فضل شهر المحرم || الركن الدعوي || مجلة بلاغ العدد ٢٧ – المحرم ١٤٤٣ هـ
الشيخ: همام أبو عبد الله
المحرم هو الشهر الأول من العام الهجري القمري، وسمي بالمحرم؛ لأنه شهر من الأشهر الأربعة الحرم المعظمة في الإسلام والجاهلية “ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب” وإنما اختصوا هذا الشهر باسم المحرم دون الشهور الثلاثة الأخرى قيل: لأن العرب ابتدأت تحريم تلك الشهور في هذا الشهر، وقيل: تأكيدا لحرمته فقد جاء بعد شهرين من الأشهر الحرم وبعد انتهاء الحج فكان بعض العرب لا يلتزمون حرمته لطول ذلك عليهم، فسمي المحرم تأكيدا على حرمته، خاصة وأن شهر ذي القعدة يقعدون فيه عن القتال ويتأهبون للحج فسمي ذو القعدة، وذو الحجة يحجون فيه فسمي ذو الحجة، فسموا المحرم تنويها لحرمته، وسموا رجبا تنويها لتعظيمه لأن الترجيب هو التعظيم.
ولهذا الشهر فضائل عديدة، منها:
– هو شهر الله:
الشهور كلها لله جل وعلا، ولكن الإضافة دليل التشريف، وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم المحرم -دون غيره من الشهور- بشهر الله في قوله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم».
– المحرم شهر من الأشهر الحرم:
التي ذكرها الله جل وعلا في قوله: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) وذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: “السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حُرُم، ثلاث متواليات: ذو القَعْدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مُضَر الذي بين جُمادى وشعبان“، والمعصية في هذه الأشهر أشد، لقوله جل وعلا: (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ).
– فيه يوم عاشوراء:
وهو اليوم العاشر من المحرم، وهو يوم مبارك أنجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه، وصيامه يكفر السنة الماضية، قال صلى الله عليه وسلم: «صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله»، ويسن صيام التاسع مع العاشر مخالفة لليهود الذين كانوا يصومون العاشر فقط، قال صلى الله عليه وسلم: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع»، وورد في رواية ضعفها عدد من أهل العلم صيام يوم قبله أو يوم بعده..
وقد وردت حول مراحل صوم عاشوراء كثير من الأحاديث الصحيحة، ملخصها أن قريشا واليهود كانوا يصومون عاشوراء، وصامه النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة، ثم بعد الهجرة أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بصيامه، فلما فُرض صوم رمضان لم يعد صوم عاشوراء حتما، بل فضيلة غير لازمة؛ ومن هذه الأحاديث حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: «كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فُرض رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه».
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «أن أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صامه والمسلمون قبل أن يفترض رمضان، فلما افترض رمضان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عاشوراء يوم من أيام الله، فمن شاء صامه ومن شاء تركه».
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ فقالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرا، فنحن نصومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فنحن أحق وأولى بموسى منكم، فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه».
وعن أبي موسى رضي الله عنه، قال: «كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء، يتخذونه عيدا ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فصوموه أنتم».
– يسن الصوم في شهر المحرم:
فللصوم في شهر المحرم فضيلة فهو أفضل الصيام بعد شهر رمضان، قال صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم»، فيشرع الإكثار من صوم التطوع في هذا الشهر، قال ابن رجب في لطائف المعارف: “ولما كان هذا الشهر مختصا بإضافته إلى الله تعالى كان الصيام من بين الأعمال مضافا إلى الله تعالى، فإنه له من بين الأعمال، ناسب أن يختص هذا الشهر المضاف إلى الله بالعمل المضاف إليه المختص به وهو الصيام
شهر الحرام مبارك ميمون … والصوم فيه مضاعف مسنون
وثواب صائمه لوجه إلهه … في الخلد عند مليكه مخزون”
– هو أول السنة الهجرية:
فقد أرخ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالسنة الهجرية، وجعل أول شهور تلك السنة شهر المحرم، ورغم أن خروج النبي صلى الله عليه وسلم من بيته للهجرة كان في آخر شهر صفر ووصوله المدينة كان في شهر ربيع الأول، إلا أن سبب ابتداء السنة الهجرية بالمحرم هو كما ذكر ابن حجر في الفتح: “إنما أخروه من ربيع الأول إلى المحرم؛ لأن ابتداء العزم على الهجرة كان في المحرم، إذ البيعة وقعت في أثناء ذي الحجة، وهي مقدمة الهجرة، فكان أول هلال استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة هلال المحرم، فناسب أن يجعل مبتدأ، وهذا أقوى ما وقفت عليه من مناسبة الابتداء بالمحرم، وذكروا في سبب عمل عمر التاريخ أشياء منها ما أخرجه أبو نعيم الفضل بن دكين في تاريخه، ومن طريقه الحاكم من طريق الشعبي، أن أبا موسى كتب إلى عمر: إنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ، فجمع عمر الناس، فقال بعضهم: أرخ بالمبعث، وبعضهم أرخ بالهجرة، فقال عمر: الهجرة فرقت بين الحق والباطل، فأرخوا بها وذلك سنة سبع عشرة، فلما اتفقوا قال بعضهم: ابدؤوا برمضان، فقال عمر: بل بالمحرم، فإنه منصرف الناس من حجهم، فاتفقوا عليه”.
* أمور لا تصح عن المحرم:
هناك أمور لا تصح عن شهر المحرم، فمنها:
– اتخاذه عيدا؛ احتفالا بدخول السنة الجديدة، فهذا من المحدثات التي طرأت بسبب تقليد أهل الكتاب في احتفالهم برأس السنة الميلادية.
– اتخاذ يوم عاشوراء عيدا، وهذا محدث كذلك، فاليهود هم الذين يتخذونه عيدا، نعم يشرع الفرح بفضل الله ومغفرته للصائمين وشكرا لنعمه على إنجاء موسى عليه السلام وإهلاك فرعون، ولكن فرح الشكر شيء واتخاذ اليوم عيدا شيء آخر.
– اتخاذ يوم عاشوراء مأتما، وهذا فعل الروافض الضالين؛ زعما منهم أنهم بذلك يُعبرون عن حزنهم على مقتل الحسين بن علي رضي الله عنه سيد شباب أهل الجنة، الذي قُتل مظلوما يوم عاشوراء، وهذا الفعل وهو اتخاذ أيام الوفيات والمظالم مآتما سنوية من البدع، فلقد قُتل عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم مظلومين ولم تتخذ الأمة أيام استشهادهم مأتما، قال ابن رجب في لطائف المعارف: “وأما اتخاذه مأتما كما تفعله الرافضة لأجل قتل الحسين بن علي رضي الله عنه فهو من عمل من ضل سعيه في الحياة الدنيا وهو يحسب أنه يحسن صنعا، ولم يأمر الله ولا رسوله باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتما فكيف بمن دونهم”.
والحمد لله رب العالمين.
هنا بقية مقالات مجلة بلاغ العدد ٢٧ المحرم ١٤٤٣ هـ