أصحاب الأخدود والفوز الكبير – مقالات مجلة بلاغ العدد ٦٩ – شعبان ١٤٤٦ هـ
مجلة بلاغ العدد ٦٩ - شعبان ١٤٤٦ هـFebruary 04, 2025
![](http://i0.wp.com/fromidlib.com/wp-content/uploads/2025/02/%D8%A3%D8%B5%D8%AD%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AE%D8%AF%D9%88%D8%AF-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%88%D8%B2-%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A8%D9%8A%D8%B1.jpg?resize=780%2C470&ssl=1)
باحث
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة والتسليم على النبي المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين وبعد:
خلق الله تعالى الإنسان ووهبه عقلاً ليعمله ويتفكر به فيما يصلحه ويحقق له سعادته في الدنيا والآخرة، وقد بيّن الله تعالى سبل الفلاح والرشاد، وطرق الغواية والضلال، فقال تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان:3].
فمن أدرك حقيقة وجوده في الحياة الدنيا، والمصير المحتم في الآخرة سلك الطريق الذي شرعه الله لعباده لا يحيد عنه ولو كلفه ذلك ذهاب روحه، ومن غيّب عقله وأعمى بصره واتبع هواه سلك سبل الشيطان وكان في الآخرة من الخاسرين.
في قصة أصحاب الأخدود الواردة في سورة البروج آيةٌ وموعظةٌ لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع وهو شهيد، فلقد أخبرنا أن قوماً آمنوا بالله تعالى وكفر بالطاغوت فحرّقوا في الأخاديد.
في موازين البشر فإن ما فعله أصحاب الخدود تهلكةٌ وقتل نفسٍ وانتحار، فكان يكفيهم أن يسكتوا أو يداهنوا ولا يقتلوا أنفسهم.
أما في ميزان القرآن فلقد وصف الله تعالى فعلهم بالفوز الكبير، فهم حُرّقوا في الدنيا ولكنّ نعيم الجنة ينتظرهم في الدار الآخرة، ونار السعير وتعاسة المصير بانتظار الطغاة والمجرمين الذين حرّقوا المؤمنين في الأخاديد، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [البروج:10]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} [البروج:11].
*نستلهم من قصة الأخدود العبر والعظات منها:
السعادة هي سعادة الآخرة والحياة هي حياة الآخرة، والنار التي تحرق الأجساد في الدنيا لا تحرق الأرواح في الآخرة، فماذا ربح من جمع كنوز الدنيا وتمتع بزينتها ثم هو يوم القيامة في عذاب السعير، وماذا خسر من عاش الحياة الدنيا قد ذاق صنوف العذاب فيها لأجل دينه وثوابته ثم هو في الآخرة من أهل الجنة الخالدين المنعمين، قال تعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ} [الأعلى:17-16].
المؤمن يضحي بروحه وأغلى ما يملك لأجل دينه ومبادئه، ولا يؤثر الدنيا الفانية على الآخرة الباقية، فلا مساومة على المبادئ والثوابت والشريعة والدين، يقول سليمان بن سحمان رحمه الله: “فلو اقتتلت البادية والحاضرة حتى يذهبوا لكان أهون من أن ينصبوا في الأرض طاغوتاً يحكم بخلاف شريعة الإسلام التي بُعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم”.
الموت دون الدين شهادةٌ بنصّ القرآن الكريم، فلا اعتبار لكلام البشر وما يقوله الناس أمام شريعة ربّ الأرباب.
استئناساً بما سبق من كلام أهمس في أذن أخي المجاهد همسة محبٍّ ناصحٍ مشفقٍ، لا تغرّك الدنيا فتزلّ قدمك بعد ثبوتها، وتجعلك تتخلى عن دينك وجهادك ومبادئك، ولأن تبقى في خيمتك التي لا تردّ برداً ولا تقي حراً محافظاً على دينك وجهادك خيرٌ لك من قصور الشام وحلب وحمص منتكساً خاسراً لآخرتك.
أسأل الله تعالى أن يثبتنا على ديننا، وأن يختم أعمالنا بشهادة يرضى بها عنّا، اللهم آمين، والحمد لله رب العالمين.