الشيخ عبد الرزاق المهدي : (موجز عن شهر رجب والعبادة فيه) يسأل كثير من الناس عن حكم الإكثار من العبادة في هذا الشهر.
(موجز عن شهر رجب والعبادة فيه)
يسأل كثير من الناس عن حكم الإكثار من العبادة في هذا الشهر.
الجواب: لا خلاف بأن لشهر رجب فضيلة كونه من الأشهر الحرم قال الله تعالى:
{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}.
وفي الصحيحين عن أبي بكرة الثقفي أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجته فقال: “إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا منها أربعة حُرُم، ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب الفرد”.
كثير من المشايخ والدعاة يحثون الناس في هذا الشهر على العبادة ويأمرونهم بصلاة مخصوصة كصلاة الرغائب وقيام أيام معلومة وصيام أيام محددة وغير ذلك ويستدلون على ذلك بأحاديث كثيرة ولا يصح منها شيء.
وأول من أورد تلك الأحاديث وجعلها تشتهر بين الناس هو الشيخ أبو طالب المكي المتوفى سنة ٣٨٦ في كتاب قوت القلوب ثم تبعه الغزالي المتوفى سنة ٥٠٥ في إحياء علوم الدين ثم تبعهما الجيلاني المتوفى سنة ٥٦١ في كتاب الغنية وغيرهم فقد عقدوا أبوابا وذكروا أحاديث في فضل رجب والعبادة فيه..
وقد تصدى لتلك الأحاديث أبو الفرج ابن الجوزي فأدرجها في كتابه الموضوعات وبين عللها.
ونذكر بعض أقوال الأئمة النقاد
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله في (لطائف المعارف) ص130:
«ومن أحكامِ رجبٍ: ما ورد فيه من الصَّلاةِ، والصيام..”
فأمّا الصَّلاةً: فلمْ يَصِحَّ في شهرِ رجبٍ صلاةٌ مخصوصةٌ تختصُّ به، والأحاديثُ المرويةُ في فضلِ صلاةِ الرَّغائبِ فِي أوّلِ ليلةِ جمعةٍ من شهرِ رجبٍ كذبٌ وباطلٌ لا تصحُّ.
قال: «وَأَمّا الصِّيَامُ: فلمْ يَصِحَّ في فضلِ صومِ رجبٍ بخصوصِه شيءٌ عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
ثمّ قال: «وقد رُوي: أنّه كان في شهرِ رجبٍ حوادثُ عظيمةٌ و لم يصِحَّ شيءٌ من ذلك فرُوي: أنّ النّبيَّ صلى الله عليه وسلم وُلِدَ في أوّلِ ليلةٍ منه، وأنّه بُعث في السَّابعِ والعشـرِينَ منه، وقيل: في الخامسِ والعشرِينَ، ولا يصِحُّ شيءٌ من ذلك، ورُوي بإسنادٍ لا يصِحُّ عن القاسمِ بنِ محمّدٍ: أنّ الإسراءَ بالنَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان فيِ سابعٍ وعشـرينَ من رجبٍ، وأنكَرَ ذلك إبراهيمُ الحربيُّ وغيرُه.
وقال الحافظُ ابنُ حجرٍ رحمه الله في (تبيين العجب بما ورد في فضل رجب) (ص/9): «لم يرد في فضلِ شهرِ رجبٍ، ولا فِي صيامِه، ولا صيامِ شيءٍ منه معيَّنٍ، ولا في قيامِ ليلةٍ مخصوصةٍ فيهِ حديثٌ يصلح للحجة والله تعالى أعلم.
فتلخص من ذلك أنه لم يثبت في رجب صلاة مخصوصة أو صيام أيام معينة أو ذكر مخصوص أو غير ذلك.
وهذا مما لا يختلف فيه أهل العلم الراسخون قديما وحديثا.
تنبيه: لكن عدم ثبوت ذلك لا يعني التقاعس في العبادة فيه فإن لهذا الشهر فضيلة فلنغتنمها..
وخير الطاعة المحافظة على الفرائض والواجبات وترك المعاصي والمنكرات والمداومة على قيام الليل والمثابرة على السنن الرواتب والمندوبات وصلاة الجماعة وصوم الاثنين والخميس وأيام البيض.. والصدقات.. والتسبيح والاستغفار وغير ذلك.
فالاجتهاد في العبادة أمر مستحب بإجماع العلماء. والله تعالى أعلم.
قال ابن الصلاح رحمه الله: «لم يثبت في صوم رجب نهي ولا ندب وأصل الصوم مندوب في رجب وغيره».
نسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعا من عباده المتقين الطائعين. آمين.
ش عبد الرزاق المهدي
المصدر