إن عملية التعايش بين النظام الدولي القائم وبين ما يسميها حتى “أنقى طبعات الحركة الإسلاموية” لا يمكن أن تحصل.
اقتباسات
• مازالت الدعوات إلى عدم الدخول في صراعات مع المجتمع الدولي، وإلى تحييد بعض الأطراف الدولية الفاعلة -بل وخداعها حتى حين!!-، تتكرر من قبل الغالبية العظمى من “الجماعات الإسلامية” منذ عشرات السنين؛ فهل دعوات التحييد هذه واقعية؟! وهل أسباب وقرار الصراع بيد هذه الجماعات حتى تقرر التحييد متى شاءت، أم أن هنالك أسبابا خارج سيطرة الجماعات هي المؤسسة وهي المغذية للصراع؟. بل وهل دخلت هذه الجماعات وقت نموها وذروتها في صراع مع الدول الضامنة للنظام الدولي أصلا، حتى تنادي بتحييد هذه الدول وقت ضعفها وهبوطها؟!!…
• في كتابه “النظام العالمي: تأملات حول طلائع الأمم ومسار التاريخ” قال هنري كيسنجر بعد أن ساق عددا من ثوابت الإسلام وقواعده، والتي من المفروض أن تكون من المسلمات عند الجماعات الإسلامية، قال:”كتلة الأفكار هذه تمثل عكسا شبه كلي وقلبا لنظام وستفاليا العالمي. لا تستطيع الدول، بنظر أنقى طبعات الحركة الإسلاموية، أن تكون المنطلق المناسب ﻷي نظام دولي، لأن الدول علمانية، هي إذن غير شرعية”. فبحسب مفهوم كيسنجر، وهو المفهوم العام لمفكري وصناع القرار في الدول الضامنة للنظام الدولي، إن عملية التعايش بين النظام الدولي القائم وبين ما يسميها حتى “أنقى طبعات الحركة الإسلاموية” لا يمكن أن تحصل. والنقاوة هنا بمعايير الغرب، لا بمعايير الإسلام؛ أي أقرب الحركات لمفاهيم الغرب…
• في الثورة السورية كمثال، دخل النظام الدولي -ومازال- في صراع مع كل الجماعات، بينما هذه الجماعات -كلها بلا استثناء- لم تدخل في أي صراع حقيقي مع النظام الدولي، ولا مع أي دولة من الدول الفاعلة فيه. استعمل النظام الدولي ضد هذه الجماعات أشكالا عدة من أدوات الصراع؛ من حصار وتضييق، ومنع سلاح إلى تآمر علني، وصولا إلى أن طائرات النظام الدولي كانت ومازالت تقصف من شاءت ومتى شاءت، دون أن تدافع اي من هذه الجماعات عن نفسها؛ بل بعضها لم يجرؤ حتى على استنكار هذه الاستهدافات!!..
• أيا كانت الأسباب الدافعة لذلك؛ فالحقيقة، لم تدخل الغالبية العظمى من “الجماعات الإسلامية” -السياسية منها والجهادية- أي صراع حقيقي مع أي طرف من الأطراف الضامنة للنظام الدولي، بل إن الأطراف الدولية هي من بدأت ومازالت تخوض ضده هذه الجماعات حرب استئصال تدميرية، وأن هذه الجماعات لم تدافع عن نفسها حتى!.
كما أن تأخير هذه الأطراف الدولية لاستئصال بعض الجماعات لا يرجع إلى سياسات هذه الجماعات ولا إلى دعوات التحييد التي تطلقها، أو إلى غيرها من الأوهام التي تتصورها هذه الجماعات؛ وإنما يرجع إلى أهداف خاصة بهم ومراحل تقتضيها استراتيجياتهم في إدارة الصراع، وعندما تحين مراحل الاستئصال لن يكون التعامل مختلف عن التعامل مع فصائل الجنوب السوري بكل أطيافها، ولا عن التعامل مع إخوان مصر أو غيرهم من الجماعات..