همسة للشابات المسلمات في خضم الفتن مجلة بلاغ العدد ٥٠ – ذو الحجة ١٤٤٤هـ
الأستاذة: خنساء عثمان
بسم الله الرحمن الرحيم
مما يحزن ويدمي القلب كون أبنائنا وبناتنا فلذات أكبادنا… عدتنا للمستقبل… ضحية للأوضاع القاسية التي تمر بها الأمة، فهم قد حرموا من محاضن سوية تربي الجيل على معرفة محاسن الإسلام والعيش في ظل جمال مبادئه.
ولم يجدوا اليد المخلصة التي تنمي مواهب كل فرد بما ينفعه وينفع أمته ويرتقي بالجيل في آفاق المعرفة والإنتاج البناء.
بل ومن المناظر المؤسفة جدا جدا ما رأيناه من طلاب بعض المدارس هذا العام عندما أنهوا آخر يوم من المدرسة خرجوا منها بشبه مهرجان يمزقون فيه أوراق الكتب بطريقة احتفالية مع التصفيق والفرح أنهم تخلصوا من كابوس المدرسة، وأوراق الكتب الممزقة تتطاير في الطرقات.
نعم هذا إنتاج المدارس اليوم، وهذا ما قدمته لنا من أجيال غير مسؤولة وغير مبنية البناء الصحيح الذي يحمي حصون الأمة من أفكار أعدائها وطرقهم الخائبة في الحياة.
لذلك صار من المألوف جدا أن نرى ونسمع قصصا عن صاحبة موهبة نمت ولكن بشكل خاطئ، وعندما أرادت أن تشق طريقها الخطأ الذي بدأت به حصل صدام بين تطلعاتها وبين خوف أسرتها عليها من أن تنزلق قدمها وتضيع في الأجواء المخالفة للدين والفطرة، قصة مكررة صرنا نسمع بها تحصل داخل الأسر التي هربت من جحيم القصف والتهجير إلى تركيا وغيرها.
وهناك دخل الأبناء المدارس التركية وتربوا في أجوائها البعيدة عن الدين كل البعد ونمت مواهبهم بأجواء تتناقض مع الدين.
وهذا ما حصل مع إحدى بناتنا السوريات في تركيا ويحصل أمثاله مع المهجرين من أبنائنا وبناتنا، مما حداني أن أكتب مقالة أشرح فيها لكل فتاة مسلمة عن حقائق إن سمعتها غيَّرت مسارها وعرفت حقيقة ما خلقت له فسعدت في الدنيا والآخرة.
فأبدأ مقالتي بكلمات أوجهها لابنتي صاحبة المشكلة التي اصطدمت موهبتها بواقع أهلها الملتزمين وأوجهها أيضا لكل بناتنا المسلمات..
أي ابنتي:
إن من وراء خلق الله لنا غاية سامية وهي عبادة الله، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).
هذه العبادة يقوم بها الإنسان بنوعيه الذكر والأنثى ليكسب رضا الله ويعود لِلْجَنَّة التي أخرج منها ابتلاء واختبارا، وقبل ذلك ينال السعادة في الدنيا، وينجو من ضنك العيش.
لقد خلق الله الذكر والأنثى لعبادته وجعل لكل منهما مهمة في الحياة، وجعل لكل منهما صفات وميزات تناسب هذه المهمة، وجعل الفطرة التي فطر الناس عليها متوافقة مع هذه الصفات لكل نوع، ثم أرسل الله الرسل وأرسل مع الرسل كتبا سماوية ترشد الناس، يسعد بتعاليمها الملتزمون بأوامر الله الخالق الصانع لهذا الإنسان (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).
وجعل آخر الرسل حبيبنا ونبينا ومرشدنا لطريق السعادة محمد صلى الله عليه وسلم، ومعه الوحيان القرآن والأحاديث الشريفة؛ لنتدبر فيهما ونجعلهما دستورنا ومنهاجنا في الحياة.
لقد منع الإسلام الاختلاط، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الأصل في المرأة الاستتار عن الرجال..، وأن الشيطان إذا خالطت المرأة الرجال فتنهم بها..، فقال عليه الصلاة والسلام: (المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان).. وكونها عورة.. أي لا يجوز النظر إلى زينتها أو شيء من جسدها.. والاختلاط المتتابع لها مع الرجال يخالف ذلك..
وأيضا جاء في القرآن الكريم، قوله تعالى: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)..، قال ابن عباس: هو الرجل يدخل على أهل بيت ومنهم المرأة الحسناء تمر به فإذا غفلوا لحظها، فإذا فطنوا غض بصره عنها، فإذا غفلوا لحظ، فإذا فطنوا غض، وقد اطلع الله من قلبه أنه ود لو نظر إلى عورتها..
وتأمل في وصف الله تعالى العين التي تسارق النظر إلى المرأة الأجنبية بأنها خائنة، فكيف بالاختلاط؟؟
والله تعالى علم أن الرجال والنساء يكون من بعضهم لبعض حاجات ومعاملات..، فيحتاج الرجل للكلام مع المرأة الأجنبية.. لسؤالها عن زوجها.. أو شيء من أمورها..، فقال تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)..
وهذا التوجيه موجه ابتداء لمن نزل عليهم القرآن..، لأبي بكر وعمر.. وعائشة وحفصة..، وهم وهن أطهر منا قلوباً وأصدق إيماناً..، ومع ذلك يقول الله تعالى موجها لهم: (فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ).. لماذا؟.. (ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ).. أي لا بد من وجود حائل بين المرأة والرجل.. وهذا منع للاختلاط..
هذه تعليمات الخالق يا بنتي فالتزميها ففيها فلاح الدنيا والآخرة..
ألم تري كيف نلتزم تعليمات الشركة الصانعة للأجهزة الإلكترونية مهما صغرت، فكيف لا نتبع ونلتزم تعليمات الخالق جل جلاله الذي أتقن كل شيء.
فهذه نصيحة من قلب مشفق إلى كل فتاة تؤمن بالله، لترضى بأوامر الله القائل في محكم التنزيل: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا) [سورة اﻷحزاب: 36].
وعيشي سعيدة بالالتزام بالضوابط الشرعية، وطوري نفسك لتكوني خير أم تنشئ خير نشء، وخير زوجة تأخذ بيد زوجها لما يحب الله ويرضاه، واعتبري بقصص من خدعتهم الشهرة الزائفة فخسروا وخابوا، والفطن من اعتبر بغيره، فكم من شهيرة أنهت حياتها بالانتحار؛ لأنها شعرت بخيبة أمل بعد فوات الأوان.
هذه إحدى الشهيرات كتبت نصيحتها لفتاة طلبت منها النصيحة:
«احذري (المجد).. احذري كل من يخدعك بـ (الأضواء).. إني أتعس امرأة.. أُفضِّل البيت والحياة العائلية (الشريفة) على كل شيء، إن السعادة الحقيقية للمرأة هي في (الحياة العائلية الشريفة الطاهرة).. بل إن هذه الحياة العائلية لهي رمز سعادة المرأة بل الإنسانية» وتقول في النهاية: «لقد ظلمني كل الناس».. ثم أنهت حياتها بالانتحار، والعياذ بالله.
وهذه قصة واقعية من كتاب السعادة بين الوهم والحقيقة، للشيخ ناصر العمر، لطبيبة سعودية بلغت الثلاثين من عمرها ولم تتزوج، فهي تصرخ وتقول: «خذوا شهادتي وأعطوني زوجًا..، خذوا شهادتي ومعاطفي وكل مراجعي وجالب السعادة الزائفة، وأسمعوني كلمة أمي».. ثم تقول:
لقد كنت أرجو أن يقال طبيبة *** فقد قيل.. ماذا نالني من مقالها
فقل للتي كانت ترى فيَّ قدوة *** هي اليوم بين الناس يرثى لحالها
وكل مناها بعض طفل تضمه *** فهل ممكن أن تشتريه بمالها؟
وهذا كلام ممن يسمى المشهور عمر الشريف.. استمعوا إليه وهو يقول وبكل صراحة: «على الرغم من قناعتي بأنها ضرب من المستحيل، إلا أنني أتمنى عودة عقارب الساعة إلى الوراء لكي أرفض وبشدة رحلة النجومية والشهرة والبريق.. تلك التي أنفقت فيها سنوات عمري من أجل العالمية.. فبرغم الشهرة الواسعة التي يحلم بها كل فنان، إلا أنني أفتقد أشياء كثيرة مهمة، وهي في نظري أهم بكثير من كل هذا الضجيج.. مثل الأسرة والدفء والحنان، فأنا أعيش حياة باردة.. لا أطفال.. لا كلمة حب صادقة.. لا بهجة.. لا سرور، لدرجة الشعور بأنني بلا وطن، وبأن حياتي الشخصية مسورة بوحدة فظيعة وقاتلة على عكس ما يتوقع كل الناس.. لكل هذا أقول بأن المكتسبات التي حققتها لا تساوي شيئًا أمام هذه التضحيات والمكابدات التي أعانيها..» ثم يقول: «عندما انطلقت نحو العالمية كنت شابًا مشتعلاً بالطموح والحماس والاندفاع.. مما جعلني أخطئ في الحساب كثيرًا، وكانت هذه هي النتيجة القاسية» (جريدة عكاظ السعودية – العدد / 8383) اهـ.
هذا غيض من فيض، ممن حرفوا بوصلتهم واختاروا الشهرة الزائفة، فحذار أن تكوني مثلهم، بل كوني مشروعا ناجحا لأم وزوجة، فأنت كل المجتمع لا نصفه؛ لأن النصف الثاني بيدك أنت تشكلينه بجهودك إما إلى الخراب أو الإعمار فاختاري وقري في بيتك التزاما بقوله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) [سورة اﻷحزاب: 33].
فالخير كل الخير بقرار المرأة في بيتها، والشر كل الشر بخروجها واختلاطها بالرجال.
وهذا رابط قرأت فيه جانبا من المصائب التي تحصل نتيجة الاختلاط، أحب أن تقرئيه، وهو في هذا الموقع، أدلة تحريم الاختلاط – الإسلام سؤال وجواب
وفقني الله وإياك لما يحبه ويرضاه.