برد اليقين في هجرة سيد المرسلين – ركن المرأة — مجلة بلاغ العدد ٣٩ – المحرم ١٤٤٤ هـ

برد اليقين في هجرة سيد المرسلين

الأستاذة: خنساء عثمان

بسم الله الرحمن الرحيم

أختي المؤمنة… إن ذكرى هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم هي للمؤمن واحة في الهجير في هذا العصر.

فكلما تجددت ذكرى الهجرة تجدد يقين المؤمن أنه من المستحيل أن يحظى المسلمون نجاحا كبدر دون صبر المرحلة المكية.

ومن المستحيل أن يقف المؤمن بثبات أمام تيار الفتن الجارف إلا بعد أن يستوعب دروس الفترة المكية وصبر المؤمنين ورسوخ إيمانهم في أثنائها…

ذكرى الهجرة دروس وتذكير وثبات ويقين بقدرة الله على نصر من ينصره، وهذا ما نحتاج إليه بشدة في هذا العصر…

– عصر انتفاش أهل المعصية وضعف أهل الطاعة…

– عصر سماه الرسول صلى الله عليه وسلم عصر الصبر، فقد قال صلى الله عليه وسلم: “إنَّ مِنْ ورائِكُمْ أيامَ الصبرِ، الصبرُ فيهِنَّ كَقَبْضٍ علَى الجمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهَا أَجْرُ خَمْسِينَ، قالوا: يا رسول اللهِ أجْرُ خمسينَ منهم أَوْ خمسينَ مِنَّا؟ قال: خمسينَ مِنْكُمْ” [الراوي: عبد الله بن مسعود | المحدث: الهيثمي | المصدر: مجمع الزوائد].

– عصر لا تمكن فيه الجاهلية المعاصرة لحاكم إلا إذا وقع للأمم المتحدة على اتفاقيات مثل قانون سيداو الدياثة، باسم تمكين المرأة، أو اتفاقية قانون حماية الطفل الذي يستهدف ديننا ودين أبنائنا؛ إذ إن صياغته كلها تنبثق من منطلقاتهم المعادية للفطرة والمتعارضة مع الإسلام، العاملة على تغيير قيم المجتمعات وأخلاقها لتصبح أكثر تقبلا لإملاءات النظام الدولي لينسلخ الجيل عن التربية الصالحة والأخلاق الحسنة والفضيلة والعفة، ويبتعد أو يتغيب عن معرفة تراثه وحضارته وتاريخه العريق ورموزه التاريخية؛ لأن هذا لا يراد للطفل المسلم..، وهم يستعينون على ذلك بالتعليم والإعلام والمنظمات التابعة للأمم المتحدة.

وفي هذا البحر المتلاطم من الفتن والمحن التي تحاصر الأم المربية أي حصار وتجعلها في دوامة أية دوامة من الحيرة والخيارات أحلاها مر، هنا تأتي دروس الهجرة وملابساتها لتضع المعلم في الطريق، ألا وهو أن النصر وتأييد الله يكون مع تضحيات وصبر وجَلَد.

أختاه: إن الله عز وجل كثف في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم مواقف وأحداثا هي دروس وعبر لكل ما يمر في حياة المسلمين إلى يوم القيامة، وفي الآية الكريمة: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا) [سورة اﻷحزاب 21].

أختاه: لقد بذل الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه كل ما في طاقتهما لإنجاح الهجرة، وهذا هو الإعداد المطلوب من المؤمنين؛ فأعدي أختي أبناءك وأسرتك وخذي بأسباب النصر من إصلاح بيتك ومن حولك بما صلح به الأولون، فإن هذه الأمة لا يصلح آخرها أبدا إلا بما صلح به أولها.

فلا تغرنك الشعارات الزائفة، ولا تطلبي إلا رضى الله، فـ (مَنْ أَرْضَى اللهَ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللهُ، وَمَنْ أَسْخَطَ اللهَ بِرِضَا النَّاسِ وَكَلَهُ اللهُ إِلَى النَّاسِ).

ولم يطلب الله منك فوق استطاعتك، فلا تتنازلي بحجة عدم الاستطاعة (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) [سورة اﻷنفال 60].

فالإعداد هو أخذ بكل الأسباب المشروعة، والتوكل على الله اعتماد عليه سبحانه دون تعلق بالأسباب، مع أنه قد حدثت بعض الأمور الخارجة عن حدود التخطيط البشري في أثناء الهجرة؛ فالمشركون قد وصلوا إلى بيت الرسول صلى الله عليه وسلم قبل موعد الانطلاق، والمطاردون وصلوا إلى باب غار ثور، وسراقة بن مالك استطاع أن يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه، وبريدة الأسلمي وقومه مر بهم الرسول صلى الله عليه وسلم.

والدرس هنا أنك إذا قمت بما عليك وأخذت بما تستطيعين من أسباب، فلا تبالي بما يحدث من نقص خارج عن إرادتك؛ فقد أغشى الله عيون المشركين أمام بيت الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يروه وهو خارج، ولم يجعلهم يلقون نظرة واحدة داخل الغار حتى لا يروا المصطفى صلى الله عليه وسلم وصاحبه، وأساخ أقدام فرس سراقة في الرمال وألقى الرعب في قلبه، وشرح صدر بريدة وقومه للإسلام فآمنوا، وقد خرجوا مشركين فعادوا مسلمين.

لقد كان صلى الله عليه وسلم يعلم أن الأسباب لا تأتي بنتائجها إلا إذا أراد الله، ولذلك تمثل اليقين العظيم في كلمته الرائعة: «مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثُهُمَا» (صحيح البخاري [4663]) فقد أدَّى ما عليه، وما أراد اللهُ واقع لا محالة، والله متم نوره ولو كره الكافرون. وبدون هذا اليقين لا يمكن للدولة المسلمة أن تقوم.

إذن اجعلي يا أختي المسلمة الهجرة وما حصل قبلها وفي أثنائها ثم من تمكين بعدها معلما واضحا أمامك، وأقيمي شرع الله في بيتك، وربي أبناءك وأسرتك ومن حولك على الهوية الإسلامية، واحمي أبناءك وأسرتك ومن حولك من أحصنة طرواداتهم من مؤسسات تعليمية وإعلام ومنظمات تابعة لأممهم الملحدة..، وعلى المرأة الصالحة أن تجمع زوجها وأولادها وأسرتها ومن حولها لجنة عرضها السموات والأرض، لا أن تجمع الدنيا من زوجها.

* إن الهجرة تمايز للصفوف وبناء للأمة على الهُوية؛ فهل تعلمين أختي أهمية الهوية في الحفاظ على قوة الأمة؟

إن الإسلام وجه المسلمين لهذا في آيات القرآن الكريم، وآيات تحويل القبلة إلى المسجد الحرام مثال على هذا، يقول سيد قطب في تفسيره لآيات تحويل القبلة في الظلال: “… ولم يكن بد من تمييز المكان الذي يتجه إليه المسلم بالصلاة والعبادة وتخصيصه…، ومن هنا كذلك كان النهي عن التشبه بمن دون المسلمين في خصائصهم التي هي تعبير ظاهر عن مشاعر باطنة كالنهي عن طريقتهم في الشعور والسلوك سواء، ولم يكن هذا تعصبا ولا تمسكا بمجرد شكليات، وإنما كان نظرة أعمق إلى ما وراء الشكليات، كان نظرة إلى البواعث الكامنة وراء الأشكال الظاهرة. وهذه البواعث هي التي تفرق قوماً عن قوم..، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن اليهود والنصارى لا يصبغون، فخالفوهم».. نهى عن تشبه في مظهر أو لباس، ونهى عن تشبه في حركة أو سلوك، ونهى عن تشبه في قول أو أدب؛ لأن وراء هذا كله ذلك الشعور الباطن الذي يميز تصوراً عن تصور، ومنهجاً في الحياة عن منهج…” إلى آخر كلامه رحمه الله.

وفي قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [سورة البقرة 104] ” كشف دسائس اليهود وكيدهم للإسلام والمسلمين، وتحذير الجماعة المسلمة من ألاعيبهم وحيلهم، وما تكنه نفوسهم للمسلمين من الحقد والشر، وما يبيتون لهم من الكيد والضر، ونهى الجماعة المسلمة عن التشبه بهؤلاء الذين كفروا من أهل الكتاب في قول أو فعل، ويكشف للمسلمين عن الأسباب الحقيقية الدفينة التي تكمن وراء أقوال اليهود وأفعالهم، وكيدهم ودسهم، وألا عيبهم وفتنهم، التي يطلقونها في الصف الإسلامي” “الظلال ص ٩٩”.

وهل تعلمين أن كل من يحافظ على هوية دولته يقوم بهذا العمل؛ فدولة الاتحاد السوفيتي بقيادة روسيا ما بين عام ١٩١٧ إلى سقوطها عام ١٩٩١ لم تكن تسمح باستيراد الملابس المصنوعة من قماش الجينز للبلاد الواقعة تحت سيطرتها؛ لأنها من هوية الدولة المنافسة لها أمريكا.

فإذا علمت ذلك وجاهدت للعمل به.. ولم تلتفتي لتلبيسات الأبالسة أو تبريرات المغفلين وحججهم الداحضة..

فامضي حينئذ ولا تلتفتي وراءك خوفا من أحد حتى لو حصلت بعض الثغرات الناتجة عن الضعف البشري، فالله ناصرك ومؤيدك، والأهم من ذلك سيعطيك جنة عرضها السموات والأرض، يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه…

وآخر ما أختم به هو قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (لَعَلَّكَ يَا عَدِيُّ إنَّمَا يَمْنَعُكَ مِنْ دُخُولٍ فِي هَذَا الدِّينِ مَا تَرَى من حَاجتهم، فوالله لَيُوشِكَنَّ الْمَالُ أَنْ يَفِيضَ فِيهِمْ حَتَّى لَا يُوجد من يَأْخُذهُ، وَلَعَلَّكَ إنَّمَا يَمْنَعُكَ مِنْ دُخُولٍ فِيهِ مَا تَرَى مِنْ كَثْرَةِ عَدُوِّهِمْ وَقلة عَددهمْ، فوالله لِيُوشِكَنَّ أَنْ تَسْمَعَ بِالْمَرْأَةِ تَخْرَجُ مِنْ الْقَادِسِيَّةِ عَلَى بَعِيرِهَا حَتَّى تَزُورَ هَذَا الْبَيْتَ لَا تَخَافُ، وَلَعَلَّكَ إنَّمَا يَمْنَعُكَ مِنْ دُخُولٍ فِيهِ أَنَّكَ تَرَى أَنَّ الْمُلْكَ وَالسُّلْطَانَ فِي غَيْرِهِمْ، وَاَيْمُ اللهِ لَيُوشِكَنَّ أَن تَسْمَعَ بِالْقُصُورِ الْبِيضِ مِنْ أَرْضِ بَابِلَ قَدْ فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ).

والعاقبة للمتقين بإذن الله، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

لتحميل نسخة BDF من مجلة بلاغ اضغط هنا 

لمتابعة بقية مقالات مجلة بلاغ اضغط هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى