مقاصد العيد في الإسلام | الركن الدعوي | مجلة بلاغ العدد ٢٤ شوال ١٤٤٢هــــ

الشيخ: همام أبو عبد الله

 

العيد في الإسلام شعيرة من شعائره الظاهرة التي ترتبط بحياة المسلم ومسيرته في الدنيا فتتجدد فيه معان فاضلة وتتزود منه النفس بما يعينها في طريق الحياة ويرتقي المجتمع من خلاله وتزدهر الأمة بسببه…

لذا فهذه تذكرة ببعض مقاصد العيد في الإسلام تعظيما لشعيرة من شعائر الله، وتنبيها على بعض ما تحتويه العبادات المرتبطة بالعيد من حِكم وغايات سامية تتعلق بالنفس والمجتمع والأمة:

أولا: الاعتزاز بالإسلام وتعظيم شعائر الله:

التكبير والتهليل والتحميد من أبرز مظاهر العيد حيث تنطلق جموع المسلمين تهز أرجاء الكون مرددة: “الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد” في استجابة فورية لقوله تعالى عن حِكم الصوم: ((وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)).

وهذا الاعتزاز بالتوحيد والصدع بالتكبير هو تعبير عن حالة المسلم الدائمة التي تتحدى كل عوائق العدا وعلائق الأرض؛ فهو معتز بإسلامه متعال على الجاهلية في حال قوته وفي حال ضعفه، وفي كل حال وزمان ومكان.

ومن الاعتزاز بالإسلام تعظيم شعائر الله جل وعلا كما قال سبحانه في سورة الحج: ((ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ))، فتعظيم زمان أعياد الإسلام وأماكنها وأعمالها وآدابها هو دليل حياة القلب وحسن التعبد ومتابعة الهوى لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.

 

ثانيا: معرفة قدر نعمة الهداية:

العيد في الإسلام هو جملة من العبادات التي تأتي بعد القيام بجملة من العبادات أو مقترنة بها، فهو معرفة لفضل الله جل وعلا الذي وفق العبد لأداء العبادة، وهو مواصلة للعبادة وعدم الانقطاع عنها، وهو رغبة في حسن شكر الله على الهداية بالاستمرار عليها ((وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)).

فعيد الفطر شكر على هدايات الله لعبيده في صيام رمضان وقيامه، وعيد الأضحى شكر على هدايات الله لعبيده في موسم الحج وعشر ذي الحجة، والقاعدة في ذلك هو إرداف العبادة بالتسبيح والاستغفار، كما قال تعالى: ((فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا))، قال السعدي: “المناسك، أمر تعالى عند الفراغ منها باستغفاره والإكثار من ذكره، فالاستغفار للخلل الواقع من العبد في أداء عبادته وتقصيره فيها، وذكر الله شكر الله على إنعامه عليه بالتوفيق لهذه العبادة العظيمة والمنة الجسيمة. وهكذا ينبغي للعبد، كلما فرغ من عبادة أن يستغفر الله عن التقصير ويشكره على التوفيق، لا كمن يرى أنه قد أكمل العبادة، ومنَّ بها على ربه، وجعلت له محلا ومنزلة رفيعة، فهذا حقيق بالمقت ورد الفعل، كما أن الأول حقيق بالقبول والتوفيق لأعمال أخر”.

فالهداية هدف المسلم طول حياته يسعى لبلوغها، ثم يسعى لشكر الله عليها؛ أملا أن يستمر دوما على طريقها مرددا كل يوم مرارا: ((اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ))، والهداية أعظم نعيم الدنيا، فمن هداه الله جل وعلا فقد فاز فوزا عظيما وحصَّل هدفه من الدنيا فعاش سعيدا لا يبالي كثيرا بما حصله أو فاته من متاعها الفاني ((لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ)).

ثالثا: الترويح عن النفس وإبراز يسر الإسلام وسماحته:

الفرح من أبرز مظاهر العيد، وهو فرح بنعم الله على عبده بأن هداه لمواسم الطاعات ووفقه لفعل الخيرات وأباح له من الطيبات ما تنشرح به النفس، قال تعالى: ((قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ))، وقال صلى الله عليه وسلم: «للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه».

ولذا كان من مظاهر الترويح عن النفس في العيد والتيسير على الناس التجمل فيها بتنظيف البدن «إذا جاء أحدكم الجمعة، فليغتسل»، ولبس جميل الثياب «يا رسول الله ابتع هذه الحلة، فتجمل بها للعيد وللوفود»، واللعب المباح «ولهم يومان يلعبون فيهما في الجاهلية، فقال: إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما يوم الفطر، ويوم النحر»، وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: «جاء حبش يزفنون في يوم عيد في المسجد، فدعاني النبي صلى الله عليه وسلم، فوضعت رأسي على منكبه، فجعلت أنظر إلى لعبهم»، وغير ذلك من أنواع سرور التي يقال فيها: «إنها أيام عيد»، وكذا «لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني أرسلت بحنيفية سمحة».

 

رابعا: زيادة الترابط الاجتماعي:

قوة المجتمع المسلم وتماسكه وترابطه ضرورة من ضروريات نهوض الأمة المسلمة، وقد جاءت الشريعة بما يزيد من ترابط المجتمع المسلم ومن ذلك الأعياد فهي محطة مهمة من محطات تلاحم الأمة وتكاتفها.

إن مشهد خروج المجتمع عن بكرة أبيه إلى مصلى العيد بعجائزه وشبابه وفتيانه، وبنسائه وفتياته حتى الحُيض يخرجن إلى المصلى ويعتزلن الصلاة؛ ليؤكد هذا المعنى الاجتماعي المهم الذي لا يتكرر سوى في الأعياد، فعن أم عطية رضي الله عنها، قالت: «أمرَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نُخرجهن في الفطر والأضحى؛ العواتق، والحيض، وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين، قلت: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب، قال: لتلبسها أختها من جلبابها»، وانظر إلى جمال قوله صلى الله عليه وسلم: «لتلبسها أختها من جلبابها» ليتأكد لك هذا المعنى الاجتماعي المهم والتكامل بين أفراده.

يضاف لذلك ما شرع في العيدين من تعويد للنفس على الإحسان وإيجاب زكاة الفطر على كل المسلمين كبيرهم وصغيرهم وذكرهم وأنثاهم وحرهم وعبدهم وغنيهم وفقيرهم طالما يجد زيادة على قوت يومه، فيدفع حتى الفقير زكاة الفطر وهو مستحق لأخذها؛ فيكون معطيا آخذا مُنفِقًا مُنفَقًا عليه، في مشهد عظيم من مشاهد تماسك المجتمع المسلم، وكذلك يشرع في عيد الأضحى ذبح الأضاحي والتوزيع منها على الأهل والأقارب والأصحاب والجيران والفقراء، فيكون اللحم طعام الأغنياء والفقراء في عيد الأضحى المبارك.

 

خامسا: مفاصلة الجاهلية وإيجاد البدائل الإسلامية:

من أهم مقاصد العيد في الإسلام مفاصلة الجاهلية، والتمايز الإسلامي عن ملل الكفر، ومنع مشابهة الكفار، والقاعدة في ذلك: ((قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)) فعندما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما في الجاهلية قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله تبارك وتعالى قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الفطر ويوم النحر» فانظر إلى هذه الصيغة العظيمة: «إن الله تبارك وتعالى قد أبدلكم» فرغم أن أوامر الشريعة من الله إلا أن تخصيص ذكره سبحانه هنا يشعر بمزيد خصوصية لهذا التبديل الذي محا أعياد الجاهلية وأنهى وجودها في حياة المجتمع لتنشأ أعياد جديدة إسلامية المبدأ إسلامية الشعائر إسلامية الغاية، فيردد المسلم معتزا بإسلامه متبرئا من الشرك وأهله: «هذا عيدنا أهل الإسلام».

وإذا كانت مفاصلة الجاهلية ضرورة في أول الإسلام زمن الصحابة والجهاد والمعجزات فإن ضرورتها اليوم أكبر في زمن انتشار الهزيمة النفسية والتبعية الثقافية والأمية الدينية وكثرة مظاهر الجاهلية، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

 

* إن هذه المقاصد الخمسة (الاعتزاز بالإسلام وتعظيم شعائر الله) و(معرفة قدر نعمة الهداية) و(الترويح عن النفس وإبراز يسر الإسلام وسماحته) و(زيادة الترابط الاجتماعي) و(مفاصلة الجاهلية وإيجاد البدائل الإسلامية) هي من مقاصد الإسلام العامة التي ينبغي على المسلم التحلي بها في سائر حياته، والعيد هو تجديد لمعانيها وتذكير بها وتنبيه لأهميتها، فحري بالعبد أن يجتهد دوما في امتثالها في شؤون حياته ليفوز في الدنيا والآخرة.

والحمد لله رب العالمين.

الشيخ همام أبو عبد الله

هنا بقية مقالات مجلة بلاغ العدد ٢٤ شوال ١٤٤٢ هـ

مقاصد العيد في الإسلام | الركن الدعوي | مجلة بلاغ العدد ٢٤ شوال ١٤٤٢هــــ
مقاصد العيد في الإسلام | الركن الدعوي | مجلة بلاغ العدد ٢٤ شوال ١٤٤٢هــــ
مقاصد العيد في الإسلام | الركن الدعوي | مجلة بلاغ العدد ٢٤ شوال ١٤٤٢هــــ
مقاصد العيد في الإسلام | الركن الدعوي | مجلة بلاغ العدد ٢٤ شوال ١٤٤٢هــــ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى