إدلب وبرد الشتاء

كلما أقبل الشتاء وزمهريره على إدلب الثورة قطب الناس جبينهم وعلا الهم نفوسهم، فالموت والإصابة بسبب البرد هو النوع الجديد من أنواع الموت والمرض الذي ينزل بالناس في هذه الأيام، إضافة لما اعتادوه من موت وإصابة بالبراميل والصواريخ والكيماوي..، وتزداد محنة الناس مع غلاء الأسعار ونقص بعض أنواع المحروقات، ليصبح توفير أدوات التدفئة همًّا يفوق همَّ توفير الطعام والشراب.

 

* ومن أهم وسائل التدفئة التي يستخدمها المستطيعون من أهل إدلب ما يلي:

– التدفئة بالحطب أو الفحم أو الملابس القديمة: حيث تتوفر مدافئ معدة لاستعمال أنواع الحطب أو الفحم وهي أنواع كثيرة منها ما هو جيد ومنها ما هو رديء، ومن أرخص الأنواع المستعملة فحم الحراقيات، وهو المادة المتبقية بعد تكرير البترول، ومن أفضل الأنواع المستعملة قشر الفستق والجوز، وهناك أنواع أخرى كحطب الزيتون والبيرين وهو مكون من نواة حبات الزيتون، وهناك من يستخدم الملابس المهترئة التي تباع في أسواق البالة، والمشكلة العامة في هذا النوع من التدفئة هو احتياجه لمجهود في بداية تشغيله، وكذلك الروائح المضرة التي يخرجها، وكمية الرماد الكبيرة التي تنتج عنه وتحتاج لتنظيف المدفأة منه، وكذلك انسداد المدخنة كل فترة، ولكن مما يميز هذه الطريقة أن الجمر يعطي حرارة لمدة طويلة بعد التوقف عن تشغيلها، وأنه قد يستعمل فيها ما توفر من المواد حتى وإن كانت بقايا وفضلات القمامة المنزلية، ومتوسط استهلاك الغرفة في الشهر من هذا النوع من التدفئة 40 دولارا.

– التدفئة بالمازوت: وهذا النوع من التدفئة كان هو الأشهر قبل أزمة المحروقات الأخيرة، وتمتاز هذه الطريقة بسهولة تشغيل المدفأة مقارنة بمدافئ الحطب، ولكنها أغلى من غيرها من أنواع التدفئة، ولا تستمر حرارتها بعد إيقاف تشغيلها، ومتوسط استهلاك الغرفة في الشهر من هذا النوع من التدفئة 60 دولارا “في حال توفر المازوت بسعره الطبيعي”.

– التدفئة بالكاز: هناك أنواع من مدافئ الكاز تمتاز بسهولة نقلها، ولكنها أخطر من غيرها بسبب حالات الغش المتكرر في الكاز والذي يسبب أحيانا اشتعال حرائق إن لم تكن هناك عناية عند التشغيل والتوقيف، ومتوسط استهلاك الغرفة في الشهر من هذا النوع من التدفئة 40 دولارا “في حال توفر الكاز بسعره الطبيعي”.

– التدفئة بالغاز: وقد انتشرت هذه الطريقة في الأيام الماضية، وهي سهلة في النقل والتشغيل، ورائحتها أقل من غيرها، ولا تستمر حرارتها بعد إيقاف تشغيلها، وينصح بعد توقيف إشغالها أن تنقل خارج الغرفة لمكان فيه تهوية بحيث لا يتضرر البيت إن حصل تسريب من الغاز، ومتوسط استهلاك الغرفة في الشهر من هذا النوع من التدفئة 35 دولارا.

– التدفئة بالكهرباء: وهو أفضل أنواع التدفئة من حيث الأمان والتشغيل، ولكن مع انقطاع الكهرباء وقلة ساعات عمل المولدات لا يكفي هذا النوع وحده في التدفئة، بل يمكن استخدامه وقت قدوم الكهرباء فقط، وتكون هناك تدفئة بنوع آخر في الفجر أو الظهر أو مساء بعد انقطاع الكهرباء، ومتوسط تكلفة التدفئة بهذا النوع لغرفة شهريا بمعدل خمس ساعات يوميا هو 20 دولارا.

 

* أزمة المخيمات في الشتاء:

تتكرر كل شتاء أزمة المخيمات العشوائية التي لا تقي بردا ولا حرا ولا تمنع هواء ولا مطرا، ولا ينتهي الشتاء عادة إلا وقد أصيبت تلك المخيمات بعدة كوارث يندى لها جبين الإنسانية؛ من أطفال تجمدوا من البرد، وأرامل تسبح في أنهار الأمطار، وكهول غطاهم الثلج.

وبعد أن تحصل الكارثة يتنادى البعض فيقدمون بعض الإغاثات ووسائل التدفئة، ثم يمضون لسبيلهم، لتعود الأزمة بعد حين.

إن أزمة المخيمات أزمة متشعبة تحتاج حلولا جذرية؛ إنها أزمة اجتماعية لها تبعات سلبية على كافة الجوانب النفسية والفكرية والتربوية والأخلاقية، ولا بد من تفكيك هذا الواقع البئيس في تلك المخيمات ليمكن إيجاد حلول جادة.

إن الفقر سبب من أسباب لجوء الناس إلى المخيمات، وهناك أسباب أخرى منها البحث عن الأمان من القصف في الأماكن الحدودية، ومنها البحث عن فرص عمل في تلك التجمعات السكنية، ومنها القرب من أماكن الخدمات الإغاثية والخدمية التي تقدمها المنظمات..

ومن الضروري البحث عن وسائل لتفكيك المخيمات العشوائية التي لا تتوفر فيها وسائل الحياة المقبولة، لينتقل أصحابها إلى تجمعات سكنية صغيرة ممتدة على طول الشريط الحدودي يمكن تلبية احتياجاتها الضرورية ومعرفة حقيقة واقع سكانها، لتكون سكنا للمضطر حقيقة لسكناها.

 

* شتاء المرابطين:

أما المرابطون على الجبهات في فصل الشتاء فهم المصابرون الثابتون الذين تقتضي طبيعة حفظهم للثغور عدم إشغال أي وسيلة للتدفئة في نقط الرباط حفظا لأمنيات المكان، فترى الهواء القارص يلفحهم عادة من كل مكان، والمطر والوحل يحيط بهم، والضباب يغشاهم، وهم مستيقظون متوثبون حتى لا تؤتى الجبهات من قِبلهم، فلله درهم وعلى الله أجرهم، وهو حسبهم ونعم الوكيل.

ومن المهم في ذلك ألا تطول النوبة الواحدة للمرابط على الدشمة في تلك الحال، فيتم تبديل المرابطين كل ساعتين مثلا ليرتاح المجاهد بعض الشيء وكي لا يصاب بالمرض، ومن المهم كذلك تأمين وسائل تدفئة دائمة في نقاط رباطهم الخلفية حتى تعينهم على تدفئة أجسادهم بعد الرباط في النقاط المتقدمة، ومن المهم كذلك ألا يتأخر تبديل المرابطين في الجبهات عن الموعد المحدد ليعودوا إلى بيوتهم ويستطيعوا تبديل وتنظيف ملابسهم وسلاحهم.

 

فاللهم خفف عن أهلنا برد الشتاء يا رب العالمين.

متابعة: أبو محمد الجنوبي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى