الشَّامُ وثَمَرةُ الجِهادِ

الأستاذ: أبو يحيى الشامي

في هذه الأيام المباركة وهذه الأرض المباركة، يحضرنا قول الله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة : 19].

سواءٌ أكان سبب النُّزولِ افتخار العبَّاس رضي الله عنه بالسِّدانة والسِّقاية عندما أُسِر في بدرٍ، أو جدل رجلين مسلمين عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم نَهَرَهُما عمر بن الخطاب رضي الله عنه، نزلت هذه الآية لتفضِّل هذه الأعمال بعضها على بعض.

فالجهاد والإيمان باللّه أفضل من سقاية الحاجِّ وعمارة المسجد الحرام بدرجاتٍ كثيرة؛ لأن الإيمان أصل الدين، وبه تقبل الأعمال، وتزكو الخصال‏.‏

وأما الجهاد في سبيل اللّه فهو ذروة سنام الدين، الذي به يحفظ الدين الإسلامي ويتسع، وينصر الحق ويخذل الباطل‏.‏

وأما عمارة المسجد الحرام وسقاية الحاجِّ، فهي وإن كانت أعمالا صالحة، فهي متوقفة على الإيمان، وليس فيها من المصالح ما في الإيمان والجهاد، فلذلك قال‏:‏ ‏{‏لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ‏}‏ أي‏:‏ الذين وصفهم الظلم، الذين لا يصلحون لقبول شيء من الخير، بل لا يليق بهم إلا الشر‏.‏ [تفسير السعدي].

إذاً، لا بد من التمييز بين رأس المال والأعمال القائمة على حفظه وتنميته، والأعمال التي هي من ثمرته التي توجد بوجوده، وتزداد بازدياده، وتنحسر بانحساره، وتفقد بفقده… نعوذ بالله.

هذه الآية تُفضِّل الإيمان والجهاد على عمارة المسجد الحرام على قدره ومكانته في دين الله، وسقاية الحاج على عِظم شعيرة الحجِّ وخدمتها، فكيف بما هو دون عمارة المسجد وسقاية الحاج من أعمال؟!.

إن ثمار الإيمان التي تظهر في حياة الفرد وسلوكه، لا تظهر في المجتمع إلا إذا اقترن الإيمان بالجهاد، فإقامة الشّرع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر داخل المجتمع المسلم جهاد، والقتال دفاعاً عنه ضد أعدائه ولتنميته وتحقيق مصالحه جهاد، ولهذا الجهاد داخلياً وخارجياً ثمار.

وكما أن الانشغال بالثَّمرة عن الشَّجرة يؤدي إلى خسارة الشَّجرة والثَّمرة تبعاً، فالانشغال بالثمرة عن الجهاد فيه خسران مبين، وهذا لا يعني عدم تقدير قيمة الثَّمرة وتحصيلها في الوقت المناسب، فالجهاد لغير فائدة ليس بجهاد، والفائدة الأسمى أن تكون كلمة الله هي العليا.

إن الانشغال بتأسيس المؤسَّسات وإدارة الإدارات، التي هي من ثمار الجهاد، وهي أقل شأناً ومكانةً من خدمة الفرائض التي من أهمها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيه ضرر كبير، إن انشغل بها من لا يحسنها عما يحسنه من عمل، فكيف إن وعد بتسليمها لأهلها ولم يفعل؟!، وكيف إن أعلن للعالم أن “تحقيق الاستقرار في هذه المنطقة” هدفه النهائي؟!.

ولا يغيب عنا أن هذا الخطاب “السياسي” موجه إلى الخارج المعادي للمشروع الإسلامي، لكن هذا الخطاب وصل ويصل إلى الدَّاخل الذي يتأثر بالخطاب التَّنازلي، وهذا يؤكده التَّنازل العملي على أرض الواقع، ولا تبرّره قاعدة “ما لا يدرك كُلُّه لا يترك جُلُّه”، التي مُنع منها الكثيرون وحُوربوا، أليس من التطفيف منع العذر عن الغير وصبه على الذات صباً؟!

إن حالة الاضطرار التي ظهرت في خطاب عُذرِ الذات كانت موجودة منذ بداية الثورة السورية، فواقع التآمر الدولي والمحاربة الأممية للثورية السورية موجود ومُتوقع الازدياد، لكن لم يقدر قدره إلا النَّاضِجون الذين استُهدفوا بالتَّسقيط المادي والمعنوي لسنوات، فازداد الاضطرار اضطراراً بفعل فاعلين من الداخل والخارج، والله المستعان.

إن الثَّمرة التي يجب الاعتناء بها وتحصيلها في حال الاضطرار المتزايد هي الثَّمرة الضرورية لاستمرار الجهاد وإبقائه كحالة شعبيّة عامّة، لا الثمرة التي تشغل عن الجهاد أو تكون عائقاً في وجهه، ولا حالة استقرار وهمي وخدمات ثانوية تلغي الجهاد إذا استمرت، وتجرُّ إلى الدَّعة والاستسلام في خضم التآمر السياسي والعسكري الدولي، فكيف يتحول البشر إلى قطيع أغنام ينتظرون الخدمات الثانوية غير العادلة؟، وكيف يتحولون إلى زمرة أسود ينتزعون حقوقهم ويحققون العدل رغماً؟.

حتى في جني الثِّمار هناك أولويات، وفي الإفادة منها أولويات، وحتى يكون الأثر عاماً والنفع شاملاً، لا بد من نظرةٍ عامّةٍ شاملةٍ بأعينٍ وليس بعين واحدة، وفي واقع يتطلب تحريضاً وحشداً للقيام بفريضة الجهاد للدفع والتحرير، لا بد من الانشغال برفع مستوى العِزّةِ والبسالةِ وتوزيع المسؤولية على كل أهل الثورة، والحضِّ على الإعداد الجماعيِّ والفرديّ، والتّمسّك بالسّلاح، لا نزعه واحتكار الإدارات والأدوات!!!.

ثم لا ينفع عذرُ معتذرٍ إن كان هو من أوقع نفسه وغيره في وادي العَنَتِ والمشقَّة، وهل تنمو شجرة تسلَّط عليها من اجتثَّ جذورها وقطع أغصانها حتى عُقِرت أو كادت أن تُعقر، وأخطأ في جني الثِّمار وفي توزيعها، فتعجَّل في هذا وأهمل هذا، واحتكر الأحكام والأعذار، حتى نقض غزله وناقض نفسه، ففتن عدداً كبيراً من الناس عن فريضة الوقت؟!.

اللهم إن هداية وصلاح الناس أحب إلينا من الاستبدال والهلاك، فأصلح شأننا، واستعملنا ولا تستبدلنا، وول علينا خيارنا، واختر لنا الخير عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، اللهم آمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى