الغلظة في الجهاد || الركن الدعوي || مجلة بلاغ العدد ٢١ رجب ١٤٤٢
الغلظة في الجهاد
الشيخ: أبو حمزة الكردي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:
* ما معنى الغلظة؟
الغلظة هي الشدة والقسوة في القول والعمل والقتال، وهي عين ما أُمِرَ به النبي صلى الله عليه وسلم من ربه تبارك وتعالى في قتاله وتعامله مع الكفار والمنافقين حين الجهاد حيث لا ينفع معهم اللين أو الرفق؛ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)، وقال تعالى: (وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً)، وقال تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)، وقال تعالى: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ).
قال القرطبي: “أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ، غَلِيظَةٌ عَلَيْهِمْ قُلُوبُهُمْ، قَلِيلَةٌ بِهِمْ رَحْمَتُهُمْ”، وقال السعدي: “بالغ في جهادهم والغلظة عليهم حيث اقتضت الحال الغلظة عليهم، وهذا الجهاد يدخل فيه الجهاد باليد، والجهاد بالحجة واللسان، فمن بارز منهم بالمحاربة فيجاهد باليد، واللسان والسيف والبيان”.
* الحكمة من الغلظة عليهم في الجهاد:
قال ابن عاشور: “والمقصد من ذلك -أي الغلظة على الكفار في الجهاد- إلقاء الرعب في قلوب الأعداء، حتى يخشوا عاقبة التصدي لقتال المسلمين”.
قال السعدي في تفسيره للآية: “(أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ) أي: جادون، ومجتهدون في عداوتهم، وساعون في ذلك بغاية جهدهم، فلم يروا منهم إلا الغلظة والشدة، فلذلك ذل أعداؤهم لهم، وانكسروا، وقهرهم المسلمون”، وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير: “وهذه مبالغة في الأمر بالشدة؛ لأنه أمر لهم بأن يجد الكفار فيهم الشدة، وذلك الوُجدان لا يتحقق إلا إذا كانت الغلظة بحيث تظهر وتنال العدو، فيحس بها”.
* مواطن الغلظة:
– الشدة والغلظة عند الانتقام لحرمات الله تعالى وتعرض المسلمين للقتل والقصف والتشريد والتدمير.
– في القتال والنزال والمعارك.
– عند عدم نفع اللين والنصح اللطيف في الدعوة وتعنت أصحاب الكفر والفسق والظلم وتمسكهم بباطلهم
يقول الشاعر:
دعا المصطفى دهرا بمكة لم يُجب *** وقد لان منه جانب وخطاب
فلما دعا والسيف صلت بكفه *** له أسلموا واستسلموا وأنابوا
* نماذج من السيرة:
قول النبي صلى الله عليه وسلم لرؤوس قريش وهو يطوف حول الكعبة حينما آذوه: “إنما جئتكم بالذبح“.
وقول أبي بكر الصديق لعروة بن مسعود: “امصص بظر اللات” حينما قال: “أرى أوباشا من الناس خلقا أن يفروا ويدعوك حين النزال”.
– وقتل المسلمين رجال بني قريظة وسبي نسائهم لما نقضوا العهد يوم الخندق.
– وخرج أبو بصير وأبو جندل رضي الله عنهما إلى سيف البحر لا يسمعون بقافلة لقريش إلا هجموا عليها حتى ضاقت على قريش السبل.
– ولما أمكن الله المسلمين من العُرنيين الذين ارتدوا وقتلوا الراعي أمر النبي صلى الله عليه وسلم “فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمرت أعينهم، وألقوا في الحرة، يستسقون فلا يسقون“..
* ما لا يعارض الغلظة من الرحمة:
– عدم التمثيل بجثث الكفار، وعدم قتل النساء والأطفال غير المباشرين القتال، وعدم قتل الرهبان المعتزلين للعبادة في صوامعهم، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا بَعَثَ جُيُوشَهُ، قَالَ: اخْرُجُوا بِسْمِ اللَّهِ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ؛ لَا تَغْدِرُوا، وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ وَلَا أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ“.
– العفو عند المقدرة، وهذا ما فعله المصطفى صلى الله عليه وسلم عند دخول مكة، فكان ذلك سببا في دخول أغلب أهل مكة الإسلام؛ حين قال لقومه: “اذهبوا فأنتم الطلقاء“.
* اللهم ارزقنا اللين في الحزم، والشدة مع الرفق، واجعلنا هداة مهديين، نجاهد في سبيلك ونغلظ على الكفار والمنافقين في القول والعمل، إنك ولي ذلك والقادر عليه.
والحمد لله رب العالمين.