بارانويا ونرجسيَّة وليست عَظَمَة! – مجلة بلاغ العدد ٦٠ – شوال ١٤٤٥ هـ • April 20 at 07:21 م
الأستاذ: حسين أبو عمر
أمِطْ عَنكَ تَشبيهي بمَا وَكَأنّهُ
فَمَا أحَدٌ فَوْقي وَلا أحَدٌ مِثْلي
لعلَّ هذا البيت من أوضح الأبيات التي تشخِّص حالة جنون العَظَمَة والنرجسيَّة التي كان المتنبي مصاباً بها -وإن كانت الأبيات التي تدل على هذا الاضطراب عنده كثيرة-!
*بارانويا:
البارانويا أو جنون العَظَمَة: هي اعتقاد الشخص الخاطئ بسموّه، وذكائه الخارق، وعَظَمَته.
فالمصاب بجنون العَظَمَة لديه تقديرٌ مبالغ به للذات، ويؤمن بعَظَمَة وأهمية شخصيَّته، حتى مع وجود دليل قاطع على عكس ذلك، ويتوهم أنَّ النَّاس يحسدونه، ويمكرون به، ويتآمرون عليه؛ ﻷنَّه عظيم!
لدى مريض البارانويا قدرة على الإقناع حيث يبدو كلامه منطقيًّا، ويكون المصابُ عنيدًا، ويشعر بالاعتزاز غير المبرَّر والمبالغ فيه بنفسه؛ يبالغ المريض بوصف نفسه بما يخالف الواقع، ويزعم امتلاكَ قابليَّات استثنائية، ويدَّعي أنَّه يمتلك القدرات الجبَّارة.
*من الأسباب التي تؤدي للإصابة بهذا الاعتلال:
تقمُّص الشَّخصيَّة: قد يتقمَّص الطفل أثناء طفولته أو من خلال مراحل بلوغه شخصيَّةً ذات مميزات يتأثَّر بها وبسلوكيَّاتها، كشخصيَّة قائد بارز أو سياسي معروف أو شاعر متألق أو طبيب حاذق أو رجل دين كبير، أو حتى تقمُّص شخصيَّات مبشَّرٌ بها (كشخصيَّة المهدي مثلا)، أو ما إلى ذلك من أمثال الصراع النفسي بين رغبات الفرد في إشباع رغباته وخوفه من الفشل في إشباعها.
مواقف الفشل: لا تتحمل الخطأ وترى أنَّها أكبر من أن تخطئ، وأنَّ الصواب حليفها الدائم، وحين تخطئ تصرُّ على الخطأ وتجد له مخرجا.
التعوُّد على ممارسة بعض العادات السلوكيَّة الخاطئة: مثل التعوُّد على الخطأ والإصرار عليه، أو الاستهزاء بالآخرين والانتقاد الدائم لهم فيما يتعلم المرء أنَّ هذا السلوك فيه نوع من قوَّة الشخصية وعدم الهيبة من أحد.
*الشخصية النرجسيَّة:
النرجسيَّة: هي اضطراب نفسي يتعاظم فيه شعور الفرد بذاته وأهميتها بل وربما يهيم بها عشقًا، ويصبح لديه احتياج وانشغال دائم في أن يكون محط أنظار الجميع واهتمامهم، بينما يفقد جزءًا كبيرًا جدًا من مشاعره في جانب التعاطف مع الآخرين وتقديرهم، بل وقد يفقد عواطفه تلك مع الآخرين تمامًا.
يتَّسم أصحاب الشَّخصيَّة النَّرجسيَّة بالصِّفات التَّالية:
تضخُّم الذَّات وتضخيم القدرات: يتملَّك النرجسيين الغرورُ والغطرسةُ، ويعتقدون بأنَّهم فريدون ولا يمكن لأيِّ شخصٍ فهمهم، ويعتقدون بأنَّهم الأفضل، وغالباً ما يبالغون في التحدُّث عن إنجازاتهم، ومواهبهم، وتألُّقهم.
الخيال الخدَّاع: يعيش النرجسيُّون في عالمٍ من الخيال والخداع والتَّفكير السحريِّ الذي يدعم جنونَ عَظَمَتهم، ونجاحهم، وتألُّقَهم بطريقةٍ تملأ عليهم مشاعر الفراغ الداخلي، وتجعلهم يهمِّشون ويتجاهلون كلَّ الحقائق والآراء المفنِّدة لاعتقاداتهم.
البحث المستمرُّ عن الثناء والإعجاب: يحتاج النرجسيُّون إلى الثناء المستمر والمجاملة، لذلك تجدهم دائمي البحث عن الأشخاص المستعدِّين لتلبية احتياجاتهم الوسواسيَّة تلك بالاستمرار بالحديث عنهم وعن تميزهم.
الحساسيَّة المفرِطة تجاه النَّقد: لدى أصحاب هذه الشخصية حساسيَّةٌ عالية وخوف من النَّقد، فلا يتقبَّلون أيَّ نقدٍ، ولا يحبون الاختلاط بالنَّاس الذين يبيِّنون لهم أخطائهم ونقائصهم.
الأنانيَّة واستغلال الآخرين: لا يكترث النرجسيون بمشاعر الآخرين ولا يتعاطفون معهم، فالناس بالنسبة لهم مجرد أداةٍ للوصول لغاياتهم ولتلبية احتياجاتهم.
الاستخفاف بالآخرين وتحقيرهم: يحطُّ النرجسيون من شأن الآخرين، ويستخفُّون بقدراتهم، ويتعاملون معهم بتكبُّر وازدراء.
وفي ذات الوقت يتَّسمون بالضعف وربما بالنفاق أمام من هم فوقهم.
“تُقبِّل يدَ من فوقها، وتدوس من تحتها”؛ كما يقول أ.د طارق الحبيب.
هذا المقال كنت قد كتبته في ٢٠١٩/٨/٢٩ بعد نقاشات حادة دارت بيني وبينهم عند سقوط المناطق ما بين قلعة المضيق وخان شيخون؛ حيث كانت طريقة إدارتهم للمعركة هي السبب الرئيسي لذلك الاستنزاف وضياع تلك المناطق، إذ حصروا المعارك في المناطق التي اختارها النظام وحلفاؤه للهجوم، ووضعوا الإخوة كصيد سهل أمام آلة الدمار التي يمتلكها أعداؤنا، ثم تتابع بعد ذلك سقوط المناطق بعد ذلك الاستنزاف إلى أن تدخل الأتراك وثبتوا الوضع على ما هو عليه الآن… وبدلًا من استغلال الهدوء خلال السنوات الماضية بتقوية العسكرة وبالإعداد لاسترداد المناطق المحتلة، أو على الأقل للدفاع عن المناطق المتبقية معنا، انشغلوا بخوض الاقتتالات الداخلية من البغي على “غرفة فاثبتوا” إلى تفكيك كتائب المهاجرين، خاصة تلك التي كانت في الساحل، إلى خوض عدة معارك مع فصائل ريف حلب الشمالي.
واتجهوا إلى تقوية القبضة الأمنية؛ فقهروا الناس وظلموهم، كما أنهكوا الناس بالمعابر والمكوس والضرائب والتضييق عليهم في مصالحهم، إلى غير ذلك مما هو معلوم حتى لعجائز وأطفال المحرر…
الذي دفعني لإعادة نشر المقال هو منشور للدكتور بسام صهيوني كان قد نشره قبل أيام على قناته على التليجرام، قال فيه: «لم نسمع ولم نر في تاريخ الأمة الإسلامية رجلًا حصر الدين وشوكة المسلمين ومصيرهم في شخصه، ولم يدع عبر التاريخ أحدٌ هذا الادعاء.
لنجد اليوم هذا الادعاء صريحًا صارخًا من رجلٍ واحدٍ يربط مصير الناس بشخصه، ومشروع الإسلام بفرده، وخراب الدنيا والدين بذهابه!!!!!»
على ما يبدو أن حالة جنون العظمة بعد كل تلك الأراضي التي أضاعوها وتلك المصائب التي ارتكبوها أصحبت أشد!!
والأمر الآخر الذي كنت قد سألت عنه وأود إضافته هنا هو التفريق بين الاعتلالين:
المصاب بالبارانويا لديه شك بالآخرين، ويشعر دائما بالاضطهاد وأن الآخرين يتآمرون عليه، وينسج حول ذلك قصصًا كثيرة؛ ولذلك تُسمى البارانويا بجنون الارتياب أيضًا، بينما لا توجد هذه الحالة في الشخصية النرجسيَّة..
مما تتسم به الشخصية النرجسية أيضًا أنها مخادعة، فإن أظهرت الشك في الآخرين فإنها تفعله من باب الخداع لابتزاز الآخرين واستغلالهم.
هنا بقية مقالات مجلة بلاغ العدد ٦٠ شوال ١٤٤٥ هـ