الذئاب المنفردة والأحزاب المهترئة – كتابات فكرية – مجلة بلاغ العدد ٤٣
مجلة بلاغ العدد ٤٣ - جمادى الأولى ١٤٤٤ هـDecember 02, 2022
الشيخ: إسماعيل بن عبد الرحيم حميد أبو حفص المقدسي
الحمد لله وحده لا شريك له، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.. أما بعد:
يقول تعالى: (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا).
القضية الفلسطينية كانت وما زالت ملهمة لشباب الأمة في العطاء والتضحية والفداء، وكلنا يعلم جيدا ما تعرضت له من انتكاسات وخذلان على يد الأصدقاء خاصة الجيوش العربية التي تم تشكيلها على يد سايكس وبيكو بعد ما تسمى الثورة العربية الكبرى التي كان للمدعو اللاشريف حسين الدور الأكبر فيها، والتي ساهمت بشكل كبير في الإطاحة بدولة الخلافة العثمانية والتي كانت تحمل بقايا الهوية الإسلامية وتوحد بقايا شعوب الأمة لتنتج لنا أنظمة وظيفية تقوم مقام الاحتلال الغربي الصهيوصليبي في بلاد المسلمين.
بالعودة لما تعرضت له الثورة الفلسطينية من إخفاقات منذ ثورة عام 1936 إلى يومنا هذا وما نتج عن ذلك من أحزاب وجماعات رفعت علم الثورة الفلسطينية زورا وبهتانا، وأنا لا أنكر ما قدمته هذه الأحزاب والجماعات في بدايتها من تضحيات ومقاومة للمحتل وتصدي لمخططاته الاستيطانية إلى أن تم توظيفها وأصبحت جزءا من معاناة الشعب الفلسطيني، بل إن سلطة أوسلو التي جاء بها الاحتلال أصبحت يده الطولى في تعذيب الشعب الفلسطيني وكسر إرادته في مواجهة المحتل اليهودي الصهيوني في فلسطين.
وأصبح همُّ هذه الأحزاب هو الحفاظ على بعض المكاسب التي أعطاها لها الاحتلال وما يسمى بكرسي الحكم الذي لا تصل قيمته إلى قيمة رئيس بلدية في الدول التي تحترم شعوبها، حتى أصبحت هذه الأحزاب أداة لتعذيب وسجن كل من يفكر في مقاومة الاحتلال، وكل سلطة أصبحت لها رؤية خاصة تزعم بها مقاومة الاحتلال لا تقبل الخروج عنها، وكل من يخرج على هذه الرؤية يصبح عندهم خائناً وعميلاً يريد هدم المشروع الوطني وخارجا عن الإجماع الفصائلي!، وكل سلطة جمعت معها بعض الأحزاب التي تسبح بحمد سيدهم، ولم يعد لهذه الأحزاب أي دور حقيقي في مقاومة الاحتلال اليهودي، وهمهم الوحيد هو الحصول على بعض الامتيازات المادية وتكبير الموازنة الشهرية.
وعندما أيقن شباب فلسطين أن ما وصل إليه حال هذه الأحزاب هو الذل والخنوع بدأ هذا الشباب بأخذ زمام المبادرة من تلقاء أنفسهم فهبوا لنصرة دينهم ونبيهم وأرضهم المحتلة، وبجهود فردية، وكل حسب استطاعته؛ فمنهم من حمل سكينا، ومنهم من اشترى سلاح نار، ومنهم من ركب سيارته ليدهس بها جنود الاحتلال ومستوطنيه، فأصبحت هذه العمليات الفردية أكثر فتكا وقتلا في المحتلين؛ ليصل عدد قتلى وجرحى اليهود الصهاينة إلى العشرات، وما كان واجبا على الأحزاب أن تقوم به في مواجهة المحتلين أصبح واجبا على الأفراد بعد أن سُلبت الأحزاب إرادتها، وما قام به العديد من شباب فلسطين أكبر دليل على أن الأحزاب الموجودة أصبحت عبئاً على القضية الفلسطينية.
* وسوف أذكر بعض هذه العمليات البطولية التي هزت كيان دولة الاحتلال مؤخرا:
– كشفت القناة 13 الإسرائيلية أن الشهيد محمد أبو القيعان (34 عامًا)، من سكان حورة النقب في الداخل الفلسطيني هو منفذ عملية الطعن بمدينة بئر السبع بالنقب جنوبي إسرائيل، التي تسببت في مقتل 4 إسرائيليين وإصابة 3 بجروح متفاوتة، واستشهاد المنفذ.
– مقتل عنصرين من شرطة الاحتلال وإصابة 4 محتلين صهاينة في إطلاق نار في مدينة الخضيرة شمال تل الربيع المحتل (تل أبيب)، واستشهاد منفذي العملية البطولية في الخضيرة، وهما أيمن وإبراهيم إغبارية، من مدينة أم الفحم.
– بعد مطاردة استمرت ساعات، قتلت شرطة الاحتلال منفذ عملية جديدة، التي قُتل على إثرها اثنان من المحتلين وجرح نحو عشرة آخرين في وسط (تل أبيب)، والمنفذ هو رعد خازم من جنين.
– قتل 5 محتلين صهاينة بينهم شرطي، في عملية إطلاق نار نفذت في مدينة بني براك، فيما استشهد منفذ العملية الشاب ضياء حمارشة (27 عاما)، وهو من بلدة يعبد شمالي الضفة الغربية.
– هجوم شعفاط: هو عملية هجومية استهدفت حاجزًا في مدينة شعفاط شمال القدس في الثامن من تشرين الأول / أكتوبر 2022، استهدفَ المُهاجِم الفلسطيني عدي التميمي خلالَ هذه العملية مجموعة من جنود الاحتلال وحراس الأمن الذين كانوا متواجدين هناك، وتمكَّن من قتل مجنّدة بعدما صوَّب نحو رأسها رصاصةً من نقطة الصفر، كما أصابَ حارسًا آخر بجروح خطيرة، فضلًا عن إصابته لجنديين من حرس الحدود بجروح طفيفة وتمكن من الانسحاب. ونفذ عملية أخرى بعد ١١ يوماً عند مدخل مستوطنة معاليه أدوميم أسفرت عن إصابة حارس أمن واستشهاد عدي.
– أعلن صباح الثلاثاء 8 نوفمبر 2022 عن مقتل محتل متأثرا بجراحه التي أصيب بها في الخامس والعشرين من شهر أكتوبر الماضي إثر تعرضه لعملية طعن في قرية الفندق الواقعة ما بين محافظتي قلقيلية ونابلس. تم أسر المنفذ يونس هيلان بعد العملية.
– أعلن جيش الاحتلال “الصهيوني” تفاصيل حول عملية “كمين حاجز الجلمة” التي نفذها مقاومان فلسطينيان من كفر دان في جنين بالضفة الغربية المحتلة، وأسفرت عن مقتل ضابط “صهيوني” قبل ارتقائهما، ووفق وسائل إعلام العدو، فإن الشهيدين عبد الرحمن عابد وأحمد عابد، نصبا كميناً محكماً لقوة من جيش الاحتلال قرب الحاجز.
– هجوم إلعاد: هو هجوم مسلح وقع في الخامس من أيّار / مايو 2022 بمدينة إلعاد، وأسفر الهجوم عن مقتل ثلاثة محتلين وجرح أربعة آخرين. تم أسر منفذي الهجوم وهما أسعد الرفاعي وصبحي أبو شقير من قرية رمانة.
* هناك الكثير من الأبطال الذين لم أذكرهم، ولكن الشعب الفلسطيني يثبت في كل يوم بل في كل لحظة أنه قادر على تحرير أرضه، ولكنه بحاجة إلى رفع الوصاية عنه، والتي تتمثل في الأنظمة العربية الوظيفية، ثم بعد ذلك وصاية منظمة التحرير ومَن خارجها من الأحزاب التي لا تمثل إلا مصالح قيادتها ومن يديرهم من الأنظمة الخارجية (إيران مصر قطر تركيا الأردن) والقائمة تطول، فقد أيقن شباب فلسطين أنهم ليسوا بحاجة إلى هذه التنظيمات المهترئة، وأنهم يقدرون على التحرك وتنفيذ عمليات تؤلم المحتل دون إذن قيادة هذه الأحزاب الوظيفية، والتي لا تراعي حجم المعاناة والدماء التي يدفعها الشعب الفلسطيني، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
هذا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.