(سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) | الركن الدعوي | مجلة بلاغ العدد الثامن عشر ربيع الثاني 1442 هـ
الشيخ: همام أبو عبد الله
وردت في القرآن الكريم آيات عديدة تحث على السير في الأرض والتنقل في أرجائها والسفر في أقطارها، للنظر في أحوال السابقين، ومعرفة مآلات الغابرين، وتبين عاقبة المجرمين والكافرين.
قال تعالى: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ).
وقال تعالى: (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ).
وقال تعالى: (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).
وقال تعالى: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ وَاقٍ).
وقال تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ).
وغير ذلك من الآيات التي تحث النفوس على التأمل والأرواح على التجول في عبق الزمان والمكان والتاريخ.
نعم (فكأيِّن مِنْ قَرْيَةٍ) وكأين أداة تدل على الكَثْرة فهي كثيرة تلك القرى المهلَكة بظلمها (فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا) مهجورة موحشة كئيبة، وإلى جوار القرى الخاوية على عروشها الآبار المعطلة، والبئر حين تكون عاملة ينتشر الناس حولها، وينمو النبات على بقايا المياه المستخرجة منها، ويحوم حولها الطير ليرتوي منها، أما البئر المعطّلة فتجدها خَرِبة ليس بها علامات حياة، وربما يعلوها التراب وتصبح مرمى للقاذورات ومحلا للحشرات، ثم إلى جوار ذلك القصور المشيدة وهي خالية من السكان موحشة من الأحياء!
إن مصارع الغابرين مملوءة بالعبر والعظات، ولكن هذه العظات لا يتأملها إلا من عاد لفطرته وانسلخ من أهواء نفسه، (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا) قلوب عاقلة تدرك ما وراء هذه الآثار الدوارس من سنة لا تتخلف ولا تتبدل.
ولقد كانت جزيرة العرب محلا لهلاك كثير من الأمم التي أعرضت وكذبت، ومن ذلك عاد وثمود الذين قال الله جل وعلا في شأنهم: (وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) فعاد قوم هود كانوا يسكنون الأحقاف في اليمن، وثمود قوم صالح كانوا يسكنون الحجر شمالي جزيرة العرب.
وكذلك أهلك الله جل وعلا فرعون، وبقيت آثاره عبرة شاهدة على عاقبة المكذبين، (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آَخَرِينَ).
والله جل وعلا قاهر فوق عباده عزيز ذو انتقام يغار إن انتهكت محارمه، وقد توعد الله جل وعلا الكافرين الذين أعرضوا عن الحق واتبعوا الباطل بمصير مثل مصير من قبلهم، (وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ) فللكافرين أمثال عاقبة المكذبين من قبلهم، ولعذاب الآخرة أشد وأخزى.
* وإننا اليوم في الشام بعد أن هُجرنا من ديارنا ونزحنا من بيوتنا حري بنا أن ننظر في عاقبة الظالمين من قبلُ لنصبر ونصابر ونتأسى بالصادقين، أليس ما في ريف إدلب اليوم من قلاع الأقدمين ومغاراتهم وتلالهم شاهد على ما حل بالظالمين عبر التاريخ من يونانيين ورومانيين وفراعنة وآشوريين وفرس وصليبيين وتتار وعُبيديين ورافضة وفرنسيين وبريطانيين وباطنية وملاحدة وعلمانيين؟
أين الذين حرقوا المدن وقتلوا الأهالي واستباحوا الأعراض وسرقوا الخيرات؟
أين جيوشهم وأين سلاحهم وأين ملكهم اليوم؟
بادوا وماتوا وهلكوا، وبقيت اللعنات تلاحقهم في قبورهم إلى يوم الدين.
* فيا ابن الإسلام (اصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ).