Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.

أختاه! الرباط الرباط | ركن المرأة | مجلة بلاغ – العدد الثامن عشر – ربيع الثاني 1442 هـ

الأستاذة: نسمة القطان

 

رباطك رباطك أخيتي! الزمي ثغرك؛ {وَقَرنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}، فبيتُك هو مملكتُك؛ (والمرأة راعية في بيت زوجها، ومسؤولة عن رعيتها)، إنها الوظيفة السامقة التي شرفنا الله بها فأسقط عنا كثيرا من الواجبات لنتفرغ لها تماما فلا تغادري الرباط إلا لحاجة؛ (أما إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحوائجكن).

 

المرأة لم تكلف بالنفقة على أولادها فضلا عن النفقة على نفسها {فَلَا يُخرِجَنَّكُمَا مِنَ الجَنَّةِ فَتَشقَى} فالنفقة من مهام الرجال {وَبِمَا أَنفَقُوا مِن أَموَالِهِم}، وأسقط الله عنها الجهاد (عليهن جهاد، لا قتال فيه: الحج والعمرة) وخير صلاة النساء في قعر بيوتهن (وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي).

 

يقول الدكتور محمد إسماعيل المقدم: “فوفر لها الشرع كل ما أمكن، وذلك لقدسية وظيفتها وخطورة وظيفتها، ولا يصرح لها بالخروج من مكان العمل إلا في أحوال استثنائية، فالأصل أن تظل في مكان العمل مرابطة ليل نهار،… وكانت نهضة المؤمنين أو المسلمين في القرون الأولى سببها المرأة، فنحن ننظر إلى النتائج ونغفل الأسباب، فنفخر بـالشافعي، ونفخر بـسفيان الثوري، ونفخر بالصحابة ونفخر بالمجاهدين والعلماء والمجددين وننسى من كان وراء هؤلاء”. [محاضرة بعنوان: دور المرأة في التربية والدعوة إلى الله].

 

الأم المرابطة في بيتها هي مصنع الرجال ومدرسة الأجيال وجامعة الأبطال، ولقد خلّدت صفحات التاريخ نساءً مرابطات خرّجن للأمة مجددين وعلماء وقادة وخلفاء وفاتحين أتقياء، فوراء كل رجل عظيم أمّ.

سلن التاريخ يخبركن عن أمّ عمارة نسيبة بنت كعب، وأمّ أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير ذات النطاقين، وأمّ زيد بن ثابت النّوار بنت مالك، وأمّ إمام دار الهجرة العالية بنت شريك الأزدية، وأمّ السلاطين خناثة بنت بكار، وأمّ صلاح الدين الأيوبي ست الملك خاتون، وأمّ شيخ الإسلام ابن تيمية ست النعم بنت عبد الرحمن، ومِلك اليمين مزنة أمّ أمير المؤمنين عبد الرحمن الناصر، وأمّ بديع الزمان النورسيّ نورية بنت ملا طاهر.

 

هل جاءكم خبر امرأة كان مهرها الإسلام؟ امرأة عكفت على تعليم ابنها القراءة والكتابة فلما أجادهما اختارت له أشرف وظيفة وأفضل مربٍّ؛ يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: “قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن ثمان سنين، فأخذت أمي بيدي فانطلقت بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إنه لم يبق رجل ولا امرأة من الأنصار إلا قد أتحفك بتحفة، وإني لا أقدر على ما أتحفك به، إلا ابني هذا فخذه فليخدمك ما بدا لك، فخدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما ضربني ضربة، ولا سبني سبة، ولا انتهرني ولا عبس في وجهي”.

نظر أبو سفيان إلى معاوية وهو غلام فقال: “إن ابني هذا لعظيم الرأس وإنه لخليق أن يسود قومه”، فقالت أمّه هند بنت عتبة: “قومه فقط! ثكلته إن لم يسد العرب قاطبة”.

والخنسـاء تماضر بنت عمرو بن الحـارث تشهد معركة القادسية مع أبنائهـا الأربعة وتوصيهم قبيل المعركة: “يا بني، إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، والله الذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجل واحد كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما هجَّنتُ حسَبَكم، وما غيَّرتُ نسبكم، واعلموا أن الدار الآخرة خير من الدار الفانية، اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون، فإذا رأيتم الحرب قد شمَّرت عن ساقها، وجلَّلتم نارًا على أرواقها، فيمِّموا وطيسَها، وجالدوا رسيسها، تظفروا بالغُنم والكرامة في دار الخُلد والمقامة”.

فقتلوا جميعا في المعركة، فلما وافاها النُعاة بخبرهم قالت الخنساء التي كانت قد ملأت الدنيا نياحًا على أخيها صخر في الجاهلية: “الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من الله أن يجمعني بهم في مُستقر الرحمة”.

وسهيلة أم ربيعة الرأي يتركها زوجها حاملًا في ربيعة ويخرج للغزو في بلاد خراسان ليعود بعد سبع وعشرين سنة فيدخل المسجد النبوي فيجد حلقة علم كبيرة لولده ربيعة الرأي.

ووالدة الإمام سفيان الثوري تقول له: “اذهب، فاطلب العلم حتى أعولك بمغزَلي، فإذا كتبت عدَّة عشرة أحاديث، فانظر هل تجد في نفسك زيادة، فاتَّبعه، وإلا فلا تتعَنَّ”.

وأمّ الإمام الشافعي؛ فاطمة بنت عبد الله الأزدية القانتة العابدة الفقيهة الحصيفة، يموت زوجها تاركا لها الشافعي يتيمًا لم يمض على ولادته إلا عامان، مات أبوه في عسقلان ولم يترك مالا ولا شيئًا ذا بال فانتقلت به أمه إلى مهبط الوحي حيث العلم والفضل في مكة، فحفظَ الشافعي القرآن الكريم وهو ابن سبع سنين، وحفظ الموطأ وهو ابن عشر سنين، ولما عزم على السفر إلى اليمن رهنت أمه دارها لتوفر له مالا لرحلته.

حسب اليتيم سعادة أن الذي نشر الهدى في الناس عاش يتيما.

وأمّ إمام أهل السنّة أحمد بن حنبل؛ صفية بنت ميمونة بنت عبد الملك ترفض الزواج بعد وفاة زوجها، فنشأ الإمام أحمد يتيمًا في كنَف أمه، يقول رحمه الله: “وجيء بي حملًا من مرو، وتوفي أبي محمد بن حنبل وله ثلاثون سنة، فوليتني أمي، فحفظتني أمي القرآن وعمري عشر سنوات”.

ما اليتم إلا ساحة مفتوحة منها نجهز للحياة عظيما.

كانت رحمها الله تُعد له الماء قبل صلاة الفجر ليصلي في الليل، ثم تذهب معه إلى المسجد لصلاة الفجر لبعده عن البيت، يقول الإمام أحمد: “فلما بلغت السادسة عشرة من عمري، قالت لي أمي: اذهب في طلب الحديث؛ فإن السفر في طلب الحديث هجرة إلى الله الواحد الأحد، وأعطتني متاع السفر عشرة أرغفة شعير ووضعت معها صرة ملح، وقالت: يا بني إن الله إذا استودع شيئًا لا يضيعه أبدًا، فاستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه”.

وأمّ الإمام البخاري ترعاه يتيما قد ذهب بصره فرأت والدتُه الخليلَ إبراهيم عليه السلام في المنام يقول لها: “يا هذه! قد رد الله على ابنك بصره بكثرة دعائك” فأصبح وقد رد الله عليه بصره.

وأمّ السلطان محمد الفاتح هما خاتون، تأخذه وهو صغير وقت صلاة الفجر؛ لتريه أسوار القسطنطينية وتقول له: “أنت يا محمد تفتح هذه الأسوار اسمك محمد كما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم”، فيقول لها الطفل الصغير: “كيف يا أمي أفتح هذه المدينة الكبيرة ؟!” فتقول: “بالقرآن والسلطان والسلاح وحب الناس”.

وأمّ سيّد قطب فاطمة حسين عثمان تربيه على حب القرآن وتعظيمه فيقول في مقدمة كتابه التصوير الفني في القرآن: “إليك يا أماه، أرفع هذا الكتاب. لطالما تسمعت من وراء “الشيش” في القرية، للقراء يرتلون في دارنا القرآن، طوال شهر رمضان. وأنا معك -أحاول أن ألغو كالأطفال- فتردني منك إشارة حازمة، وهمسة حاسمة؛ فأنصت معك إلى الترتيل، وتشرب نفسي موسيقاه. وإن لم أفهم بعد معناه.

وحينما نشأت بين يديك، بعثت بي إلى المدرسة الأولية في القرية، وأولى أمانيك أن يفتح الله علي، فأحفظ القرآن؛ وأن يرزقني الصوت الرخيم، فأرتله لك كل آن. ثم عدلت بي عن هذا الطريق في النهاية إلى الطريق الجديد الذي أسلكه الآن؛ بعدما تحقق لك شطر من أمانيك، فحفظت القرآن!

ولقد رحلت عنا -يا أماه- وآخر صورك الشاخصة في خيالي، جلستك في الدار أمام المذياع. تستمعين للترتيل الجميل؛ ويبدو في قسمات وجهك النبيل أنك تدركين -بقلبك الكبير، وحسك البصير- مراميه وخفاياه.

فإليك يا أماه. ثمرة توجيهك الطويل. لطفلك الصغير. ولفتاك الكبير. ولئن كان قد فاته جمال الترتيل، فعسى ألا يكون قد فاته جمال التأويل. والله يرعاك عنده ويرعاه”.

 

فلو كان النساء كمن ذكرنا لفضلت النساء على الرجال.

فما التأنيث لاسم الشمس عيب ولا التذكير فخر للهلال.

 

هكذا كان رباط هؤلاء النسوة اللاتي خرّجن عظماء التاريخ، “لقد كانت الأم المسلمة عبر التاريخ مخرّجة الرجال ومربية الأبطال ومعلّمة القادة وملهمة العظماء ومنشئة الأئمة والعلماء، وبعكس ذلك كلّه حالنا معها اليوم، وهذا له أسباب، البحث عنها فرض والعمل على تلافيها واجب، والسعي إلى تبديلها لازم”. [أمهات مؤمنات غيرن وجه العالم – لأبي حفص أحمد الجوهري عبد الجواد].

 

لقد كان رباطهن في البيت محرابا يتقربن فيه إلى الله..

تقول لبابة العابدة عن لذَّة عبادتها في محرابها: “ما زلت مجتهدة في العبادة حتى صرتُ أستروح بها، وإذا تعبتُ من لقاء الخلق آنسني بذكره، وإذا أعياني الخلق روَّحني للتفرغ لعبادة الله عز وجل والقيام إلى خدمته”.

وتقول عاتكة المخزومية لما عُوتبت في كثرة بكائها: “ما ينبغي للمخوَّف بالنار أن تجفَّ له دمعة، حتى يعرف موقع الأمان من ذلك”.

وتعاتَب عفيرة العابدة في قلة نومها فتقول: “ربما اشتهيتُ أن أنام فلا أقدر عليه، وكيف ينام من لا ينام عنه حافظاه ليلاً ولا نهارًا؟!”.

ومُلَيكة بنت المنكدر تقول: “دعوني أبادر طيَّ صحيفتي”.

وأم الهّذيل حفصة بنت سيرين تمكث ثلاثين سنة لا تخرج من مصلاها إلا لقائلة أو قضاء حاجة.

وعصمت الدين خاتون تقوم من نومها غَضبى لأنه قد فاتها وردها البارحة فلم تصل من الليل شيئا.

 

إن هذا الرقي وذاك السمو في العبادة لم يأت من فراغ، ولكنها تربية القرآن والسنة على منهج السلف رضي الله عنهم.

فأم الدرداء تروي علمًا غزيرا عن زوجها أبي الدرداء، وابنة سعيد بن المسيب تعلِّم زوجها علم سعيد بن المسيب، وبنت الإمام مالك تحفظ الموطأ، وفاطمة بنت عباس بن أبي الفتح تسترجع أكثر المغني.

 

وصدق المتنبي:

إذا غامرت في شرف مَرُوم فلا تقنع بما دون النجوم.

فطعم الموت في أمر حقير كطعم الموت في أمر عظيم.

يرى الجبناء أن العجز عقل وتلك خديعة الطبع اللئيم.

 

إن المرأة التي تَدرس وتتعلم لتتفرغ بعد ذلك لتربية أبنائها ليست سيدةً عاطلة، ولا يليق بنا أن نسميها ربة منزل تحقيرا لشأنها، فهي على ثغر عظيم وعمل شريف، فالأصل في عمل المرأة رعاية الأبناء وحسن التبعل للزوج وما سوى ذلك فهو فرعٌ عن الأصل، {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلغَيبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ}.

وما أعظم الصناعة الإلهية على يد أم موسى عليها السلام؛ لما قال الله له: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} كان ذلك في مصنع الأمومة {فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ} {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ}.

 أختاه! الرباط الرباط | ركن المرأة | مجلة بلاغ - العدد الثامن عشر - ربيع الثاني 1442 هـ الأستاذة: نسمة القطان #من_إدلب #مجلة_بلاغ  أختاه! الرباط الرباط | ركن المرأة | مجلة بلاغ - العدد الثامن عشر - ربيع الثاني 1442 هـ الأستاذة: نسمة القطان #من_إدلب #مجلة_بلاغ  أختاه! الرباط الرباط | ركن المرأة | مجلة بلاغ - العدد الثامن عشر - ربيع الثاني 1442 هـ الأستاذة: نسمة القطان #من_إدلب #مجلة_بلاغ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى