معالم الخلافة الراشدة – مجلة بلاغ العدد ٦٠ – شوال ١٤٤٥ هـ –
الشيخ: محمد سمير
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد؛
فلعل أيها القارئ الكريم ـ نفعك الله بما تقرأ ـ مللت من ذكر الطغاة وأساليبهم وسئمت من سماع أخبارهم وجرائمهم واستثقلت تسويد الأوراق بمثالبهم ومفاسدهم وحُقّ لك ذلك غير أني ما إلى ذلك قصدت ولا إياه أردت، ولكني ابتغيت من ذلك تبصيرك بطبائع قد ركزت في الطغاة حتى كأنهم تواصوا بها وتوافقوا عليها حتى لا تنخدع بمعسول كلام ولا تقاد من إعلامهم بخطام
وترويحا لنفسك وإمتاعا لقلبك وصرفا للملل عنك رأيت أن أجمك في هذا المقال فأجعله في ذكر القيادة الراشدة والسياسة العادلة فأقول وبالله التوفيق:
إن للقيادة الراشدة معالم من اتبعها سعد في الدنيا وأسعد وكان في الآخرة من السعداء، ومن أعرض عنه شقي في الدنيا وأشقى وكان في الآخرة من الأشقياء ومنها:
أولا: كراهية الإمارة خوفا من ثقل الواجبات وخشية التقصير في الحقوق
وقد تكاثرت الأدلة النبوية على ذلك فمنها حديث أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام (وتجدون خير الناس في هذا الشأن أشدهم له كراهية) [متفق عليه]
قال ابن حجر في فتح الباري: أي أن الدخول في عهدة الإمرة مكروه من جهة تحمل المشقة فيه وإنما تشتد الكراهة له ممن يتصف بالعقل والدين لما فيه من صعوبة العمل بالعدل وحمل الناس على رفع الظلم ولما يترتب عليه من مطالبة الله تعالى للقائم به من حقوقه وحقوق عباده ولا يخفى خيرية من خاف مقام ربه
ومنها حديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة، فنعم المرضعة وبئست الفاطمة» [رواه البخاري]
قال ابن حجر: قوله فنعم المرضعة وبئست الفاطمة قال الداودي نعم المرضعة أي في الدنيا وبئست الفاطمة أي بعد الموت لأنه يصير إلى المحاسبة على ذلك فهو كالذي يفطم قبل أن يستغني فيكون في ذلك هلاكه وقال غيره نعم المرضعة لما فيها من حصول الجاه والمال ونفاذ الكلمة وتحصيل اللذات الحسية والوهمية حال حصولها وبئست الفاطمة عند الانفصال عنها بموت أو غيره وما يترتب عليها من التبعات في الآخرة
ومنها حديث عن أبي موسى رضي الله عنه، قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من قومي، فقال أحد الرجلين: أمرنا يا رسول الله، وقال الآخر مثله، فقال: «إنا لا نولي هذا من سأله، ولا من حرص عليه» [رواه البخاري]
قال المهلب: الحرص على الولاية هو السبب في اقتتال الناس عليها حتى سفكت الدماء واستبيحت الأموال والفروج وعظم الفساد في الأرض بذلك ووجه الندم أنه قد يقتل أو يعزل أو يموت فيندم على الدخول فيها لأنه يطالب بالتبعات التي ارتكبها وقد فاته ما حرص عليه بمفارقته قال ويستثنى من ذلك من تعين عليه كأن يموت الوالي ولا يوجد بعده من يقوم بالأمر غيره وإذا لم يدخل في ذلك يحصل الفساد بضياع
ومنها حديث عبد الرحمن بن سمرة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا عبد الرحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة، فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أوتيتها من غير مسألة أعنت عليها [متفق عليه]
قال النووي في شرح مسلم: وفي هذا الحديث فوائد منها كراهة سؤال الولاية سواء ولاية الإمارة والقضاء والحسبة وغيرها ومنها بيان أن من سأل الولاية لا يكون معه إعانة من الله تعالى ولا تكون فيه كفاية لذلك العمل فينبغي أن لا يولى
ومنها حديث أبي ذر، قال: قلت: يا رسول الله، ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: «يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها» [رواه مسلم]
