القضاء في الإسلام – كلمة التحرير – مجلة بلاغ العدد ٦٢ – ذو الحجة ١٤٤٥ هـ
كلمة التحرير
رُقِيُّ القضاء في الأمة دليلٌ على رفعتها وسموّ حضارتها، وكذلك فساده دليلٌ على انحطاط الأمة وسوء إدارتها.
وظيفة القضاء تحقيق العدل وإنصاف الضعيف من القوي، ورد الحقوق وكبت أهل الفساد، وإلجام المعتدين، ونشر الأمن.
لا يعرف التاريخ نموذجًا مشرقًا في القضاء كالنموذج الإسلامي فقد وضع الإسلام أُسسًا للقضاء يجعله في غاية الاستقامة.
وأول ذلك ربط القضاء بالآخرة فوعد بالأجر الجليل لمن قضى بعلمٍ وعدلٍ كما أوعد بالعقاب الرعيب لمن قضى بجهلٍ أو ظلمٍ.
من أُسس القضاء في الإسلام استقلاله التام عن أهواء الأمراء والحكام فلا سلطة لأحد على القاضي في حكمه، حتى ذهب بعض أهل العلم إلى أن الخليفة ليس له أن يعزل القاضي بعد توليته إلا بسبب شرعي وعللوا ذلك أن القاضي نائب عن الأمة وليس عن الإمام.
جعل الإسلام للقاضي رزقًا في بيت المال يقوم بكفايته التامة وليس لأحد فيه منةٌ ولا تبعةٌ، وفي المقابل حرَّم عليه قبول الهدايا وإجابة الولائم الخاصة على تفصيلٍ ليس هذا مكانه.
ليس في الإسلام تمييزٌ لأحدٍ أمام القضاء سواءٌ أكان شريفًا أم ضعيفًا أميرًا أم فقيرًا، حتى أن لأفراد الرعية أن يخاصموا الأمراء والحكام ويسوي القاضي بينهم في المجلس.
جعل الإسلام من أسباب هلاك الأمم فساد القضاء إما بالحكم على الضعيف دون الشريف وإما بتولية القضاة الجُهّال الذين ليسوا بأهلٍ لهذا المنصب الخطير أو القضاة المتلاعبين بأحكام الشرعية المتبعين لأهوائهم أو أهواء الأمراء.
كان السلف كأبي حنيفة وسفيان الثوري يفرون من القضاء ويهربون من تولي هذا المنصب لما يعلمون من ثقل تبعته وعظم مسؤوليته ثم ابتلي المسلمون بأناسٍ لا يرون في القضاء إلا منصبًا دنيويًا وغنيمةً عاجلةً فكثر الفساد وعظم الخطب وساءت الأحوال، ولا حول ولا قوة إلا بالله.