أحوال الناس مع المعاصي || الركن الدعوي || مجلة بلاغ العدد ٢١ رجب ١٤٤٢

الشيخ: همام أبو عبد الله

1- ستر الدنيا والآخرة

كان في الدنيا مع الطائعين، يحب المولى جل وعلا، ويرجو رحمته، ويخشى عذابه..

كان يجاهد نفسه وشيطانه وشهوته فيغلبهم، وأحيانا كانوا يغلبونه..

فتقع منه بعض المعاصي والذنوب..

وتلك التي كان يخشاها..

ولكنه كان يتخفى بالمعصية ولا يحدث بها أحدا، فلا يعلم الناس عنه إلا خيرا..

حاله كحال القائل يناجي مولاه جل وعلا:

والله لو علموا قبيح سريرتي

لأبى السلام علي من يلقاني

ولأعرضوا عني وملوا صحبتي

ولبؤت بعد كرامة بهوان

لكن سترت معايبي ومثالبي

وحلمت عن سقطي وعن طغياني

فلك المحامد والمدائح كلها

بخواطري وجوارحي ولساني

يأتي هذا الرجل يوم القيامة..

ويقف أمام الله تعالى..

فيقربه الله تعالى ويدنيه لعرض الحساب..

ويستره عن أعين الناس..

ويسأله الجبار جل وعلا: «أتعرف ذنب كذا»؟

فيقول العبد الضعيف: «نعم، أي رب»؟

فيسأله الجبار جل وعلا: «أتعرف ذنب كذا»؟

فيقول العبد الضعيف: «نعم، أي رب»؟

ويعرض الله تعالى عليه ذنبا بعد ذنب بعد ذنب.

عندها يرى العبد أنه قد هلك..

فيقول له الله تعالى: «سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم» متفق عليه.

2- المنتهكون للحرمات في الخلوات

قوم يحملون هَمَّ نظر الناس لهم، فيُجَملون ظاهرهم بالرياء، ويبطنون سوء صنيعهم..

يخشون اطلاع الناس على سيئاتهم ولا يخشون اطلاع الله عليها..

قال فيهم الله جل وعلا: ﴿يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا﴾.

قال الشيخ سيد قطب: “فهم يبيتون ما يبيتون من الكيد والمؤامرة والخيانة ويستخفون بها عن الناس، والناس لا يملكون لهم نفعا ولا ضرا، بينما الذي يملك النفع والضر معهم وهم يبيتون ما يبيتون، مطلع عليهم وهم يخفون نياتهم ويستخفون، وهم يزورون من القول ما لا يرضاه”.

وفي مثل هؤلاء يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا، فيجعلها الله عز وجل هباء منثورا»، فقال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا، جَلِّهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال: «أما إنهم إخوانكم، ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها» رواه ابن ماجه.

والفرق بين هذا الصنف وبين الذين سترهم الله جل وعلا في الدنيا والآخرة أن هذا الصنف فيه استخفاف بمعصية الله جل وعلا وتعظيم لنظر الناس، فيقبلون على المعصية إقبالا..

أما الذين سترهم الله جل وعلا فهم يعظمون الله جل وعلا فيتسترون توقيرا لشعائر الله تعالى، وتنكسر قلوبهم راجين من الله الإعانة على الخلاص من تلك الذنوب..

3- المحرومون من العافية

هم قوم أسرفوا على أنفسهم، واتبعوا شهواتهم، وقل تعظيم الله في قلوبهم، فجاهروا بالعصيان، وأظهروا ترك الواجبات وفعل المحرمات..

وهؤلاء قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه» متفق عليه.

فالمعصية ذنب، والمجاهرة بها ذنب ثان، بل قد تكون المجاهرة بالذنب أعظم إثما من الذنب نفسه بما يلازمها من أمور؛ مثل:

– اقتداء الناس بهم في المعصية: قال تعالى: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» رواه مسلم.

– عدم تعظيم شعائر الله جل وعلا: والله تعالى يقول: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾.

* فهؤلاء المجاهرون بالذنوب الذين يفعلونها أمام الناس، أو يحدثون الناس بها محرومون من العافية.. فتصيبهم بسبب مجاهرتهم أنواع من البلاء؛ مثل:

– المؤاخذة بالذنب يوم القيامة: بخلاف من أسر ذنبه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يستر الله على عبد في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة» رواه مسلم. قال ابن عقيل: “استسراره بالشر طاعة لله تعالى.. فوجبت له المغفرة بطاعة الشرع”.

– العقوبة في الدنيا بحد أو تعزير: بخلاف من أسر ذنبه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عنها، فمن ألم فليستتر بستر الله وليتب إلى الله، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله عز وجل» رواه الحاكم والبيهقي.

– تجافي الصالحين عنهم والذكر السيئ لهم بين الناس: بخلاف من أسر ذنبه، قال النووي: “من جاهر بفسقه أو بدعته جاز ذكره بما جاهر به دون ما لم يجاهر به”.. وقال الشاعر:

وهجران من أبدى المعاصي سنة

وقد قيل إن يردعه أوجِب وأكِّد

وقيل على الإطلاق ما دام معلنا

ولاقه بوجه مكفهر مربِّد

– تكون المجاهرة بالذنوب سببا لنزول البلاء العام: فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون في آخر هذه الأمة خسف ومسخ وقذف». فقالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم إذا ظهر الخبث» رواه الترمذي.

وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: “كان يقال: إن الله تبارك وتعالى لا يعذب العامة بذنب الخاصة، ولكن إذا عمل المنكر جهارا استحقوا العقوبة كلهم”.

وختاما: فالناس مع الذنوب على مراتب ثلاث:

أولاها: مرتبة المستورين: وهي أفضل المراتب، وهم المؤمنون الذين تقع منهم بعض الذنوب ويتسترون تعظيما لشعائر الله..

ثانيها: مرتبة المنتهكين للحرمات في الخلوات: وهم من ضعف إيمانهم فالتفتوا لنظر الناس ولم يلتفتوا لنظر الله جل وعلا.

ثالثها: مرتبة المجاهرين بالمعاصي: وهي أدنى المراتب، وهم قوم لم يرعوا نظر الله لهم، ولم يعظموا حرمات الله وشعائره.

نسأل الله أن يوفقنا لطاعته، وأن يجنبنا معصيته، وأن يختم لنا بخير.

 أحوال الناس مع المعاصي || الركن الدعوي || مجلة بلاغ العدد ٢١ رجب ١٤٤٢ الشيخ: همام أبو عبد الله

أحوال الناس مع المعاصي || الركن الدعوي || مجلة بلاغ العدد ٢١ رجب ١٤٤٢
الشيخ: همام أبو عبد الله
 أحوال الناس مع المعاصي || الركن الدعوي || مجلة بلاغ العدد ٢١ رجب ١٤٤٢ الشيخ: همام أبو عبد الله

أحوال الناس مع المعاصي || الركن الدعوي || مجلة بلاغ العدد ٢١ رجب ١٤٤٢
الشيخ: همام أبو عبد الله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى