةٌ خالدةٌ، وهذه بعض الفوائد المستنبطة من قصة آدم عليه السلام:

أولاً: أفضلية آدم ـ عليه السلام ـ على إبليس، فقد خلقه الله بيديه ونفخ فيه من روحه وعلمه أسماء كل شيءٍ وأسجد له الملائكة وجعله خليفةً في الأرض، وكثّر نسله وبنيه.

ثانياً: شرف الله عز وجل آدم بالعلم، فلما سألت الملائكة الله تعالى عن سبب استخلاف آدم ـ عليه السلام ـ رغم أنهم يقدسون الله تعالى ويسبحونه ويطيعون أمره، فقال الله تعالى: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة:30]، وأقام الدليل القاطع على حكمته التي خفيت عنهم من استخلاف آدم، فقال: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:31]، فلم يذكر صورته ولا شكله ولا ماله ولا سلطانه، إنما اكتفى بذكر العلم، وكفى به شرفاً يرفع المرء في الدنيا والآخرة.

ثالثاً: عصى آدمُ ربَه فتاب الله عز وجلّ عليه واجتباه واصطفاه، وعصى إبليس ربه فلعنه وطرده ونفاه، وذلك لأن معصية إبليس نابعة من الكبر الذي لا يُقبل قليله ولا كثيره، قال صلى الله عليه وسلم: «لا يدخلُ الجنَّةَ من كانَ في قلبِه مثقالُ ذرَّةٍ من خردلٍ من كبرٍ» صحيح ابن ماجه ومسلم، والكبر منازعةٌ ومعاداةٌ صريحةٌ للربّ تبارك وتعالى في أخصّ صفاته، قَالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «قَالَ اللَّه عزَّ وجلَّ: “العِزُّ إِزاري، والكِبْرياءُ رِدَائِي، فَمَنْ يُنَازعُني في واحدٍ منهُما فقَدْ عذَّبتُه”»، فكان عاقبة إبليس الطرد واللعن إلى يوم القيامة، أمّا آدم عليه السلام فقد أخطأ وخطؤه صدر عن ضعفٍ ونسيان، فلمّا ندم واستغفر ربه تاب الله عليه.

رابعاً: قوة الإيمان لا شك غالبةٌ كيدَ الشيطان، وأن عباد الرحمن ليس لإبليس عليهم سلطان، قال تعالى مخاطبًا إبليس ومبشرًا عباده المؤمنين: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر:42]، فلا ينبغي لمن أطاع الرحمن أن يخاف أو يخشى الشيطان وحزبه.

خامسًا: سرّ عداء الكافرين للمؤمنين الحسد، فما صيّر إبليس إلى ما صار إليه من الطرد واللعن والخزي والعار إلا حسده لآدم على ما آتاه الله من فضله، فليعلم المؤمن أن الكافر لا يزال يحسده على نعمة الإيمان ونعمة الهداية ونعم الاجتباء والاصطفاء، ولا يزال الشيطان وحزبه حريصين على إغواء المؤمن حتى يكفر بالله تعالى: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص:82-83]، وقال تعالى: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج:8].

ختاماً: تُعلمنا قصة آدم مع إبليس أن العاقبة للمتقين والخزي للكافرين، فالعداوة بين إبليس وذريته، وبين آدم وذريته عداوةٌ قديمةٌ ومستحكمةٌ ومستمرةٌ إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وختام هذه المعركة الظفر والنصر لأولياء الله العاملين، فلتصبر ولتحتسب أخي الكريم جهادك وعملك في سبيل الله تعالى ونصرة الدين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى