أيها المسلمون: سارعوا إلى نصرة غزة قبل فوات الأوان؛ وتخليص أنفسكم من إثم خذلانها، ودَعوكم من بائعي الوهم.. – كتابات فكرية – مجلة بلاغ العدد ٥٩ – رمضان ١٤٤٥ هـ – March 19, 2024
الأستاذ: الزبير أبو معاذ الفلسطيني
قبل أيام نشرتُ عن خطورة ترك غزة بعد الحرب نهشًا للأنظمة العربية والأعجمية التي ستعمل على زيادة الخنق والتضييق على المسلمين الغزيين لدفعهم إلى الهجرة القسرية في ثوب الهجرة الطوعية، عندما لا يتمكن الغزيّون من إصلاح ما أفسدته آلة الدمار اليهودية، فلا مقومات للحياة في قطاع غزة، فلقد دمرت يهود كل ما استطاعت تدميره لكي تصبح الحياة في غزة قطعة من العذاب، دمروا الطرق والمؤسسات العامة والمنازل الخاصة وقطاع التعليم وقطاع الصحة وشبكات الاتصالات والصرف الصحي وتغذية المياه والكهرباء وكل ما أمكنهم تدميره.
وقلتُ: أن أغلب من احتككت بهم يتحدثون عن الهجرة خارج غزة حال تمكنهم من ذلك، هربًا من جحيم المعاناة ما بعد الحرب؛ التي توشك أن تضع أوزارها مرحليًا، وحذّرتُ المسلمين من خطر ترك الغزيين يواجهون هذا المصير، وأنه يتعين على المسلمين أفرادًا وجماعات أن يتفكروا في وضع الخطط لإمداد الغزيين بأسباب الثبات على أرضهم دون انتظار المشاريع الرسمية لإعادة الإعمار، لأن دول العالم بما فيها الأنظمة العربية ستضيّق الخناق وتطيل أمد الإعمار لتتحصل يهود على ما تصبو إليه من تهجير للمسلمين.
ولقد نقلتُ ما رأيتُه وسمعتُه مما بات حقيقةً واقعية لا يجادل فيها إلا جاهل بالواقع أو منتفع مدلّس، وفعلًا لم يصبر بعض المنتفعين فثارت ثائرتهم في محاولة لإظهار تحذيري في ثوب تشويه أهل بلدي! هؤلاء الذين لا يتقون الله لا يتورعون أن يطمسوا معاناة الناس في غزة لكي تَسلم الصورة الملائكية الحالمة التي يريدون أن يرسموها عن مجتمعٍ فيه مئات الآلاف؛ ما بين ظالم لنفسه ومقتصد وسابق بالخيرات؛ كحال سائر المجتمعات البشرية، يريدون أن يدفنوا المعاناة التي نحياها في غزة لكي يصنعوا حالةً مجتمعيةً لم تكن في مجتمع الصحابة رضي الله عنهم ولعن الرافضة الذين يلعنونهم.
ومن قبيح ما وجدتُ هؤلاء يتهمونني به أنني “أتسول المسلمين” بكلامي هذا! وهذه الطعون والتنقيب في القلوب من رقة ديانتهم حسبي الله عليهم، ويعلم الله أنني منذ بدء هذه الحرب أوصلتُ ما يقرب من مليون شيكل إلى مصارفها التي جاءت لأجلها، حتى ما أُرسِل مخصوصًا لي ولأهلي أنفقتُ أغلبه على غيري، ولم أترك منه شيئًا، وكان هذا مرةً وبعدها مَن تواصل يريد أن يرسل لي شخصيًا أعتذر منه بلباقةٍ وحياءٍ، رغم حاجتي ومن أعُول؛ خاصة بعد هذه الحرب التي قُصِف خلالها بيتي وتحول مصدر رزقي إلى كومة أحجار، ورغم كامل قناعتي أن هذا واجب على المسلمين لا منة فيه؛ وثمنٌ يسيرٌ جدًا يشاركنا به المعركةَ مَن أراد مِن المسلمين أن يرفع عن نفسه إثم الخذلان، وكل من سألني عن طريقةٍ لدعم أهل غزة وضحتُ له السُبل المتوفرة دون أن أوجهه إلى نفسي، ومن أراد أن يرسل عن طريقي أستفسر منه عن المصرف الذي يود أن تكون فيه أموالُه ثم أعطيها لمن يقوم على ذلك ممن أعلم أمانتهم، ولا أتصرف فيها من تلقاء نفسي، وأقول هذا من باب “على رسلكما إنها صفية” بعد أن حاول من لا يتقِ الله أن يرميني بما كان غارقًا فيه، وأعتذر من قراء المجلة ومتابعيّ على قناتي أنني أقحمتهم في مثل هذا، لكن قديمًا قالوا: “إن لصاحب الحق مقالا”.
إن المسلمين في غزة كسائر البشر، لحم ودم وعظام، يتعبون ويتألمون ويُحسّون بالوجع والقهر، ويبكون ويخافون ويتمنون الخلاص من الحرب والدمار، ليسوا كائنات خارقةً أو ماكينات فائقة! ولا يقدح هذا في صبرهِم ورباطهِم وثباتهِم كما يحاول المدلسون أن يفعلوا، فنماذج الصبر الفريدة التي رآها العالم موجودة؛ في غزة وسائر بلاد المسلمين، وستبقى بعون الله، لكن هل هذا يعني أن الجميع على نفس درجة الصبر؟! هل يجب أن نَبقى نكتم آلام شعبنا لكي نعيش وهم المجتمع الملائكي؟! إن الذي يفعل هذا عاقٌّ لبلده وشعبه، والمصيبة أنه يطمس آلام الغزيين عن الأمة التي ما فتئ يهاجمها جمعاء؛ ويتهمها بالتخاذل والركون والسكون!! يعني يستسهل الطعن في أمة الإسلام جميعها بسبب تخاذلها في نظره وفي المقابل تنتفض فرائصه ويرمينا بكل نقيصة ظلمًا وافتراءً وبهتانًا وعدوانًا بغير حق عندما ننقل بصدقٍ بعض معاناة شعبنا؛ لنحذر الأمة من مغبة استمرار تركنا دون نصرةٍ حقيقيةٍ! وحجة هؤلاء ذوي القلوب المريضة أننا نشوه الحالة الطهرية! فأي تناقضٍ هذا الذي يستطيعه أمثال هؤلاء! لكن من تعوّد التلوّن والتنقل بين التنظيمات والتيارات بحثًا عن مصلحته لن يرى ذلك من نفسه، والموعد بين يدي الله لا سامحهم الله.
أيها المسلمون، نحن في غزة على مشارف أخطارٍ جمةٍ، أقلها التهجير، وأبشعها خروج غزة من المعادلة تمامًا في المستقبل بحيث لا تستطيع إطلاق رصاصةٍ نصرةً لقضايا فلسطين، ومن الأخطار أن تصبح ثقافة المقاومة صفحةً من زمنٍ سابق، ويصبح الداعي إليها داعٍ إلى هلكة الناس، وهذا بدأ يسري ويدور بين المكلومين اليوم، والأيام تجعله رأيًا؛ وتزيده طولًا وعرضًا، ولو استمرت المعاناة فسيكفر الناس بالمقاومة والجهاد، ولقد حصل هذا من قبل في مجتمعات أخرى، وليس تخوفًا من قبيل الفرضيات، فليحذر المسلمون من مغبة استمرار تخلفهم عن نصرتنا في غزة، فغزة بابٌ لو كُسِر فلا تسأل بعدَها عن هلكة العرب.
ولقد رأيت وتابعتُ الكثير من الذين يتحرقون لتقديم ما يستطيعون نصرةً لنا في غزة، يحاولون البحث عن سبلٍ عملية بعد أن كبّلتهم أنظمة دولهم الحاكمة، ولعلي أقترح رأيًا على من يريد أن يساهم بسهمٍ في معركتنا، سهمٌ ينجيه من عقوبة الله القادمة على من تخاذل، فالجميع يعلم أن غزة سُوّيت بالأرض تقريبا، ولم تعد الحياة فيها سهلةً أبدا، ومشاريع إعادة الإعمار قد يتعمد صهاينة يهود وصهاينة العرب أن تطول وتطول، دفعًا للمسلمين الغزيين أن يهجروا ديارهم، لذا فليسعى كل من يريد أن يشاركنا أجر المعركة أن يكوّن حوله فريق عمل، ينتظمون فيه لتحصيل ما استطاعوا من المال، يجمعونه من كل من يتمكنون من التواصل معه من المسلمين، يجمعون الزكوات والصدقات والتبرعات، ثم يستهدفون بها إخوانهم في غزة، بعد تطوير وسائل عملية ناجعة لإيصال المال إلى قطاع غزة، عبر التواصل مع جهة يطلبون منها جمع البيانات في منطقة معينة عن المنازل المهدمة، ممكن أن تكون هذه الجهة وجهاء عائلة بعينها، أو جمعية خيرية معروفة، ويتكفل الفريق بإعادة إعمار ما استطاعوا من البيوت من خلال هذه الجهات الغزية التي يتواصلون معها، هذه الفكرة ممكن بلورتها وتطويرها بحيث يتم تعميمها بين المسلمين حول العالم، ولو تبرعت جهات بوضع خطة قابلة للتطبيق ونشرها بحيث تكون خطةً شعبية ممكن أن يساهم فيها كل مسلم دون معوقات دولية، مثل أن يتم تقسيم مناطق قطاع غزة على دول العالم الإسلامي، مثلًا أن تتكفل ببيت حانون دول المغرب الإسلامي، وجباليا دول شرق آسيا، وغزة المدينة دول الخليج، وهكذا، وأن تكون في كل منطقة داخل غزة جهات متعددة يتم تشكيلها شعبيًا لجمع بيانات الذين فقدوا منازلهم، ثم تساهم في تقييم حاجة كل متضرر ووضعه على قوائم ليأخذ مكانه في إعادة إعمار منزله المهدم، وممكن أن توضع خطط وآليات بحيث تكون إعادة الإعمار لكل منطقة بالتوازي، لكي لا يُظلم أحد في وقت إعمار مأواه.
يمكن وضع تصورات عديدة، ثم وضع آليات عملية قابلة للتطبيق، فكل الأعمال الناجحة بدأت بفكرة تسلمها أصحابها بصدق ووضعوا الخطط والبرامج وطوروها وقاموا على إخراجها على أرض الواقع بأفضل ما يكون، فالباب مفتوح لمن أراد احتساب الأجر بجهده أو بماله، فما حدث لغزة نذارة شؤم على الأمة إن استمرت حالة العجز عن النصرة، وقد نرى ما حدث في غزة في غيرها من بلاد المسلمين.
نسأل الله أن يعجل بالفرج لنا ولأمة الإسلام، ويجعل تخوفاتنا مجرد ذكريات لم ترى النور..