الشيخ/ أبو محمد الصادق : هل من الممكن أن يندرج التصريح بالقبول ب ”الديمقراطية” التي تستوعب كافة مكونات الشعب السوري

 

هل من الممكن أن يندرج التصريح بالقبول ب ”الديمقراطية” التي تستوعب كافة مكونات الشعب السوري، وأن هذه المكونات هي التي تحدد شكل الدولة او الحكومة او الدستور عن طريق الاستفتاء الشعبي.

هل يندرج التصريح بهذا تحت بند السياسة الشرعية؟

الجواب:

يقوم النظام السياسي في الإسلام على الشورى ، ولها طرق ووسائل عمل الصحابة ببعضها في عهدهم ، ولا غضاضة في ابتكار وسائل أخرى طالما أنها لا تخالف الشريعة في مبتداها ومنتهاها، أما الديمقراطية فهي تناقض الإسلام من حيث أصل وضعها، حيث جعلت حق التشريع المطلق لغالبية الشعب أو نوابه في البرلمان ولو كانت نتيجتها مخالفة للشريعة ، والتفريق بين مبادئ الديمقراطية وآلياتها تكلّف باطل ، وقد انتقدها الغربيون في مواطن متعددة ، كما أن إطلاق استعمال مصطلح الديمقراطية على اعتبار أنها آليات مجردة عن مبادئها تدليس مخالف لأصل وضعها ومكنونها واستعمالها ، والترويج لها وإغفال بيان فسادها وقبولها بدعوى السياسة الشرعية في ظل اختلاط المفاهيم تلبيس على دين المسلمين، لاسيما وقد انعكست مبادئ الديمقراطية على آلياتها وتأثرت بها وتماهت معها ، وما قد وافقت الشريعة منها أجيزت لأن الشريعة اعتبرتها وأجازتها ، فهي حينها من الشريعة وليست من الديمقراطية ، كما أن ما وافق الإسلام من اليهودية والنصرانية يسمى إسلاما ، أما عن الاحتكام المطلق إلى إرادة الشعب في تحديد شكل الدولة أو الدستور عن طريق الاستفتاء فقد سبقت الإجابة عن ذلك ، وأنقل الجواب هنا لإتمام الفائدة :
جواب سؤال حول حكم مقولة نحن نختار ما يختاره الشعب من نظام الحكم ؟ وحكم عرض قطعيات الشريعة على الاستفتاء الشعبي ؟.
الجواب :
بدايةً ينبغي أن نحررَ بعض النقاط المتعلقة بالموضوع وأولُها أنَّ الأمرَ لله من قبلُ ومن بعدُ ولا يكون إلا ما أراده اللهُ أن يكون ، وانطلاقاً من إعطاء الله حريةَ الاختيار لعبادِه وفق الإرادة الكونية القدرية الربانية نقول أن للناس أفرادًا وجماعاتٍ حريةَ تقرير واختيار ما يُريدون ، ولكن الأمرَ لا يقتصر على ذلك إذ أنّه لا يجوز وفق الإرادة الشرعية الربانية أن يختارَ الناس أو يُقروا أو يَرضَوا لأنفسهم ومجتمعاتِهِم ما يخالفُ شرعَ الله ، لذا علينا أن نفرقَ – في مقولة أن ( الشعبَ يُقررُ مصيرَه )- بينَ تعلقِه بالأمرِ القدريِّ الواقع وفقَ إرادةِ الله القدرية وتعلقِه بالأمرِ الشرعيِّ الذي أمر به عباده ، يقول تعالى : (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)، فالمقولةُ السابقةُ تصح في الأولى ولا تصح في الثانية ، ويتفرعُ عما سبقَ صحةَ مقولةِ أننا مع الشعب من حيثُ الإقرار لهم بحرية الاختيار فيما لو اختاروا الشريعة وعدمَ جواز إطلاق ذلك فيما اختارَه الشعبُ مُخالفًا لشرع الله سواءٌ في ذلك نظامَ الحكم أو غيرِه من أحكام الشريعة
