حين يكون القرآن منهاج حياة – الركن الدعوي – مجلة بلاغ العدد الثاني والثلاثون

العدد الثاني والثلاثون جمادى الآخرة ١٤٤٣ هجرية – كانون الثاني ٢٠٢٢ ميلادي

جمع وترتيب الشيخ: رامز أبو المجد الشامي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد:

قال الله تعالى: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (١٢١) سورة البقرة.

وقال الله سبحانه وتعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (٩) سورة الحجر.

وقال الله جل جلاله: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (21) سورة الحشر.

* عن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (أبشروا وأبشروا، أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قالوا: نعم، قال: فإن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به، فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبدًا) رواه ابن حبان في صحيحه.

* عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول: (أيهم أكثر أخذا للقرآن، فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد) متفق عليه.

* عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه، وهو عليه شاق، له أجران) متفق عليه.

* عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا حسد إلا في اثنتين؛ رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فسمعه جار له، فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل، ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحق، فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل) متفق عليه.

* عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يجيء القرآن يوم القيامة، فيقول: يا رب حله، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب زده، فيلبس حلة الكرامة، ثم يقول: يا رب ارض عنه، فيرضى عنه، فيقال له: اقرأ وارق، ويزاد بكل آية حسنة) رواه الترمذي.

– حال السلف مع القرآن:

إنَّ الرِّفْعةَ والعِزَّةَ التي نالها السَّلَفُ الصالح، وذَلّتْ لهم رِقابُ العربِ والعجم، إنما كانت بسببِ تمسُّكِهم الحقيقي بِكتابِ اللهِ تعالى:

* قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (إن هذا القرآنَ مأْدبةُ الله، فتعلَّموا من مَأدبتِه ما استطعتم، إنَّ هذا القرآنَ هو حَبلُ اللهِ الذي أَمَرَ به، وهو النور المبين، والشفاءُ النافعُ عصمةٌ لمن اعتصم به)، وعنه رضي الله عنه قال: (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَعلَم أَنه يُحبُّ اللهَ ورسولَه فَليَنظُر: فإِنْ كان يُحبُّ القرآنَ، فهو يحبُّ اللهَ ورسولَه).

* ويقولُ ابن عباسٍ رضي الله عنهما: (ضَمِنَ اللهُ لمَن قَرَأَ القرآنَ لا يَضِلُّ في الدنيا ولا يشقى في الآخرة، ثم قَرَأَ: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) [طه : 123].

* وكل حرف من كتاب الله بحسنة، والحسنة بعشر أمثالها، والله يضاعف لمن يشاء، وكان بعض السلف يختم القرآن كل شهرين مرة، وبعضهم كل شهر مرة، وبعضهم كل عشرة أيام مرة، وآخرون في كل سبعة أيام مرة.

* وقال الإمام البخاري رحمه الله عن قوله تعالى: (لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ): (لا يجدُ طَعْمَه ونَفْعَه إلا مَن آمَنَ بالقرآنِ، ولا يحملُه بحقِّه إلا الموقِن).

* أهل القرآن هم العاملون به: قال ابن عمر رضي الله عنهما: (كان الفاضِلُ من أصحابِ النبي صلى الله عليه وسلم في صَدْرِ هذه الأُمّةِ لا يحفظُ من القرآنِ إلا السورة أو نحوها، ورُزِقوا العملَ بالقرآن، وإنَّ آخرَ هذه الأُمَّةِ يُرْزَقُون القرآنَ منهم الصبي والأعمى، ولا يرزقون العملَ به).

* قال الحسن البصري رحمه الله: (إنَّ هذا القرآنَ قَرَأَه عبيدٌ وصبيانٌ لم يأخذوه مِن أوَّله، ولا عِلْمَ لهم بتأويلِه، إنَّ أَحقَّ الناسِ بهذا القرآنِ مَن رُئِي في عملِه، قال اللهُ في كتابه: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) [ص : 29] وإنَّما تَدبُّرُ آياتِه اتّباعُه بعملِه، أَمَا واللهِ ما هو بحفظِ حروفِهِ وإِضاعةِ حدودِهِ! حتى إنَّ أحدهم لَيقول: قد قَرَأْتُ القرآنَ كلَّه فما أَسْقَطتُ منه حرفاً؛ وقد واللهِ أَسقَطَه كلَّه! ما يُرَى له القرآنُ في خُلُقٍ ولا عمل! حتى إنَّ أحدَهم لَيقول: إني لأقرأُ السورةَ في نَفَسٍ واحدٍ، واللهِ ما هؤلاءِ بالقُرَّاءِ ولا العلماءِ ولا الحكماءِ ولا الوَرَعةِ! متى كانت القُرّاءُ تقولُ مثل هذا؟ لا أَكْثَرَ اللهُ في الناسِ مثلَ هؤلاء).

* ويقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (ينبغي لحاملِ القرآنِ أَنْ يُعرفَ بليلِه إذا الناسُ ينامون، وبنهارِه إذا الناسُ يُفطرون، وبحزنِهِ إذا الناس يَفرَحون، وببكائِه إذا الناسُ يَضحكون، وبِصَمتِه إذا الناسُ يَخُوضُون، وبخشوعِه إذا الناس يختالون، وينبغي لحاملِ القرآن أَنْ يكونَ مُستكيناً لَيِّناً، ولا ينبغي له أن يكونَ جَافياً ولا ممارياً ولا صَيّاحاً ولا صَخّاباً ولا حديداً).

* كم نسخة من القرآن الكريم عندك؟!

لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن القرآن مكتوبا ومجموعا كما نراه اليوم، لكنه جُمعَ في عهد الصديق رضي الله عنه بعد مشورة الصحابة الكرام، كانت هناك نسخة واحدة من القرآن الكريم في عهد الخليفة الراشد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وبقيت هذه النسخة نفسها في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كانت موجودة عند حفصة بنت عمر رضي الله عنهم أجمعين، وفي زمن الفاروق عمر رضي الله عنه أكرم الله المسلمين بفتح أعظم دولتين في العالم (فارس والروم) يعني بمثابة روسيا وأمريكا اليوم. بنسخة واحدة من كتاب الله استطاعوا أن يفتحوا أعظم دولتين، فكم نحتاج من النسخ اليوم لنخرج أكبر دولتين من أرضنا، لا لنفتحهما بل لنحرر أرضنا منهما، إن نظرتنا للقرآن الكريم مغايرة تماما لنظرة صدر هذه الأمة، أولئك جعلوه منهاج حياة مهيمنا على الدين كله وسلطانا على كل الكتب السماوية السابقة، أما اليوم فلم يكتف بعض الناس بمساواته مع كتب وتشريعات وضعها البشر فحسب بل جعلوه أمرا ثانوياً وقدموا عليه غيره، نحتاج إلى نسخة واحدة تغسل قلوبنا وتعلقنا بالله وبكتابه كما كان حال سلفنا، وصدق الله القائل: (وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا).

وبالجُملةِ -أيها الغيورون-: “فلَقَد كان القرآنُ هو مِحْوَر حياةِ السلف، ومادة حياةِ قلوبِهم، يحرصون عليه أَكْثرَ مِن حِرصِهم على تحصيلِ الطعامِ والشرابِ والراحة، ولِمَ لا! وهم يُدركون بأنَّ الحياةَ الحقيقيةَ هي حياةُ القلب”.

فإنْ أَردْنا ذوقَ حلاوةِ القرآنِ كما ذاقوها، فَلْنَسِرْ على طريقتِهم، التي أَشَرْنا إلى بعضِها.

اللهم كما مَننتَ على مَن شِئتَ مِن عبادِك بِلذّةِ مُناجاتِك بتلاوةِ كتابِك، فامْنُن علينا بمنِّك وكرمِك، واجعلنا مِن أهلِ القرآن، الذين هم أهلُك وخاصّتُك، اللهم علمنا منه ما جهلنا وذكرنا منه ما نُسينا وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا، واجعله اللهم حجة لنا ولا تجعله حجة علينا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

هنا بقية مقالات مجلة بلاغ العدد ٣٢ جمادى الآخرة ١٤٤٣ هـ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى