حوار مع أحد أكابر زنادقة الفِرقة المدخلية في غزة وكُلُّهم أصاغر.. – كتابات فكرية – مقالات مجلة بلاغ العدد ٥٥ – جمادى الأولى ١٤٤٥هـ

الأستاذ: الزبير أبو معاذ الفلسطيني

لا يَعجَب العارفون بحال الفِرقةِ المدخلية المتزندقة مِن موقفها شديد القبح والسفالة مِن معركة غزة؛ التي تدور الآن بين المسلمين ويهود أشد الناس عداوة للمؤمنين، فالفِرقة المدخلية مِنَ الفِرق النارية، اجتمعت فيها موبقاتُ فِرَقٍ شتى؛ من التي ذَكَر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تُفارِقُ أمَّتَه، فهي تقول بِقول غلاة فِرَق المرجئة والجهمية في الإيمان، وتُحرّف صريح الآيات والأحاديث انتصارا لعقيدتهم الفاسدة كما تَفعل غلاة فِرَق الشيعة، وتُعظّم أئمتَها الزنادقة كما تفعل فِرق الصوفية، إلا أنها ألصَق ما تكُون بفِرق الخوارج التي تعددت قرونُها وجماعاتُها منذ صدر الإسلام إلى اليوم، فالخوارج على تَفرُّقِهِم اجتمعوا على أصليْن اثنين:

 1- التكفير البِدعيّ بغير مكفر شرعي.

 2- استحلال الدماء المعصومة استنادا إلى هذا التكفيرِ البدعي.

ومن نَظَر في حال الفِرقة المدخلية المتزندقة وجد غُلوًّا شنيعا في التبديع تتأذى منه الفِطَر السوية، فلم يَترك أتباعُ هذه الفرقة أحدا من أهل الصلاح في الأمة إلا بَدّعوه؛ آحادا وجماعات، ثم هُم -فيثوب التبديع- يُنزِلون أحكام الرِّدة على من بدّعوه، ويفارقونه مفارقةَ الكفار المحارِبين، ويظاهرون عليه المرتدين، ويُخذّلون عن نصرتِه أمام الكفرة المعتدين، فحالُهم جَمَع بين:

 1-حالِ المنافقين زمن النبوة الذين أبطنوا الكفر.

 2-حالِ الزنادقة الذين أظهروا الكفر مختلطا بوجوهٍ من الإيمان والذين ظهروا بعد الفتوحات الإسلامية.

 3- حالِ قَعَدة الخوارج الذي هو الحالُ الألصقُ بهم، ذلك أنه إذا واتتهم فرصةٌ لحمل السلاح سلّوه على المسلمين مسارعين؛ واستحلوا دماءَهم باسم الدين وفهمٍ سقيمٍ عقيمٍ محرَّفٍ للنصوص كما تَفعل كل فِرَق الخوارج، فيُنزلون في المسلمين النصوصَ التي نَزلت في الكافرين؛ في ثوب التبديع، لكن المدخلية يزيدون عن فِرَق الخوارج أنهم يَصطفّون في عُدوة الطواغيت المرتدين ويظاهِرونهم على أهل الإسلام، ويصبِحون جنودا محضَرين لهم، والشواهد والوقائع عاينّاها في زماننا ولم يَنقُلها كاتب التاريخ، ويَصدُق فيهم قولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قاله في أسلافهم الأوائل: «يَقتلون أهلَ الإيمان ويَدَعون أهلَ الأوثان».

والعارف بأحوال هذه الفِرقة المدخلية المتزندقة الأقرب إلى الخوارج يجد تطابقا غريبا بينها وبين أختها الفرقة الداعشية في التعامل مع أمة الإسلام، فالأُولى غَلَت في تبديع صُلحاء الأمة، والثانية غَلَت في تكفيرهِم، وكلتاهما سيفٌ سليط على خواصّ أمة محمد عليه الصلاة والسلام؛ مِنَ العلماء والمجاهدين والدعاة والمصلحين، لَم يَسلم أحدٌ ولَم تَسلم جماعةٌ أو تيارٌ إسلامي، وإني أزعمُ أن المدخلي لو لم يكن مدخليا ما كان إلا داعشيا، وكذا الداعشي لو لم يكن داعشيا لكان مدخليا، فحالُ قلوبهم السوداء سواء، لا يمكن للمدخلي أو الداعشي أن يتعايش إلا في واحدةٍ مِن هاتين البيئتين، كلتاهما بيئةٌ تناسب تفريغ الأحقاد والثارات الكربلائية التي تعتمل في صدور أتباعهم، مع فُحشٍ شديد في اللسان، وغلظةٍ تعلُوها أسوأ الأخلاق وأرذلُها، ولا أظلِم هاتين الفِرقتين الخارجيتين الناريتين إنْ قلتُ أنهما أخطر فِرقِ أهلِ القبلة على أهلِ القبلة، وأقربُ إلى الكفر منه إلى الإيمان؛ في أصلح الأحوال، فأجهزة المخابرات الطاغوتية العربية والأعجمية تتلاعب بهاتين الفرقتين وتوجّهُما توجيها مباشِرًا وغير مباشر؛ للنَيل من كل العاملين لدين الله في الأمة، حيث اجتمعت هاتان الفرقتان الخارجيتان على هذا الحال؛ لا يوجد صالحٌ أو مصلحٌ فردًا أو جماعةً أو تيارًا إلا تسلطت الفرقتان عليه تبديعا وتكفيرا، وطعنا وتخوينا، وقتلًا عند القدرة غيلةً وغدرًا، كما أنّ الفِرقة المدخلية بدّعوا الفِرقة الداعشية، والداعشية كفّروا المدخلية، ولله في خلقه شؤون.

ومن شدة فساد قلوبِ زنادقة المدخلية وفساد أحوالهِم وأعمالِهم فإنهم يتسلطون على بعضِهم إن انتهوا من تبديع المسلمين حولَهم، فيُبدّعون أنفسَهم ويُجرّحون بعضَهم؛ بعد وفاقٍ ظاهريٍّ، ويتشظّون إلى فرقٍ شتى، هذه حدّادية وهذه مصعفقة وهذه صعافقة وهذه رسلانية وهذه بيَلية، وهلم جرا، تماما كحال إخوانِهم في الفرقة الداعشية، تشظّت وكفّرت بعضها، فهذه بنعلية وهذه حازمية وهذه فرقانية، وغيرها من المسميات التي توضح فساد حالِهِم؛ وخذلان الله لهم، وكيف وَكلَهُم إلى أنفسِهِم الخبيثة وعقولهم البليدة، تماما كحال أسلافهم الخوارج الأوائل، فهي سنةٌ في الخوارج على مر العصور، يتسلطون على بعضهم تكفيرا وتبديعا، كالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله.

أما من لازال يتعرّف على حال هذه الفِرقة المدخلية المتزندقة فسأعطيه تصورا عن فساد دينِهم وعوار منهجهم من خلال حوارٍ دار بيني وبين “زعيمهم” في جنوب قطاع غزة المدعو “إياد لقان”؛ قبل حوالي 14 عاما، وسأذكُر أسئلةً كنتُ وجهتها إليه ضمن نقاشٍ دار بيننا في بيته، وكيف تهرّب من الإجابة بكل خسة، ليَعرِف المتابع أنهم قومٌ بُهت؛ لا يبحثون عن الحق ولا يريدونه، إنما هو سبيلٌ سلكوه لتفريغ أحقاد قلوبهم وأمراضِهِم النفسية.

“إياد لقان” هذا مجرمٌ زكّاه “شيخُهُم” وكبيرُهم الذي علّمهم السحر الدعي المدعو “ربيع المدخلي” عجّل الله في هلاكه، فهو الذي يعظمونه ولا يَردّون له قولا؛ والذي سُمِّيَت فِرقتُهم المتزندقة باسمه، فلقد سألوه منذ زمن: من نستفتي في غزة؟ قال: “عندكم إياد لقان”، وهذا ما يتناقله قطيع المداخلة بينهم هنا لتزكية “شيخِهم” الزنديق “إياد”، أما بين المسلمين فمَن “زكّاه” ربيع المدخلي فهو مجروحٌ متّهَمٌ ساقط العدالة دُون تدقيق، ويكفي أن يَعلَم القارئ أن إياد لقان كان جاسوسا لجهاز “الأمن الوقائي” قبل سيطرة حركة حماس على قطاع غزة عام 2007، وهو جهازٌ أمنيٌّ تابع للسلطة الفلسطينية العلمانية الصهيونية، حيث كان يَكتُب التقارير عن الدعاة وطلبة العلم ويَرفعُها إلى جهاز “الأمن الوقائي”، وهو يَعلم وكلُّ أهلِ فلسطين يَعلمون أنّ هذا الجهاز الأمني ذراعٌ من أذرع الاحتلال اليهودي لفلسطين، وينسّقون أعمالهم مع يهود تحت مسمى “التنسيق الأمني”، ولازالوا إلى يومنا هذا يمارسون هذه الخيانة والرِّدةَ على رؤوس الأشهاد في الضفة الغربية، وأظنُّ ظنا أقرب إلى اليقين أنّ “لقان” وأغلب إن لم يكن جميع المداخلة لازالوا إلى يومنا هذا يَرفعون التقارير إلى أعداء الله في الضفة الغربية.

بدأ الأمر عندما كنت أناقش أحد أتباعهم، وكنت آتيه بأقوالٍ لعلماء لا يَملك أن يطعن فيهم، كالشيخ ابن عثيمين والشيخ ابن باز رحمهما الله، وغيرهما من السلف، فكان يُسقَط في يده ولا يملك إلا ادعاء أن الشيخان لا يقولان بهذا، فآتيه بالمصادر فيحير جوابا، لأجل ذلك دعاني لنقاش شيخِه، فوافقتُ مباشرَةً دون أن أسأله مَن شيخُه، وقال انتظر موعدا، فقلت نعم، ثم اتصل وقال تعال في اليوم الفلاني بعد صلاة العشاء، وأعطاني العنوان.

فذهبت مع مجموعةٍ من الإخوة يومَها؛ هُم شهودٌ على ما حدث، وعندما تعارفنا تفاجأت أن شيخَه هو المجرم إياد لقان، وكنت أسمع عنه ولا أعرِفه، لذا تركته يبتدأ الحديث ويتكلم لأسمع منه وأعرف أسلوبَه، فاستمر في الحديث حتى وجدتُ مَدخلا أدخل من خلاله إلى النقاش، فاستعملتُ معه أسلوبا فيه شيءٌ من المكر المحمود، حيث كنت آتيه بقولِ شيخٍ أعلم أنه مطعون فيه عند الفِرقة المدخلية، حتى إذا استبشر وجه محاوري وهو يَرُدّ بتبديع القائل أتيتُه بقولٍ شبيهٍ للشيخ ابن عثيمين أو الشيخ ابن باز رحمهما الله، وكنت أركّز عليهما لأنني أعلَم أن المداخلة يَعجزون عن إسقاط الشيخين، لِمَا لهما من رمزية، وهذا من علامات فساد الدّين والمنهج، ومثلُهُم الدواعش الذين وجدوا للشيخ أسامة بن لادن تقبله الله رمزيةً تمنعهم من الطعن فيه، فطعنوا في أصحابِه وتركوه، وكما فعل الرافضة مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابِه مِن بعده رضي الله عنهم.

لقد كان المجرم “إياد لقان” يستعمل أسلوبًا لا علاقة له بالعلم، كعادة فرقتهِم الضالة، فيتأول للشيخين كلامهما، أو يزعم أنه قديم، دُون أن يَلتزم لازم تبديع وتضليل القول القديم وصاحبِه؛ كما يفعل مع سوى الشيخين، كأن لهما أقوالا ناسخةً ومنسوخةً كالقرآن، فالمنسوخ في القرآن حكمٌ وليس خطئًا، أما البشر فيَرجعون عن الخطأ إلى الصواب، لكن المداخلة لا يستطيعون أن يَلتزموا هذا اللازم مع الشيخين، فكنتُ أسألهُ بوضوحٍ ويتهربُ بوقاحةٍ فجة: هل كان الشيخ ابن عثيمين أو الشيخ ابن باز على ضلالٍ ثم رجعا عنه؟ ولماذا تتأول لهما ولا تتأول لغيرهما؟ فهو لم يترك عالما إلا قدح فيه، كالشيخ ابن جبرين والشيخ بكر أبو زيد رحمهما الله، والشيخ الحويني سلمه الله، وغيرهم ممن كنت آتيه بأقوالهم، بعضهم أتعمد الاستشهاد بهم لأسمع تبديعهم بأذني.

الفِرقة المدخلية لا يتردد أتباعُها في تبديع وتضليل من يخالِف هواهُم ولو بكلمةٍ قالها، بل لا يتورعون عن التدليس والكذب والافتراء على مخالفِهِم كما فعلوا ويفعلون مع سيد قطب تقبله الله، ولقد حدَث هذا أمامي في نفس الجلسة يومَها، حيث ادّعى أحدُ الجالسين منهم أنّ الشيخ أسامة بن لادن يُكفّر حالق اللحية، وقال أنه سَمع ذلك بأذنه، ورغم تأكيدي له أنّ هذا كذبٌ مختلقٌ إلا أنه أصرّ على كَذبِه، لتدور الأيام وأراه في الشارع بعد سنواتٍ قليلةٍ حالقًا لحيتَه، فسبحان الحَكَم العَدل، فهؤلاء المجرمون الزنادقة لا يَسلم من شرورِهم حتى من كان منهم إن خالَف هواهُم وتاب ورجَع إلى ربِّه، وما أقلَّ التائبين بينهم، لكنهم مع الشيخين ابن عثيمين وابن باز رحمهما الله لا يجرؤون على ذلك، رغم أن للشيخين آراءً واختيارات تُعتبر ضَلالا وابتداعا وِفق دِين الفِرقة المدخلية، وهذا عينُ الضلال، فالحق لا يحابي أحدا، وإن تحججوا بأنّ أقوالَ الشيخين قديمةٌ فهل يستطيعون أن يَشهدوا عليهما بالضلال حين قالوها؟! لا يستطيعون، وإن تأولوها لهم فلماذا يعطونهما هذا الحق ويَحرمون سواهُما منه؟! هذا يسمى عندنا في فلسطين ميزان (خِيَار وفَقُّوس) يعني ما يَحِلّ للخِيَار يَحرُمُ على الفَقُّوس، وهو ثَمرةٌ شبيهةٌ بثمرة الخِيَار، وشرُّ البلية ما يضحك.

وعندما أحسستُ بأن هذا النقاش لا طائل منه ذهبتُ إلى أسلوبِ الإلزامات وسألتُه سؤالا كرّرتُه عليه عدة مرات، وكان يتهرب من إجابته بطريقةٍ تثير الاشمئزاز، والسؤال:

ها أنت ترَى الآن أننا نجلس في هذه الفسحة أمام منزلك في هذه الساعة المتأخرة، وفي داخل المنزل أهلُ بيتك؛ عِرضُكَ وأطفالُك، وعِرضُ كلّ مسلم، فلنفترض جدلًا أننا الآن مسلحون، ولقد اقتربنا من منتصف الليل، ثم سمعنا صوتَ قوةٍ عسكريةٍ خاصةٍ ليهود قد وصلَت حولَ المنزل الآن، فماذا نفعل؟

فلَم يُجِب!

فانتظرتُ قليلا ثم أعدّتُ عليه السؤال مرةً أخرى فلَم يُجِب، ثم كررتُه ثالثةً، ورابعةً على ما أذكُر، فلَم يُجب والله على ما أقول شهيد، بل كان يتهرب إلى نقاشاتٍ أخرى في كل مرةٍ أعيدُ عليه السؤال، لدرجةٍ باتت مفضوحةً حدَّ السخافة.

حتى أنّ الرجل الذي جاء بنا إلى شيخِه الزنديق سأله عندما كررتُ سؤالي عدة مرات دون إجابة، فقال: (نعم صحيح يا شيخ ماذا نفعل؟) الرجل حاول تشغيل عقلِه قليلا، وهذه من النوادر لدى قطيع المداخلة، إلا أنّ شيخَه تهرّب من الإجابة أيضا؛ فاحتار هنيهةً ثم عاد إلى وضعية تعطيل العقل المعتادة.

أما أنا فبتسمتُ ابتسامةً غَضبَى وأنا جالسٌ أرمقُ وجوه الجالسين، لأني أعلم أنه يَعلم أنّ إجابَتَه ستفضحُه أو ستفضح دينَه الفاسد.

فإما أن يقولَ نَهرب أو يقول نستسلم، وفي كلا الحاليْن هذه دياثةٌ لا علاقة لها بالإسلام، فالمسلم الحر يأنف هذه الفعلة؛ أن يَترك عِرضه للكافرين، بل العرب في جاهليتهم لا يَفعلون ذلك، فالحر الغيور يقاتل حتى الموت دفاعا عن عِرضه، وإما أن يقول نقاتِل، ساعتها يَهدم كل دِينِه الذي يَشترط طاعة ولي الأمر المزعوم لدفع بغي الأعداء وعُدوانِهم، ولو ألزمتُه وأصررتُ عليه فلن يختارَ القتال، لأنه وأمثالَه لا يقاتِلون إلا أهلَ الصلاح في أمة الإسلام، ويختارون بكل رضًا الخنوعَ والخضوعَ لأعداء الإسلام ولو هُتِكَت أعراضُهُم.

 

فما افترضتُ حدوثَه لهذا الزنديق الدعي ونحن جلوسٌ أمام بيته ليس سوى مشهدٍ مُصَغرٍ لِما يَحدُث في الأمة الإسلامية، فلقد داهم أعداءُ اللهِ أمةَ الإسلام، وما هو قائمٌ اليومَ عبارةٌ عن قتالِ دَفْعٍ عن الأرض والعِرض والدّين.

 

والحمد لله الذي هدانا ورحِمنا أن نَكون من أهل الزيغ والضلال والكفر.. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى