المسألة التاسعة: (في الشركات)
رجل أعطى تاجراً مبلغاً بالليرة التركية، ليشغلها له في تجارته منذ سنة تقريباً، فكيف يسترد المال اليوم؟ ومن يتحمل خسارة المال بسبب فرق العملة؟
الجواب وبالله التوفيق ..
هذه العملة (تشغيل المال) تسمى شركة مضاربة، حيث يكون المال من طرف والعمل من طرف آخر.
وتسمى شركة عنان إذا كان المال من الطرفين، وكان العمل على أحدهما أو كليهما، والقاعدة في توزيع الربح في (شركة المضاربة) أن الربح على ما اتفقا، والخسارة على رب المال.
وفي (شركة العنان): الربح على ما اتفقا، والخسارة على قدر المالين، وعليه فإنه عند تحقق الربح يُوزع حسب الاتفاق بين الطرفين، أما عند تحقق الخسارة فيتحملها صاحب المال وحده دون العامل، إذ لا يخسر إلا جهده، وإن كان مشاركاً في المال فخسارته تكون على قدر ماله في الشركة.
أما احتساب الربح في الشركة إنما يكون بعد إحراز رأس المال، ثم يُقسم الزائد على رأس المال بين الشركاء حسب الاتفاق.
وإحراز رأس المال لا يكون صورة فقط، بل صورة ومعنى، فإذا انخفضت قيمة العملة انخفاضاً كبيراً يسبب خسارةً لرأس المال، وتجعل قيمته عند الإحراز أقل بكثير من قيمته أول الشركة، فهذا الفارق في القيمة يعد خسارة لرأس المال، ولا تعد الشركة قد حققت ربحاً حتى يُعاد رأس المال إلى قيمته الحقيقية، فإن زاد شيء بعد ذلك فهو ربح يُقسم بين الشركاء حسب الاتفاق، وإن نقص عن رأس المال شيء بعد احتساب الفارق بتعويض قيمة رأس المال، فهذا النقص هو خسارة يتحملها رب المال، ولا يتحمل العامل المُضارب منها شيئًا.
أما إذا كان الطرفان قد اشتركا في المال، فهذه الخسارة يتحملها الطرفان كل حسب نسبة مشاركته في المال.
وتوضيح ماسبق في المثال الآتي:
رأس المال ٢٥ ألف ليرة، كان سعر الليرة أول الشركة ٨ مقابل الدولار، أي ما يعادل ٣١٢٥$ والاتفاق بين الطرفين على الربح ٥٠٪ لكل شريك،
وعند التصفية تحقق ربح ٣٠ ألف ليرة فوق رأس المال، لكن أصبح سعر الليرة ١٤ مقابل الدولار، أي أصل المال أصبحت قيمته ١٧٨٥$
وفارق العملة يساوي ١٣٤٠$ أو ١٨٧٦٠ ليرة، وهذا المقدار يُطرح من الربح لإحراز رأس المال على حقيقته ويبقى الربح الحقيقي الصافي هو ١١٢٤٠ يتقاسمها الطرفان حسب الاتفاق (مناصفة).
أما إذا كان الربح ١٥ ألف ليرة فبعد إحراز رأس المال واحتساب فرق العملة تكون الشركة خاسرة بمقدار٣٧٦٠ ليرة، وفي هذه الحالة يأخذ الشريك صاحب المال كل الربح، أما الطرف الآخر (العامل) فلا يأخذ ربحاً لعدم تحققه حقيقة، وكذلك لا يتحمل الخسارة مادام لم يشارك في المال.
وتعليل ماسبق: وأننا لم نُخضِع مال الشركة لقاعدة الصلح على الأوسط التي قررناها في المسألة الأولى (الأصل)، ذلك لأن قاعدة فارق العملة محلها الديون الآجلة الثابتة في الذمة، وليست في التجارات الحاضرة والمعاملات العاجلة.
ففي المعاملات والتجارات العاجلة يكون فيها رأس المال أموالاً غير نقدية، كالسلع ونحوها.
وهذه تزداد قيمتها السوقية بانخفاض قيمة العملة المتداولة، مما يؤثر في زيادة مال الشركة زيادة صورية، ويحقق أرباحاً غير حقيقية، وهي في معظمها تعبير عن انخفاض قيمة العملة الأصلية.
كما أن التاجر في بيعه وشرائه يُقوّم السلع والبضائع بالدولار، ويراعي ذلك عند تقلب الأسعار، ولهذا السبب ترتفع الأسعار، وتنخفض إذا تغير سعر الدولار.
ويجدر بنا أن نذكّر بأن تصفية الشركة لمعرفة الأرباح والخسائر عند تغير قيمة العملة، ينبغي أن يقوم بذلك أهل الخبرة والاختصاص في التجارة والمال، لمراعاة فارق العملة الناتج عن التضخم الطبيعي للعملة بما لا يؤثر في الأرباح، وهو فارق مغتفر لا تخلو منه عملة، خاصة إذا طالت مدة الشركة، أما فارق العملة الناتج عن الانخفاض المفاجئ والتدهور السريع غير المتوقع فهو ما ينبغي احتسابه من الأرباح، كما بيّنّا في جواب المسألة أعلاه.
والله تعالى أعلم.
الدكتور إبراهيم شاشو