غزواتُ المسلمين المعاصِرة.. تشابهٌ والْتِقاء.. غزوة طوفان الأقصى وغزوة الحادي عشر من سبتمبر المباركتيْن.. – كتابات فكرية – مجلة بلاغ العدد ٥٤ – ربيع الثاني ١٤٤٥ هـ
الأستاذ: الزبير أبو معاذ الفلسطيني
تواصل معي الإخوة القائمون على “مجلة بلاغ” الشهرية لأتشرف بالعودة إلى الكتابة بينهم مرة أخرى؛ بعد انقطاعي السابق لظروفٍ خاصة، وقد جاء هذا التواصل الكريم في ظل المعركة القائمة بعد غزوة طوفان الأقصى، ليُفسحوا مكانا بينهم لأهل قطاع غزة ليُوصلوا صوتَهم ورسالتَهم إلى قراء المجلة، وقد سُررت بهذا التواصل وشَرُفتُ بهذه الدعوة، وبعد أن طلبتُ منهم مهلةً لإرسال ما يفتح الله به انقطع الانترنت ولم يعد بإمكاني الاطلاع على الأخبار والمستجدات، وبالتالي لا أستطيع التحدث عن المشهد السياسي للمعركة القائمة، ثم بعد انقطاع الانترنت انشغلتُ بشدة بين مهجّرين ونازحين، للمشاركة في تأمين المياه والطعام قدر الاستطاعة، وآهٍ على حال المسلمين، أوضاعٌ صعبةٌ جدا يلاقيها المهجّرون في غزة الصغيرة، أكثر من مليون مهجّر -في أيام معدودة- إلى بقعة صغيرة جنوب القطاع؛ في ظل شبه انعدامٍ لأساسيات الحياة، والحمد لله رب العالمين على كل حال.
وبعد انقطاع الانترنت لم أجد فرصةً للاعتذار عن المقال، ومع الانشغال مع المهجّرين أصبحت الكتابة ترفا، خاصة في ظل انقطاع الكهرباء تماما منذ بداية المعركة، فأحد فصول المعاناة اليومية محاولةُ الحصول على فرصةٍ لشحن الأجهزة الالكترونية الخاصة من أنظمة الطاقة البديلة؛ إن توفرت، وفي ظل هذا الحال الذي لا أستطيع فيه الحديث عن المعركة الدائرة لعدم اطلاعي؛ مع شدة الانشغال؛ إضافةً إلى فوات وقت الاعتذار= عزمتُ على استغلال أيّ وقتٍ يتوفر للكتابة عن قضيةٍ لفتت انتباهي في غزوة طوفان الأقصى المباركة، وإن وَجد الإخوة القائمون على “مجلة بلاغ” أنّ الموضوع مناسبٌ للنشر على صفحات مجلتهم الطيبة وِفق سياساتهم التي يرتضونها= فيشرفني ذلك، وأرجو أن أجد فرصةً لإرسال المقال قبل موعد النشر، والقضيةُ التي أعنيها هي تشابه غزوتي طوفان الأقصى والحادي عشر من سبتمبر في العديد من الجوانب؛ رغم بُعد المسافة الزمنية بينهما.
وأبدأ من النقطة الأولى وهي أن كلا الغزوتين المباركتين هجومٌ انتقاميٌّ ردا على الجرائم والمجازر التي ارتكبها ويرتكبها أعداء الله اليهود المحتلون في فلسطين والأمريكان الصليبيون، فلقد سبق غزوة طوفان الأقصى المباركة ازدياد تغوّل اليهود في فلسطين، من تدنيسٍ للمسجد الأقصى بوتيرة متسارعة ومتزايدة؛ أكثر من السابق، مع إعلانهم الصريح هذه المرة لقرب إقامتهم سلسلة من الطقوس التوراتية المزعومة تنتهي بهدم المسجد الأقصى، إضافة إلى الهجمات والاغتيالات المستمرة في قطاع غزة والضفة الغربية، وحصار ظالم خانق لقطاع غزة منذ سنوات طويلة دون أن يتدخل العالم الظالم، وتوحشٍ لقطعان اليهود المستوطنين؛ وارتفاع في معدل جرائمهم ضد المسلمين في الضفة الغربية، ناهيك عن دعم اليهود الخفي للمافيات الإجرامية داخل الأراضي المحتلة عام 48 لقتل الفلسطينيين هناك وإلصاق القضية ضد مجهول، ولقد ارتفعت معدلات هذه الجرائم خلال العام الحالي إلى أرقام غير مسبوقة، أما غزوة الحادي عشر من سبتمبر فلقد سبقها أعوام طويلة من إجرام الأمريكيين الصليبيين في حق المسلمين، كان آخرها قبل الغزوة قتلُ مليون طفل عراقي تحت الحصار الأمريكي في العراق بسبب نقص الأدوية والعلاج، إضافة إلى جريمة أمريكا الأكثر امتدادا عبر تاريخها الدموي وهي دعم ونصرة ومساندة الاحتلال اليهودي في فلسطين؛ بكل أنواع الدعم، وعلى مرأى ومسمع أمة الملياري مسلم، وهذا يقودنا إلى النقطة الثانية.
النقطة الثانية في أوجه التشابه أن كلا الغزوتين سببهما الرئيسي احتلال فلسطين، فلولا احتلال بلادنا من اليهود الصهاينة بدعم الصليبيين الأمريكان والأوربيين فما الذي سيدفعنا لمباغتة قطعانهم والإغارة عليهم؟ فالمعادلة بسيطة وليست معقدة، لو رحلوا عن ديارنا لن نباغتهم بالقتال والقتل، فالأمر إذن في أيدي أعدائنا أن يتركوا المسلمين وشأنهم ويوقفوا احتلال فلسطين ويرحلوا إلى بلادهم ليعيشوا هناك كما يحلوا لهم بين الموبقات والشذوذ والزنا والربا والإلحاد وقتل الأجنّة وهدم الأسرة، نحن نريد أن نعيش في ديارنا بإسلامنا وتوحيدنا وأخلاقنا وفطرتنا السويّة، كلُّ أمّةٍ في شأنها؛ فهل يوجد أبسط من ذلك؟ ورحم الله إمام الجهاد المعاصر الشيخ أسامة بن لادن عندما قال لأمريكا مُقسِما بعد غزوة الحادي عشر من سبتمبر ( لن تحلم أمريكا ولا من يعيش في أمريكا بالأمن حتى نعيشه واقعا في فلسطين وحتى تَخرج جميع الجيوش الصليبية من جزيرة محمد صلى الله عليه وسلم )، ثم عاد الشيخُ أسامة بعد أعوامٍ ليقول للأمريكيين مرة أخرى بعد محاولة البطل عمر النيجيري تفجير طائرةٍ أخرى في أمريكا؛ عاد ليقول لهم ( لو أنّ رسائلنا إليكم تَحملُها الكلمات ما أرسلناها إليكم بالطائرات، وليس من العدل أن تَهنئوا بالعيش وإخواننا في غزة في أنكد عيش )، فهذه هي معادلة المجاهدين المسلمين باختصار.
ومن أوجه التشابه أنّ الذي قام بغزوتي طوفان الأقصى والحادي عشر من سبتمبر المباركتين هم مجاهدون مسلمون من أهلِ السنة والجماعة، فأهلُ السنة والجماعة هم من يقاتل دفاعا عن أمة الإسلام جميعها، في حين تنشغل الفرق الأخرى بعيدا عن واجب العصر؛ وأعني الجهاد في سبيل الله، ولولا أن هدف هذا المقال هدفٌ توعويٌّ دعويٌّ لاستطردتُ في ذِكر حال هذه الفِرَق؛ وكيف أن بعضها أصبح جزءا أصيلا من أنظمة الاحتلال العلمانية في بلادنا، والتي تحاربنا نيابة عن أمريكا الصليبية لحماية مصالح الصليبيين وحراسة دويلة اليهود؛ في دورٍ وظيفي شديد السفور والفجور والقُبح، إنما سأخُصّ الرافضة بالاستطراد هنا، رغم اعتقادي أنها فرقةٌ مارقة عن الإسلام، لكنّ انخداع الكثير من المسلمين بها خاصة في فلسطين يدفعنا لسؤال المخدوعين: أين الرافضة من معارك المسلمين؟ بل أين هم الآن من المعركة الدائرة في قطاع غزة بعد غزوة طوفان الأقصى؟ هل لازال المخدوعون بالدعم الإيراني يرون الرافضة إخوةً لهم؟ إن كان لم يَكفهِم لينير بصائرَهُم جرائمُ الرافضة ومحور الشر الإيراني في العراق وسوريا واليمن ولبنان والأحواز طيلة عَقدين من الزمن والتي فاقت بأضعافٍ جرائم اليهود في فلسطين طيلة ثمانين عاما= فهل يكفيهم اليومَ غدرُ الرافضة بنا في قطاع غزة؟! نعم، لقد غدر الرافضة بحركة حماس وتركوها وتركوا قطاع غزة وحده، وهذا ثابتٌ عندي ويعلَمه كل من له شيء من الاطلاع، فحركة حماس السُّنيّة كانت تريد التعامل مع الرافضة على أساس أنهم “مُكَوّنٌ من مكونات الأمة” وصدّقوهم في وعودهم بالمشاركة في معركة طوفان الأقصى، ثم أدار الرافضة ظهورهم بكل خسة، لأن قضية فلسطين ليست قضيتَهُم؛ بكل بساطةٍ ووضوح، إنما هي وسيلةٌ يستغلونها لتمرير مشاريعهم في المنطقة، بل بقاء احتلال فلسطين هو الذي يَصبُّ في صالحهم، وأرجو العودة إلى مقالٍ كنتُ قد كتبتُه عن مُراد الرافضة من دعم التنظيمات الفلسطينية في قطاع غزة؛ تحت عنوان (حماس وإيران؛ وجدلية العلاقة: هل هي تقاطع مصالح أم تحالف أم تبعية!) وهو منشور ضمن العدد 20 لمجلة “بلاغ” الشهرية، وفيه استطرادٌ أرجو أنه نافعٌ لتوضيح هذه القضية، وسَتكشف الأيام حقيقة خيانة الرافضة وغدرهم بنا في قطاع غزة، وعَوْدًا على ذي بِدء، أقول أن الجهاد المعاصر والنكاية في أعداء الله قد تَصدّر قمته مجاهدو أهل السنة والجماعة في كل مكان، وإنْ استثنينا أفغانستان لانتشار الفِرقة الماتوردية إلا أنّ أهلَ السنة والجماعة كان لهم دور محوري بارزٌ أيضا في الجهاد الأفغاني إلى جانب المسلمين هناك من الماتورديين.
ومن أوجه التشابه بين غزوتي طوفان الأقصى والحادي عشر من سبتمبر المباركتين أن كلا الغزوتين كانتا ضربةً استباقية لمخططات الأعداء باستهداف أفغانستان في حينه وقطاع غزة اليوم، فلقد صرّح بعضُ قادة حركة حماس بعد الغزوة الأخيرة أنها كانت استباقا لهجومٍ يخطط له اليهود ضد قطاع غزة، وصرّح بذلك أيضا بعض مسؤولي الاستخبارات الأمريكية الصليبية على وسائل إعلامهم أن اليهود كانوا يخططون لاستهداف قطاع غزة بأكثر من 500 هدف في لحظةٍ واحدة، فجاءت هذه الغزوة المباركة لقلب الطاولة وخلط الأوراق، كي لا يتحصل الأعداء على عنصر المباغتة والمفاجأة، ولتحقيق أكبر قدر من النكاية فيهم، وهذا نفس الذي حصل في غزوة الحادي عشر من سبتمبر، حيث أكد قادة تنظيم قاعدة الجهاد فيما بعد أن الغزوة جاءت استباقية لمخططات غزو أفغانستان والإطاحة بالإمارة الإسلامية هناك، وحتى لا تتمكن أمريكا من مخططاتها وهي تنعم بالهدوء؛ بأن يتم جرّها إلى الاستعجال ليحصل لها الارتباك والتخبط، وهذا ما حصل، ولقد صرّح عدو الله “دونالد رامسيلفد” وزير الدفاع الأمريكي في تلك الأيام بأن احتلال أفغانستان كان ضمن مخططات البنتاغون قبل الحادي عشر من سبتمبر، ثم خرجت أمريكا الصليبية وجيوش الغزو من أفغانستان أذلةً صاغرين، وهذا ما سيحصل قريبا في فلسطين؛ بإذن الله تحقيقا لا تعليقا.
ومن أوجه التشابه بين غزوتي طوفان الأقصى والحادي عشر من سبتمبر المباركتين أن كليهما حققتا نتائج دموية غير مسبوقة في الأعداء، وأوقعتا بفضل الله في اليهود والصليبيين مَقتلة عظيمة لم تتكرر في التاريخ الحديث، وهذا محض فضل الله الذي شفى صدور المؤمنين من أعدائهم بعد أن أسالوا دماء المسلمين أنهارا دون رادع يردعهم، ولقد تحقق في كلا الغزوتين معنى الإرهاب الشرعي المحمود الذي أمرنا الله به، وهو القتال والقتل دفاعا عن ديننا وديارنا وأعراضنا، وأن يكون معاملةً بالمثل لردع الأعداء وليس حبا وتشهيا للدماء.
ومن أوجه التشابه بين غزوتي طوفان الأقصى والحادي عشر من سبتمبر المباركتين أن كلا الغزوتين تحقق فيهما التقسيم الشرعي للأعداء عند القتال، وليس التقسيم الذي شرَعته الأمم المتحدة الملحدة بين “مدنيين وعسكريين”؛ وتابعها في ذلك سواد كبير في الأمة بجهلٍ أو نفاق، ففي شرْعنا ينقسم الكافرون إلى أربعة أقسام (أهل الذمة، والمستأمَنون، والمعاهَدون، والمحارِبون) الأقسام الثلاثة الأولى دماؤهم معصومة بالعهود التي بيننا وبينهم، أما المحارِبون فهُم كل من ليس بينهم وبين المسلمين عقدُ ذمةٍ أو أمان أو معاهَدة، وعليه فدماءُ المحارِبين ليست معصومة، تحديدا كل بالغٍ عاقلٍ قادرٍ على حمل السلاح وإن لم يقاتِل، ولا فرق بين مدني وعسكري في ديننا، ويُستثنَى مِنْ تَقصُّدِ القتلِ النساءُ والأطفال والعجزة والرهبان في صوامعِهم؛ مالم يقاتِلوا، فإنهم يَخرجون من الاستثناء إن قاتَلوا، ويجوز تقصُّدهُم بالقتل حينها، أما إن لم يقاتِلوا ثم سَقطوا في القتال بغير قصدٍ كأن يُقتلوا بالصواريخ مثلا فلا ضير، فإنهم يُقتلون تَبَعًا لا قَصدا، وعلى هذا التقسيم تكاثرت الأدلة الشرعية؛ عَلِمها من عَلِمها وجهِلِها من جهِلِها، وفي غزوة طوفان الأقصى المباركة ظهرَت أخلاق المسلمين في الحرب والقتال، فلَم يَقتلوا امرأةً لم تقاتِل، ولم يَقتلوا طفلا ولا عاجزا، بل خرجت المقاطع المصورة تُظهر مراعاتهُم للأطفال والنساء والعجزة، أما في غزوة الحادي عشر من سبتمبر فلقد كانت الأهداف “مدنيةً” في شريعة الأمم المتحدة الملحدة، لكنها أهدافٌ شرعيةٌ في شريعة الله، ومَن قُتِل في هذه الغزوة مِن الفئات التي لا يجوز تقصُّدُها بالقتل كالنساء والعجزة فإنّ هذا داخلٌ في عدم تقصُّد القتل؛ المباح عند القتال، والطائرات المستخدمة في غزوة الحادي عشر من سبتمبر هي من جنس الصواريخ المستخدمة الآن في فلسطين، لا يُلتفت إلى ما يَتلف ويُقتل مِن أثر استخدامها في القتال، فإنه داخلٌ في القتل والإتلاف تَبَعا لا قصدًا، ناهيك أن في الشرع الحنيف مندوحةٌ للاعتداء بالمِثل، فكما يَقتُلنا الكافرون نقتُلهم، وكما يقصفوننا نقصفُهم، وكما يَستهدفون الآمنين منا نستهدف آمِنِيهم، وفي غزوة الحادي عشر من سبتمبر سقط ما يَقرب من ثلاثة آلاف قتيل أمريكي صليبي، ولقد سَبَق الغزوة قتْلُ مليون طفل مسلم عراقي بسبب حصار أمريكا الصليبية للعراق، وعليه فإنه لا زال لنا مع أمريكا مليونٌ إلا ثلاثة آلاف لَم نقتلهم معاملةً بالمِثل؛ في قضية أطفال العراق فقط، وما على المحسنين من سبيل، وأما يحتج بأن اليهود محتلون لفلسطين ويختلفون عن المدنيين في الدول الأخرى فهذا التقسيم المختلَق لا تعترف به الأمم المتحدة الملحدة؛ التي قسّمت الناس في الحروب إلى مدنيين وعسكريين، ومِن شَرْعِها هذا يَحتج هؤلاء المحتجون، إضافةً إلى أنّ الشريعة لم يَرد فيها اختصاصُ المحتلين للأرض دُون غيرِهِم عند استهداف غيرِ المقاتلين مِنَ الكافرين المحارِبين، فهذه هي شريعتنا التي نحتجّ بها ونعمل بمقتضاها وننطلق منها ونَكفر بكل شرعٍ سِواها.
ومن أوجه التشابه بين غزوتي طوفان الأقصى والحادي عشر من سبتمبر المباركتين هو حجم الرد الكبير الذي قام به الكافرون انتقاما لِما أحدثنا فيهم من مَقتلةٍ عظيمة، حيث اجتاح الصليبيون أفغانستان بعد غزوة الحادي عشر من سبتمبر وقتلوا النساء والأطفال، وهدموا البيوت على رؤوس الآمنين، ودمروا المشافي والمؤسسات، وبعد غزوة طوفان الأقصى كذلك، صبّ اليهود بمعونة أمريكا الصليبية ودول أوروبا الملعونة حمم غضبهم وغيظهم على رؤوس الآمنين في قطاع غزة، وقتّلوا الآلاف؛ نساءً وأطفالًا وشيوخا، ودمروا المشافي والمباني والأبراج السكنية، وأحرقوا الأرض وهجّروا المسلمين، ولازالوا يَفعلون حتى لحظة كتابة هذه الكلمات؛ التي أكتبُها تحت أزيز الطائرات وأصوات الانفجارات وقتلِ العُزّل، ولا أعلم هل أُكمِلها وترى النور أم يَسبِقُ الأجل، ولا ضير، فقتلانا في الجنة بإذن الله وقتلاهم في النار، وإنهم يألمون أكثر مما نألم، ونرجو من الله ما لا يرجون، وهذه هي ضريبة الجهاد والكرامة والتحرير، ولو زادوا لازددنا صبرا إلى أن يفصل الله بيننا وبينهم، ولو أن المسلمون حَسِبوا حساب الأذى والقتل ما جاهدوا ولا قاتلوا، فهذا هو قَدرُنا، وفي هذا عِزّنا، والنصر والعاقبة لأمة الإسلام.
ومن أوجه التشابه بين غزوتي طوفان الأقصى والحادي عشر من سبتمبر المباركتين كَثرة التأويلات والتحليلات والافتراضات بعد الغزوتين، فغزوة الحادي عشر من سبتمبر لازال بيننا من يُصدّق أنها مؤامرة افتعلها اليهود والأمريكان! في إلغاءٍ تام للعقل واستسلام مهين لنظرية المؤامرة؛ التي تريح العقول القاصرة من عناء التفكير، فما حدث في أمريكا من قتلٍ وتدمير وانهيارٍ اقتصادي في ذلك الوقت يستحيل معه التصديق أن الأمريكان يَقفون خلف تدمير أنفسهم بهذه الطريقة، فلو أنهم كانوا قطعانا من الحيوانات البرية التي لا تَعقل ما فعلوا في أنفسِهم ذلك، خاصة أن أمريكا يومَها لم تكن في حاجةٍ لافتعال الذرائع كي تتقصد المسلمين بالأذى، فلقد كانت في أوج قوتها وتجبرها، ولا يوجد قوة على وجه الأرض يمكن أن تتحدى أمريكا إلا المجاهدون، فمن السخف الشديد جدا افتراض نظرية المؤامرة في هذه الغزوة، وأصحاب هذه النظرية المحسوبون على أمة الإسلام إنما يفترضونها لأنهم يتعاملون مع أمريكا كإله لا يمكن أن يهزمه أحد؛ أو يتحداه، ولا زالوا إلى يومنا هذا يُلغون عقولهم ويستسلمون للانهزام النفسي الذي يسيطر عليهم، فيفترضون أن غزوة طوفان الأقصى تمت بمعرفةٍ مسبقةٍ من اليهود، وأنهم استدرجوا مجاهدي كتائب الشهيد عز الدين القسام لكي يقوموا بها لافتعال حجةٍ لتدمير قطاع غزة وتهجير من فيه! وكأن اليهود يحتاجون هذه الحجة في ظل وجود طواغيت وجيوش أنظمة الاحتلال العلماني الطاغوتي لبلاد المسلمين؛ الذين يحمون ويحرسون دولة اليهود الكفرة، ولله في خلقه شؤون، ولو أن الناس جميعا تقودهم عقولهم ما احتجنا بذل هذا الجهد لتوضيح هذه الواضحات، إنما خَلق الله للحرب رجالَها، وخلق لنظرية المؤامرة أقواما وأنعاما، والحمد لله على نعمة العقل.
ومن أوجه التشابه بين غزوتي طوفان الأقصى والحادي عشر من سبتمبر المباركتين افتراضُ بعض من لا يفقه أنها لم يكن لها ما يبررها، أو لم تكن في وقتها المناسب، لأنها ضيّعت حالة الهدوء والاستقرار التي كانت قبل هذه الغزوات المباركات، وهذه اعتراضاتٌ لمجرد الاعتراض، وهي داخلةٌ في نفس السفه الذي يَغرق فيه أصحاب نظرية المؤامرة، وكأن أهل الجهاد تغيب عنهم هذه الاعتراضات الجدلية؛ وهُم أهل الميدان وخاصّتُه، فمن البداهة معرفة أن أخْذ العدو على حين غرة يجب أن تسبقها فترات الهدوء والاستقرار، ومن البداهة معرفة أن الهجوم الناجح يحتاج نجاحا مسبقا في استثمار الهدوء والاستقرار، ومن البداهة والنباهة والفقه أن يَعلم المسلمون أنهم لم يُخلقوا لحياة الدعة والأمن في ظل احتلال الديار وضياع الدين وغياب حكم الإسلام، بل الواجب هو المجاهدة والمجالدة والمثابرة والمصابرة، وتقحُّم الخطوب والحتوف ومواجهة الطعن والطعان حتى تعود دولة الإسلام وينعم المسلمون تحت ظلال الإيمان بالأمن والأمان.
ومن أوجه التشابه بين غزوتي طوفان الأقصى والحادي عشر من سبتمبر المباركتين أن أمريكا الصليبية قد اجتمع عليها الألم في الغزوتين، ففي غزوة الحادي عشر من سبتمبر استُهدِفَت أمريكا مباشَرةً فتألمت، وفي غزوة طوفان الأقصى استُهدِفَت ابنتها من سِفاح دويلة اليهود؛ فتألمت أمريكا أكثر، بل جاءت بقوتها وقواتها ومقاتليها وأسلحتها وحاملات طائراتها لدعم اليهود ومساندتهم والقتال معهم صفا واحدا، وهذا يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنّ السياسة التي انتهجها المجاهدون في تنظيم قاعدة الجهاد المتمثلةُ في ضرب رأس الأفعى أمريكا الصليبية للقضاء على الذنب دويلة اليهود في فلسطين= سياسةٌ صحيحةٌ تماما، فلقد أثبتت غزوة طوفان الأقصى صحةَ سياسة ورؤية وأهداف غزوة الحادي عشر من سبتمبر، فإن دويلة اليهود باقيةٌ ما بَقيت قوة أمريكا الصليبية، وإنْ زالت أو ضعُفت أو تقهقرت الأخيرة فالأُولى تحصيلٌ حاصل، ومهما طالت مرحلة العداء مع أمريكا فهذا ليس مما يُلتفت إليه في عمر الأمم، لأن العاقبة للمتقين قولا واحدا.
ومن أوجه التشابه بين غزوتي طوفان الأقصى والحادي عشر من سبتمبر المباركتين أنّ من قام بكليهما جماعاتٌ مجاهِدةٌ مستضعفةٌ؛ وبأقل الإمكانيات والقدرات، ورغم الضعف وقلة الحيلة إلا أن كِلا الغزوتين قد حققتا بالغ النكاية في أعداء الله، وشفت صدور المؤمنين في أصقاع المعمورة، ولَم نرَ عُشر معشار هذه النكاية من جيوش الأنظمة العربية مجتمعةً ضد أعداء الأمة؛ منذ سقوط الخلافة العثمانية إلى يومنا هذا، رغم ما تَملكه هذه الجيوش الطاغوتية من عتاد وسلاح وطائرات بمئات مليارات الدولارات، لتؤكد هذه الغزوات المباركات أن أعداء الأمة ليس اليهود والصليبيون فقط، بل أيضا الأنظمة العلمانية المحتلة لجميع ديار المسلمين؛ عربا وعجما، ولولا هذه الأنظمة العلمانية العميلة الخائنة المتولية لليهود والصليبيين لكانت جموع المسلمين اليوم تَشُدّ الرحال إلى المسجد الأقصى منذ زمن، وهذه الحقيقة لا يجادل فيها إلا أخرق أحمق أو منافق زنديق.
ومن أوجه التشابه بين غزوتي طوفان الأقصى والحادي عشر من سبتمبر المباركتين أن كلا الغزوتين أظهرت الوجه الحقيقي للحضارة الغربية المزعومة؛ وكيف تَنظر للمسلمين بعداءٍ شديد، وكيف يجتمعون جميعا تقودهم أحقادهم الدفينة للانتقام من المسلمين عندما يحاول المسلمون رَدّ شيءٍ يسيرٍ من فاتورة الدم المسلم التي يُهرقها اليهود والصليبيون في كل مكان، فبعد غزوة طوفان الأقصى تداعى الصليبيون من أمريكا وأوروبا بكل وقاحة وبجاحة؛ بأموالهم وأسلحتهم ودعمهم المفتوح لمساندة دويلة اليهود ودعمها في قتل آلاف المسلمين في قطاع غزة وتهجيرهم أمام أنظار العالم الظالم أجمع، تماما كما فعلوا في أفغانستان بعد غزوة الحادي عشر من سبتمبر، في حين أن هذا الغرب الكافر بمؤسساته الدولية المجرمة كانوا ولا زالوا يشاهدون الجرائم والمجازر التي تُرتكب ضد المسلمين في أصقاع الأرض ولم يحركوا ساكنا، ولم نرى لحقوق الإنسان المزعومة إلا الشعارات المكذوبة التي لا يعتقدون أنها تنطبق على المسلمين، فماذا فعل الغرب الكافر أمام مجازر البوذيين في بورما ضد مسلمي الروهينجا؟! وماذا فعلوا أمام مجازر الهندوس ضد مسلمي الهند؟! وماذا فعلوا أمام مجازر الشيوعيين الصينيين ضد مسلمي تركستان الشرقية؟! وماذا فعلوا أمام مجازر النصيرية في سوريا ضد المسلمين؛ الأكثرية فيها؟! كل هذه المجازر في السنوات الأخيرة فقط، والتي وصلت حدّ التطهير العرقي والإبادة الجماعية وِفق حقوق الإنسان المزعومة التي تدعي الدفاعَ عنها الأممُ الملحدة المتحدة، ناهيك عن جرائم الصليبيين الأمريكان والأوربيين أنفسهم ضد المسلمين في الشرق الأوسط وأفريقيا، طيلة عقودٍ طويلةٍ خلت، واضطهادهم السافر الوقح ضد المسلمين في أوروبا، حتى مسلمو أوروبا لَم يَسلموا من أحقاد الصليبيين، فمجازر البوسنة والهرسك وكوسوفو لازال العالم إلى اليوم يتحدث عنها، لذا فإن غزوات المسلمين ستتواصل إلى أن يفصل الله بيننا وبين القوم الكافرين، ولن يُسلّم المجاهدون لشرائع الغرب الكافر التي يخادعون بها رعاع الأمم، فشرع الله لا سِواه هو الحَكم بيننا إلى أن نُكبّر فوق أسوار البيت الأسود في واشنطن وعواصم أوروبا اللعينة.
ومن أوجه التشابه بين غزوتي طوفان الأقصى والحادي عشر من سبتمبر المباركتين هو الخذلان الشديد من أمةِ الإسلام بعد كلا الغزوتين؛ لأفغانستان سابقا وقطاع غزة اليوم، أمةُ الإسلام المقهورةُ المغلوبةُ على أمرِها من طواغيت العلمانية وجيوشهم الذين يَحكمونها بالحديد والنار لمنعها من أن تنتصر لبعضها وتتداعى إلى نُصرة المظلومِ مِن شعوبِها، لتَكشِف هذه الغزوات المباركات العدو الحقيقي لأمة الإسلام، وهُم أعداؤها مِن داخلِها؛ حكامُها مِن بني جلدتها الذين استحبوا الكفر على الإيمان، فجعلوا من أنفسِهِم وجيوشِهِم وشُرَطِهِم ومؤسساتهِم القضائية والإعلامية والعُلمائِية أسوارا تحمي مصالح الصليبيين وتَحرس دويلة اليهود، فإن لم يكن من بركات هذه الغزوات المباركات إلا كشف هذه الحقيقة بجلاءٍ بَيِّنٍ بحيث تَنقطع حُجج المنافقين لكَفَت.
أخيرا.. فإنّ من أبرز وجوه التشابه بين غزوتي طوفان الأقصى والحادي عشر من سبتمبر المباركتين أنّ ما قَبلهُما يَختلف عمّا بعدهُما، بحيث تَنكشف وجوه جميع الأعداء وتتمايز عن صفوفنا قطعان الأدعياء، فبعد غزوة الحادي عشر من سبتمبر انقسم العالم إلى فسطاطين، ما بين قوًى كافرةٍ متكبرةٍ متجبرةٍ تداعت مجتمعةً عربًا وعجمًا يريدون القضاء على جماعاتٍ مُسلمةٍ مجاهِدَةٍ مستضعَفةٍ؛ تَرفع لواء المدافعة والمغالبة والدفاع عن الإسلام، ومِن خَلف هذه الجماعات المجاهدةِ المستضعفةِ أمةٌ مستضعفةٌ تدعو لمجاهديها، ولا تملك إلا سلاح الدعاء أمام أعتى أسلحة الدمار والتدمير والتفجير، لتنتهي هذه الحقبة من عمر الأمة بخزي فسطاط الكفر وانكسارهم مهزومين مدحورين يَجرّون أذيال الخيبة والفشل من أفغانستان، واليوم كذلك بعد غزوة طوفان الأقصى تجتمع ملل الكفر عربا وعجما على قطاع غزة الصغير المحاصَر يريدون اجتثاث الإسلام منه، ولا يَجد أهلُ الإسلام في هذه البقعة الصغيرة في أكناف بيت المقدس نصيرا لهم إلا بقيةُ أمة الإسلام المستضعفة؛ بسلاح الدعاء، وسيندحر فسطاط الكفر ويَخرج من ديارنا فلسطين ونحرر أقصانا قريبا بإذن الله، كما أكرَمنا الله بفضله في أفغانستان وجعلنا نرى انتصار إخواننا المسلمين هناك؛ ليُسلّينا ويُصبّرنا ويَمُدّنا بمزيدٍ مِنَ الإيمان بقرب النصر في فلسطين وجميع ديار المسلمين.
وإلى هنا هذه أربعةُ عشرَ وجهًا وجدتُ فيها تشابها بين الغزوتين المباركتين، أربعةُ عشرَ وجهًا تحمل معانٍ وحقائق كالبدر في تمامِه اتّضاحًا؛ ليلةَ الرابع عشر من كل شهرٍ هجري، بثثتها في هذه السطور؛ تحت أزيز الطائرات وأصوات الانفجارات وانتظار الموت في كل لحظة، وبين معاناة المهجّرين وعناء الأطفال والنساء، وقلة حيلة المستضعفين والعاجزين؛ إلا من ربٍّ رحيم كريم، وبين حطام الحاضر؛ مع أملٍ كبير ويقين تام وإيمان مطلق أن المستقبل للإسلام والمسلمين.
قل متى هو قل عسى أن يكون قريبا..
ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..