هذا الحديث أصل عظيم في اجتناب الولايات لا سيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائف تلك الولاية وأما الخزي والندامة فهو في حق من لم يكن أهلا لها أو كان أهلا ولم يعدل فيها فيخزيه الله تعالى يوم القيامة ويفضحه ويندم على ما فرط وأما من كان أهلا للولاية وعدل فيها فله فضل عظيم تظاهرت به الأحاديث الصحيحة كحديث سبعة يظلهم الله والحديث المذكور هنا عقب هذا أن المقسطين على منابر من نور وغير ذلك وإجماع المسلمين منعقد عليه ومع هذا فلكثرة الخطر فيها حذره صلى الله عليه وسلم منها وكذا حذر العلماء وامتنع منها خلائق من السلف وصبروا على الأذى حين امتنعوا
ثانيا: اعتبار السلطة مسؤولية ومغرما لا مغنما
عن عبد الله بن عمر، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته [متفق عليه]
قال النووي: قال العلماء الراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه وما هو تحت نظره ففيه أن كل من كان تحت نظره شيء فهو مطالب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته
عن الحسن، أن عبيد الله بن زياد، عاد معقل بن يسار في مرضه الذي مات فيه، فقال له معقل إني محدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من عبد استرعاه الله رعية، فلم يحطها بنصيحة، إلا لم يجد رائحة الجنة» [متفق عليه]
قال القاضي عياض رحمه الله: معناه بين في التحذير من غش المسلمين لمن قلده الله تعالى شيئا من أمرهم واسترعاه عليهم ونصبه لمصلحتهم في دينهم أو دنياهم فإذا خان فيما اؤتمن عليه فلم ينصح فيما قلده إما بتضييعه تعريفهم ما يلزمهم من دينهم وأخذهم به وإما بالقيام بما يتعين عليه من حفظ شرائعهم والذب عنها لكل متصد لا دخال داخلة فيها أو تحريف لمعانيها أو إهمال حدودهم أو تضييع حقوقهم أو ترك حماية حوزتهم ومجاهدة عدوهم أو ترك سيرة العدل فيهم فقد غشهم
ومسؤولية الأمير لم تتوقف عند الإنسان فقط بل امتدت حتى شملت الحيوان حتى أن عمر رضي الله عنه قال: «لو ماتت شاة على شط الفرات ضائعة لظننت أن الله تعالى سائلي عنها يوم القيامة» [حلية الأولياء]
وعن سالم بن عبد الله أن عمر بن الخطاب كان يدخل يده في دبرة البعير ويقول: إني لخائف أن أسأل عما بك. [الطبقات الكبرى لابن سعد]
وعمر رضي الله عنه يضرب به المثل بالعدل ومع ذلك قال لما طعن: وددت أني نجوت منها كفافا، لا لي ولا علي [رواه البخاري]
ثالثا: جعل السلطة وسياستها تابعة للحق وطلب النصح من الرعية بل التقويم
فطاعة السلطة ليست مطلقة بلا شرط أو قيد بل هي مقيدة بالمعروف فإذا زاغت السلطة عن أمر الأمر وأمرت بالمعصية فلا طاعة لها حينها
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة” [متفق عليه]
وعن علي رضي الله عنه: قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية وأمر عليهم رجلا من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه فغضب عليهم، وقال: أليس قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني قالوا: بلى قال: عزمت عليكم لما جمعتم حطبا وأوقدتم نارا ثم دخلتم فيها فجمعوا حطبا، فأوقدوا فلما هموا بالدخول، فقام ينظر بعضهم إلى بعض، قال بعضهم: إنما تبعنا النبي صلى الله عليه وسلم فرارا من النار، أفندخلها فبينما هم كذلك إذ خمدت النار، وسكن غضبه فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لو دخلوها ما خرجوا منها أبدا، إنما الطاعة في المعروف [متفق عليه]
يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ وُلِّيتُ عَلَيْكُمْ، وَلَسْتُ بِخَيْرِكُمْ، فَإِنْ ضَعُفْتُ فَقَوِّمُونِي، وَإِنْ أَحْسَنْتُ فَأَعِينُونِي… أَطِيعُونِي مَا أَطَعْتُ اللهَ وَرَسُولَهُ، فَإِذَا عَصَيْتُ اللهَ وَرَسُولَهُ، فَلاَ طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ. [مصنف عبد الرزاق]
رابعا: البعد عن تولية غير الأكفاء ولو كانوا ذوي قربى
قال ابن تيمية: فيجب على ولي الأمر أن يولي على كل عمل من أعمال المسلمين، أصلح من يجده لذلك العمل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من ولي من أمر المسلمين شيئا، فولى رجلا وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله» . وفي رواية: «من ولى رجلا على عصابة، وهو يجد في تلك العصابة من هو أرضى لله منه، فقد خان الله ورسوله وخان المؤمنين» . رواه الحاكم في صحيحه…. [في الحديث ضعف] فإن عدل عن الأحق الأصلح إلى غيره، لأجل قرابة بينهما، أو ولاء عتاقة أو صداقة، أو مرافقة في بلد أو مذهب؛ أو طريقة، أو جنب: كالعربية، والفارسية، والتركية، والرومية، أو لرشوة يأخذها منه من مال أو منفعة، أو غير ذلك من الأسباب، أو لضغن في قلبه على الأحق، أو عداوة بينهما: فقد خان الله ورسوله والمؤمنين
ونجد أن عمر رضي الله عنه رفض أن يرشح ابنه عبد الله وإنما قال: وقال: يشهدكم عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شيء [رواه البخاري]
بل إن عمر رضي الله عنه لم يذكر سعيد بن زيد في المرشحين في الخلافة لقرابته منه
قال الذهبي: لم يكن سعيدا متأخرا عن رتبة أهل الشورى في السابقة والجلالة، وإنما تركه عمر -رضي الله عنه- لئلا يبقى له فيه شائبة حظ، لأنه ختنه وابن عمه، ولو ذكره في أهل الشورى لقال الرافضي: حابى ابن عمه، فأخرج منها ولده وعصبته. فكذلك فليكن العمل لله.
خامسا: بيان مهام الولاة للرعية وإنصافهم منهم حال التعدي
قال عمر رضي الله عنه: إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ عُمَّالِي لِيَضْرِبُوا أَبْشَارَكُمْ، وَلَا لِيَأْخُذُوا أَمْوَالَكُمْ، فَمَنْ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ فَلْيَرْفَعْهُ إِلَيَّ أُقِصُّهُ مِنْهُ، قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَدَّبَ بَعْضَ رَعِيَّتِهِ أَتُقِصُّهُ مِنْهُ؟ قَالَ: إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ أُقِصُّهُ، وَقَدْ «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَصَّ مِنْ نَفْسِهِ»
وعَنِ ابْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ ، قَالَ : كَانَ عُمَرُ إذَا اسْتَعْمَلَ رَجُلاً أَشْهَدَ عَلَيْهِ رَهْطًا مِنَ الأَنْصَارِ وَغَيْرِهِمْ ، قَالَ : يَقُولُ : إنِّي لَمْ أَسْتَعْمِلْك عَلَى دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ ، وَلاَ عَلَى أَعْرَاضِهِمْ , وَلَكِنِّي اسْتَعْمَلْتُك عَلَيْهِمْ لِتَقْسِمَ بَيْنَهُمْ بِالْعَدْلِ وَتُقِيمَ فِيهِمُ الصَّلاَةَ , وَاشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَأْكُلَ نَقِيًّا ، وَلاَ يَلْبَسَ رَقِيقًا ، وَلاَ يَرْكَبَ بِرْذَوْنًا ، وَلاَ يَغْلِقَ بَابَهُ دُونَ حَوَائِجِ النَّاسِ [مصنف ابن أبي شيبة]
وقال: «أَيُّمَا عَامِلٍ لِي ظَلَمَ أَحَدًا، فَبَلَغَتْنِي مَظْلَمَتُهُ فَلَمْ أُغَيِّرُهَا فَأَنَا ظَلَمْتُهُ» [الطبقات الكبرى لابن سعد]
سادسا: إيصاء الولاة بالرعية والنهي عن ظلمهم وإذلالهم:
قال عمر رضي الله عنه: وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: «أَيُّهَا النَّاسُ إنا لا نَبْعَثُكُمْ أُمَرَاءَ جَبَّارِينَ، وَلَكِنَّا نَبْعَثُكُمْ أَئِمَّةَ هُدًى يُقْتَدَى بِكُمْ… وَلا تَضْرِبُوهُمْ فَتُذِلُّوهُمْ، وَلا تُجَمِّرُوهُمْ فَتَفْتِنُوهُمْ، وَلا تَسْتَأْثِرُوا عَلَيْهِمْ فَتَظْلِمُوهُمْ، وَلا تَجْهَلُوا عَلَيْهِم فَتُحَرِّجُوهُمْ، وَقَاتِلُوا الْكُفَّارَ بِهِمْ طَاقَتَهُمْ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ بِهِمْ كَلالا فَكُفُّوهُمْ فَإِنَّهُ أَبْلَغُ فِي جِهَادِ عَدُوِّهِمْ» .
سابعا: العفة عن أموال المسلمين:
قال أبو بكر حين حضرته الوفاة لابنته عائشة رضي الله عنهما: أَمَا إِنَّا مُنْذُ وَلِينَا أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ نَأْكُلْ لَهُمْ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَلَكِنَّا قَدْ أَكَلْنَا مِنْ جَرِيشِ طَعَامُهُمْ فِي بُطُونِنَا، وَلَبِسْنَا مِنْ خَشِنِ ثِيَابِهِمْ عَلَى ظُهُورِنَا، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ إِلَّا هَذَا الْعَبْدُ الْحَبَشِيُّ، وَهَذَا الْبَعِيرُ النَّاضِحُ، وَجَرْدُ هَذِهِ الْقَطِيفَةِ، فَإِذَا مُتُّ فَابْعَثِي بِهِنَّ إِلَى عُمَرَ وَابْرَئِي مِنْهُنَّ فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا جَاءَ الرَّسُولُ عُمَرَ بَكَى حَتَّى جَعَلَتْ دُمُوعُهُ تَسِيلُ فِي الْأَرْضِ وَيَقُولُ: «رَحِمَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، لَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ، رَحِمَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، لَقَدْ أَتَعْبَ مَنْ بَعْدَهُ، يَا غُلَامُ ارْفَعْهُنَّ» [تاريخ المدينة لابن شبة]
وقال عمر رضي الله عنه: «إِنِّي أَنْزَلَتْ نَفْسِي مِنْ مَالِ اللَّهِ مَنْزِلَةَ مَالِ الْيَتِيمِ، إِنِ اسْتَغْنَيْتَ مِنْهُ اسْتَعْفَفْتَ، وَإِنْ افْتَقَرْتَ أَكَلَتَ بِالْمَعْرُوفِ» [مصنف ابن أبي شيبة]
وعَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا بِبَابِ عُمَرَ، فَخَرَجَتْ جَارِيَةٌ، فَقُلْنَا: هَذِهِ سَرِيَّةُ عُمَرَ، فَقَالَتْ: إِنَّهَا لَيْسَتْ بِسَرِيَّةِ عُمَرَ، إِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِعُمَرَ، إِنَّهَا مِنْ مَالِ اللَّهِ، قَالَ: فَتَذَاكَرْنَا بَيْنَنَا مَا يَحِلُّ مِنْ مَالِ اللَّهِ، قَالَ: فَرَقِيَ ذَلِكَ إِلَيْهِ فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا، فَقَالَ: مَا كُنْتُمْ تَذَاكَرُونَ؟ فَقُلْنَا خَرَجَتْ عَلَيْنَا جَارِيَةٌ، فَقُلْنَا: هَذِهِ سَرِيَّةُ عُمَرَ، فَقَالَتْ: إِنَّهَا لَيْسَتْ بِسَرِيَّةِ عُمَرَ، إِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِعُمَرَ، إِنَّهَا مِنْ مَالِ اللَّهِ، فَتَذَاكَرْنَا بَيْنَنَا مَا يَحِلُّ لَكَ مِنْ مَالِ اللَّهِ، فَقَالَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا أَسْتَحِلُّ مِنْ مَالِ اللَّهِ؟ حُلَّتَيْنِ: حُلَّةُ الشِّتَاءِ وَالْقَيْظِ، وَمَا أَحُجُّ عَلَيْهِ وَأَعْتَمِرُ مِنَ الظُّهْرِ، وَقُوتُ أَهْلِي كَرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، لَيْسَ بِأَغْنَاهُمْ وَلَا بِأَفْقَرِهِمْ، ثُمَّ أَنَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، يُصِيبُنِي مَا يُصِيبُهُمْ [الأموال للقاسم بن سلام]
وبعد فهذه جملة من ملامح القيادة الراشدة فإذا وجدت القائد أو الأمير يسير على خطاها فاعلم أنه قائد رباني يبتغي الحق ويريد نصر الدين وإذا وجدته متنكبا عن سبيلها آتيا بما يضادها فاعلم أنه ظالم ضال وإن زعم بلسانه خلاف ذلك فكل قول لم يصدقه الفعل فلا قيمة له ولا وزن، والحمد لله رب العالمين
هنا بقية مقالات مجلة بلاغ العدد ٦٠ شوال ١٤٤٥ ه