مما يجدر التنبيهُ إليه عدم جواز الالتزام والاحتكام لإرادة الشعب (مطلقًا ) من غير توضيحٍ أو بيانٍ أو قيد لأن ذلك قد يتضمن عدم قبول الشريعة أو بعض قطعياتِها ، ومن جهة أخرى فإنَّ مقامَ الشريعة بالنسبة للعباد مقامَ خضوعٍ وإذعانٍ وانقيادٍ فلا يصِح أن تُعرض الشريعةُ أو بعض قطعياتِها على التصويت في الصناديق الصماءِ لما فيها من إعطاء حق التشريعِ للإنسان إقرارًا أو نفيًا فيما يُخالف شرعَ الله تعالى ، إذ إن في ذلك رفع للانسان من مقام العبودية لله تعالى الى مقام الالوهية والعياذ بالله
أضف إلى ما سبق فان هذه المصطلحات ارتبطت بصورة ذهنيةٍ معاصرة متمثلة بعرض كلِّ شيء على التصويت وصناديقِ الإقتراع بما في ذلك الشريعة وكلياتها وقطعياتها وفروعها النصية وتعتبر تللك الصورة الذهنية من صور ممارسة الديمقراطية المتمثلة بالاحتكام إلى إرادة الشعبِ في كل شيء عبرَ صناديق الإقتراعِ ولو خالفت نتائِجُها شرعَ الله ، ولا يخفى ما في ذلك من المحاذيرِ
لذا نقولُ أنه لابد في صياغةِ الدساتيرِ المعاصرةِ أن تكونَ الشريعةُ الإسلاميَّة مادةً فوقَ الدستور
وبناءً على كل ما سبق نُحررُ حدودَ ( الاستفتاء ) المعاصر ، فهي لا تصح إلا إن كانت ضمنَ ما أباحَته لنا الشريعةُ او سكتت عنه في سائر شؤون الناس الدنيوية ، لذا لا يصح إطلاقُ القولِ بالرضى بنتائجِ الاستفتاءِ والاحتكام إليها ( مطلقا ) من غير قيدٍ ، أو إعمالِها فيما لا يَصح إعمالها فيه كما أسلفنا
وننتقلُ إلى استعراضِ بعضِ المعاني الدقيقةِ المتعلقةِ بفقه التغيير للوصول إلى التمكين وواقعِ التدافع في ظل الاستضعاف لنقولَ إن فقهَ الجهاد يتمتعُ بمرونةٍ كبيرة في أحكامه وإمكانيةِ تحولها عن أصلِ وضعِها باعتباراتٍ تقررت في الشريعة ، فالكذب والخديعة وتقطيع الأشجار أو تحريقِها في الحربِ من المحرماتِ من حيث أصلِ حكمها إلا أنها أُجيزَت في الحربِ للضرورة خلافًا للأصلِ والأمثلة كثيرةٌ مبسوطة في الكتب الصفراء لمن أراد التوسعَ ، ذكرت ذلك لأُبيِّن أنه إنْ تعذَّرت إمكانيةُ الوصول للتمكين وإقامة الدين لظروف الاستضعاف وواقعِ الاضطرار فلا ضيرَ في سلوك طرقٍ قد تشتبهُ في الأفهام وتلتبسُ في تحريرها مع بعض الأحكام ، ومنها اللجوءُ على اختيار الشعب تعويلاً على اختيارهم للشريعة بغلبة الظن ، ويجدرُ التنبيه إلى أن محل ذلك كلِّه فيما لا يترتبُ عليه التزامٌ وإقرارٌ ورضىً بنتيجةِ الاختيار المخالفِ لشرع الله ، إذ أن ما لايُدرَكُ كلُّه لا يُترك جلُّه ، وفقهُ الإكراه والاضطرار يختلفُ عن فقه التمكينِ والاختيار
والله تعالى أعلم وأحكم.

المجيب: الشيخ/ أبو محمد الصادق

المصدر
Exit mobile version