الاستبداد والمسؤولية عن الأزمات في إدلب

الاستبداد والمسؤولية عن الأزمات في إدلب

أبو يحيى الشامي

تتأثر الدول بالانتكاسات الاقتصادية العالمية أو المجاورة، فكيف بالمناطق التي تمر بظروفٍ استثنائيةٍ كإدلب التي تعيش حالياً حالة لا سلمٍ ولا حرب، ولا تحرر كاملٍ ولا حصارٍ مطبق، ولا تنظيم دقيقٍ ولا فوضى عارمةٍ، إنها عرضة لأزمات متراكبةٍ منها الأزمة الاقتصادية المعيشية التي تضيِّق الخناق على سكان جُلُّهم نازحون منكوبون عاطلون عن العمل.

عندما تمر الدول العريقة بهكذا ظروفٍ تعصف بالضروريات كمادتي الخبز والوقود تقوم الجهة الحاكمة بإشراك المجتمع ككل في حمل المسؤولية العامة مع عدم التخلي عنها بصفة رسمية، وتعمل على حل الأزمة أو تخفيف آثارها بالمستطاع وبشفافية وصدق، وربما تستقيل الحكومات الفاشلة لتقوم مقامها دماء وخبرات جديدة تقوم بما يلزم.

بعد أن ضج أهل إدلب بالارتفاع المتزايد لأسعار المحروقات التي تسيطر على تجارتها شركة وتد التابعة لهيئة تحرير الشام، وأسعار الخبز الذي تسيطر الهيئة أيضاً على إدارته من خلال ترخيص الأفران وتنظيمها وتجارة الطحين والمحروقات والتعامل مع المنظمات، ظهر قائد الهيئة في اجتماع مع مجلس الأعيان الذي يسميه إعلام الهيئة “مجلس الشورى العام” وهو في الحقيقة لم ينتخب ولا يمثل أهل الثورة في إدلب.

((تحرير الشام⁩ تُعلن ضخ 3 مليون دولار أمريكي موزعة على 40 فرن لدعم الخبز بعد انهيار الليرة التركية و ارتفاع سعر الربطة))…. هلل البعض فرحاً بهذا النبأ بعد تصريح قائد الهيئة دون تفكر في الدلالة والمآلات.

ونشرت قناة “مجلس الشورى العام” خبر اجتماع الجولاني بهم على طريقة القنوات الإعلامية التابعة للهيئة: ((بحضور من حكومة الإنقاذ السورية برئاسة المهندس “علي كده” وأعضاء المجلس الأعلى للإفتاء ومشاركة القائد “أبو محمد الجولاني”، عقد مجلس الشورى العام برئاسة الدكتور “مصطفى موسى” جلسة طارئة لبحث تداعيات الأزمة الاقتصادية وانخفاض سعر صرف الليرة التركية وتأثير ذلك على أسعار المواد الغذائية وخاصة الخبز)).

ما الصفة التي حضر بها الجولاني هذا الاجتماع؟، هل بصفة قائد فصيل مصنف على لائحة الإرهاب ومطلوب للولايات المتحدة مقابل عشرة ملايين دولار؟!، أم بصفة قائد للمحرر مفروض بالقوة العسكرية والمالية والإعلامية، ومجلس الشورى هذا أحد الأدوات الإعلامية؟!، مع الرضا الدولي المعلن!!… إن ذكر كلمة القائد بغير تذييلها بالهيئة يعني أن المراد هو المعنى الثاني، وإن كانت كلمة قائد لم تتبعها كلمة مفدى حالياً.

من حق المتابع أن يسأل: بأي صفة قدمت هيئة تحرير الشام هذه المكرمة/ المنحة /الأعطية، ومن أين لك هذا يا هيئة تحرير الشام؟!، وطالما أن هيئة تحرير الشام تدعي أنها منشغلة بالدفاع العسكري والأمني عن المحرر وأن مال المكوس والضرائب والمعابر والزكاة والتجارة يذهب إلى حكومة الإنقاذ، فلماذا يحضر قائد الهيئة ويتفضل بهذه المكرمة؟!.

من المعروف عالمياً أن إدلب الأشهر من بين المناطق المحررة شمال سوريا، وإن أكثر أموال المنظمات والمانحين تدخل إدلب أكثر من ريف حلب الشمالي وريف الرقة الشمالي، غير مناطق قسد، فلماذا تظهر الأزمة في إدلب أكثر من غيرها، وهل ستستمر سياسة هيئة تحرير الشام الجبائية ثم منحها المعيشية مستمرة هكذا، وهل تنفع هذه السياسة في فرض القيادة والحكومة على الشعب الثائر؟!، أم أنها ستغرق الهيئة والحكومة في أزمات ومسؤوليات أكبر؟!

هنا لا بد من التأكيد أن هيئة تحرير الشام لا تستطيع تحمل الأعباء الحالية ولن تستطيع بالتأكيد تحمل الأعباء المستقبلية بهذه الطريقة المستبدة المتفردة الدعائية، بل سيزداد الضغط عليها مع الوقت بفعل الازمة الاقتصادية العالمية والإقليمية، وبفعل ضغط النظام الدولي لتغيير المسار إلى الأسفل والأعسر باستمرار، ولن يستطيع الشعب في المحرر الصبر على واقع ليس لهم من أمره شيء، بل سيكون اللوم على من فعله لتحقيق مكاسب سياسية بأي وسيلة، وسيكون الحساب عسيراً إن لم يكن الإصلاح من قريب، فلذلك سيكون على هيئة تحرير الشام إما التنازل للشعب وعدم منعه من إدارة نفسه، أو التنازل للنظام الدولي والتماهي معه متذرعة بالشعب الذي لا يقوى على مواجهة العالم والصبر على أذاه، والسبب تفرد واستبداد قيادة الهيئة بالتأكيد، فالجهاد والصبر على لأوائه يكون في سبيل الله وليس في سبيل أنظمة وتنظيمات، هذا ما تعلمه أهل الشام قبل وبعد الثورة.

يعلم الطفل الصغير في إدلب أن المال الذي “تصدق” به “القائد” أبو محمد الجولاني، إنما هو جزء من حقوقهم التي لم تصلهم أو اقتُطعت منهم هنا وهناك، لذلك لن تجد إلا قلة من الإعلاميين وربما المتصدرين المنتفعين أو الدروايش يشكر من اقتطع مالاً حراماً بيد ليتصدق به بيد أخرى، في الأولى تظهر طوابير الناس على المعابر ينتظرون قياس خزانات وقود سياراتهم أو يحملون بعض سلال الخضروات الممنوعة، وفي الثانية طوابير المصفقين للمكرمة الأميرية، إنها مفارقات عجيبة.

إنني أحدثكم حديث المشفق على ما بقي من ثورتنا وجهادنا ومناطقنا المحررة وكرامة أهلنا، لن تستطيع قيادة هيئة تحرير الشام القيام بأعباء المرحلة القادمة، ولن تقبل بشورى حقيقة محترمة تمثل المسلمين في إدلب تمثيلاً حقيقياً يضع الأمور في نصابها العلني، وستبقى تدافع عن هذه المكتسباب الحزبية الدعائية ضد وباتهام وملاحقة كل من يقول أصلحوا، وستبقى الثورة المعطلة في خطر.

اللهم أصلح شأننا، وانصرنا على أعدائك وأعدائنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى