الباطنية واليهود علاقات حميمية – كتابات فكرية – مجلة بلاغ العدد ٤٨ – شوال ١٤٤٤هـ⁩⁩⁩⁩

الشيخ: إسماعيل بن عبد الرحيم حميد أبو حفص المقدسي

الحمد لله وحده لا شريك له، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه.. أما بعد؛

لم تجتمع ملل الكفر خاصة اليهود والمرتدين في شيء كما اجتمعت على عداوتها وحربها للإسلام، وإن لم تظهر هذا الاجتماع والتوافق بينها في وسائل الإعلام فهي تقوم بممارسة هذا الحقد من خلال تنسيقها المباشر وتعاونها المشترك في حربها العسكرية والإعلامية على الإسلام والمسلمين، وهذا الأمر ليس وليد اللحظة بل هناك جذور تاريخية تمتد لقرون طويلة في الحرب المشتركة على الإسلام الذي حطم آمال الإمبراطوريات التي تسلطت على البشرية وسرقت ثرواتها.

ولكي يتضح ذلك لا بد أن نعود إلى التاريخ؛ فالذي بدأ غرسَ بذرة الباطنية هو عبد الله بن سبأ اليهودي، في أواخر عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهذا باعتراف كتب الروافض أنفسهم.

وعبد الله بن سبأ من غلاة الزنادقة، وهو رأس الطائفة السبئيَّة التي كانت تقول بألوهيَّة عليِّ رضي الله عنه.

وقد كان عبد الله بن سبأ يهوديًّا يتظاهر بالإسلام، وأصله من اليمن ورحلَ لنشر فتنته إلى الحجاز، ثم البصرة، فالكوفة، ودخل دمشق في أيام عثمان بن عفان رضي الله عنه فأخرجه أهلها، فانصرف إلى مصر وجهر ببدعته.

وقد تناقل العلماء قديمًا وحديثًا أخبارَ فتنته وسعيَه في التآمر ودبّ الشقاقات بين المسلمين، هو وطائفته، وهذا مبسوط في كتب الفِرَق والتاريخ والرجال، عند أهل السنة والشِّيعة أيضاً.

ينظر مثلاً: “مقالات الإسلاميِّين” لأبي الحسن الأشعري (1 / 32)، “الملل والنِّحَل” للشهرستاني (1 / 174)، “تاريخ الطبري” (4 / 340)، “المقالات والفرق” للقمي الشيعي (ص 20)، و”فرق الشيعة” للنوبختي (ص 22).

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “وأول من ابتدع القول بالعصمة لعلي وبالنص عليه في الخلافة: هو رأس هؤلاء المنافقين عبد الله بن سبأ، الذي كان يهوديا فأظهر الإسلام وأراد إفساد دين الإسلام كما أفسد بولص دين النصارى” انتهى من “مجموع الفتاوى” (4 / 518).

– النصيرية العلوية واليهود:

تنتسب الفرقة النصيرية العلوية إلى أبي شعيب محمد بن نصير النميري البصري المتوفى في 270هـ / 883م.

إن طائفة النصيرية الشيعية جعلت من علي رضي الله عنه إلهًا، وقالوا بأن ظهوره الروحاني بالجسد الجسماني كظهور جبريل عليه السلام في صورة شخص، وأن ظهور الإله علي (تعالى الله عن ذلك) لم يكن إلا إيناسًا لخلقه وعبيده، وجدير بالذكر أن لهذه الفكرة شبيها في التلمود، حيث يذكر التلمود أن غير اليهود حيوانات خلقهم الله على صورة البشر لكي يفهموا لغة أسيادهم اليهود.

ويعتقد بعض النصيرية أن علياً رضي الله عنه يسكن السحاب بعد انفصاله عن الجزء البشري الذي كان يقيده، وإذا مرّ بهم السحاب قالوا: السلام عليكم يا أبا الحسن، ويقولون: إن الرعد صوته والبرق سوطه. وفكرة أن الرب في السحاب هذه توراتية؛ حيث اعتقد بعض بني إسرائيل أن الرب يسكن السحاب، وأن الرعد والبرق ظهور إلهي.

وبالانتقال إلى علاقة النصيرية العلوية الحديثة مع دولة الاحتلال اليهودي، وكيف تنازل المجحوم حافظ الأسد (النعجة) عن الجولان المحتل لصالح اليهود المحتلين، ويقدّم محمود جامع نفسه بأنّه كان صديقا مقرّبا من الرئيس أنور السادات (توفي في أكتوبر عام 1981 في حادث المنصّة الشهير في مصر)، وأنّه قد زار سوريا مع السادات في عام 1969 (كان السادات نائبا للرئيس جمال عبد الناصر)، وكان من ضمن الوفد المصري الزائر لسوريا آنذاك حسن صبري الخولي الممثل الشخصي لعبد الناصر وياسر عرفات رئيس حركة فتح، وكان رئيس الجمهورية السورية هو نور الدين الأتاسي وحافظ الأسد وزيرا للدفاع. يقول محمود جامع: “في صباح أحد الأيام اصطحبني السادات معه على انفراد ودون حراسة حيث كانت مخصصة لنا سيارة، وتوجهنا إلى هضبة الجولان بناء على رغبة السادات، وأقسّم بالله العظيم أنه وضع يده على كتفي ونحن واقفان على هضبة الجولان، وقال لي بالحرف الواحد: انظر يا محمود هذه هي الجولان، وهل يمكن لأية قوة أن تستولي عليها بهذه السهولة حتى لو كانت إسرائيل؟.. قال لي: سأخصك بسرّ خطير، وهو أنّ هذه الهضبة دفعت فيها إسرائيل مبلغ 100 مليون دولار آنذاك بشيك تسلمه كل من حافظ ورفعت الأسد، وأودع في حساباتهما في أحد بنوك سويسرا، وأنّ رقم الشيك موجود لدى عبد الناصر في خزانته”.

وقد فاجأ لوران فابيوس وزير خارجية فرنسا، مندوب النظام السوري لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري، أثناء مداولات مجلس الأمن بشأن اللاجئين السوريين، بوثيقة تعود الى عهد الانتداب الفرنسي على سورية الذي امتد من عشرينيات إلى منتصف أربعينيات القرن الماضي. وقال فابيوس مخاطباً الجعفري: “كفاك إشباعنا آراء ونظريات.. وبما أنك تحدثت عن فترة الاحتلال الفرنسي، فمن واجبي أن أذكّرك بأن جد رئيسكم الأسد طالب فرنسا بعدم الرحيل عن سورية وعدم منحها الاستقلال، وذلك بموجب وثيقة رسمية وقّع عليها ومحفوظة في وزارة الخارجية الفرنسية، وإن أحببت أعطيك نسخة عنها”.

وتوضح الوثيقة التي نشرتها «العربية» على موقعها أن زعماء الطائفة العلوية وبينهم سليمان الوحش (قبل تغيير اسم العائلة) جد حافظ الأسد، ناشدوا رئيس الحكومة الفرنسية آنذاك ليون بلوم، عدم إلحاق «الشعب العلوي» بسورية المسلمة التي تعتبرهم كفاراً، محذرين من مصير مخيف وفظيع ينتظر العلويين في حالة إرغامهم على ذلك.

ويضرب زعماء العلويين في هذا الصدد مثلاً بحالة اليهود الذين وصفوهم بـ «الطيبين» الذين يُذبحون مع أطفالهم في فلسطين، كأقوى دليل على أهمية القضية الدينية التي عند العرب المسلمين لكل من لا ينتمي إلى الإسلام -على حد تعبير الوثيقة-.

– القاديانية واليهود:

كانت بداية القاديانية التي تلقب نفسها بـ (الجماعة الإسلامية الأحمدية) في فلسطين حين وصل بعض أتباعهم إليها عن طريق حيفا، وكان في مقدمتهم ابن مؤسس الفرقة القاديانية وخليفته بشير الدين محمود أحمد عام 1924وحضر معه القادياني جلال الدين شمس الذي أسس مركز الجماعة في قرية الكبابير على قمة جبل الكرمل في حيفا، وقد تبع ذلك بناء أول معبد للجماعة هناك عام 1934، وكان ذلك برعاية حكومة الانتداب البريطاني المحتلة لأرض فلسطين آنذاك، وتم إعادة بناء ذلك المعبد في عام 1979 ويعرف تدليساً بمسمى (مسجد سيدنا محمود)، وأسس مجلة البشارة التي تحولت إلى البشرى -حالياً- وهي المجلة الأحمدية القاديانية الوحيدة في الديار العربية، والتي لا تزال تصدر في فلسطين المحتلة إلى وقتنا الحاضر.

وتضم قرية الكبابير الآن قرابة 3000 نسمة معظم سكانها من أتباع القاديانية، وما زال اهتمام الجماعة الأحمدية بالانتشار في العالم العربي والانطلاق نحو هذا العالم عبر فلسطين.

– البهائية واليهود:

المتابع لنشاط الفرق الباطنية في العالم العربي والإسلامي وبالأخص “البهائية” يجد أن مركز دعوتها الأساس أقيم في الأراضي التي احتلها اليهود في عام 1948م، والتي أسموها “دولة إسرائيل” فقَدم الكيان اليهودي كل الرعاية والدعاية لهم، وأقام المراكز والمعابد وسهل نشر أباطيلهم؛ ليصل نشاطهم إلى مناطق الضفة والقطاع وشرقي القدس على وجه الخصوص، والعالم العربي والإسلامي بالعموم.

فالبهائيون في فلسطين المحتلة يعاملون معاملة اليهود منذ قيام الكيان اليهودي على أرض فلسطين، وتُرعى معابدهم وتجمعاتهم كما ترعى المعابد والكنس اليهودية، ويوجد العديد من المحافل والمراكز والأماكن المقدسة للبهائية في عكا وحيفا والتي لها الصون والدعم الكامل والتسهيلات المفتوحة والترتيبات الكاملة لتهيئتها لتكون محجاً للبهائية وأتباعهم في العالم أجمع.

وللبهائية علاقات وطيدة مع الكيان اليهودي منذ بدايته؛ فقد أيد البهائيون تجمع اليهود في فلسطين، ولهذا يحرم البهائيون الجهاد وحمل السلاح وإشهاره ضد الأعداء ولا سيما اليهود، ويَدعُون إلى السلام المطلق مع اليهود وتقبل الأمر الواقع على أرض فلسطين.

والإعلام اليهودي يساند البهائية ويبرزها على أنها حركة رائدة في مجال الفكر الإسلامي، وقد كافأهم ورعاهم الكيان اليهودي بأن أنشأ لهم بناية ضخمة في حيفا على جبل الكرمل في إبريل 1983م، أطلقوا عليها مسمى “بيت العدل”؛ لتكون مقراً لمركز البهائية الذي يديره تسعة بهائيين؛ حيث كلف بناؤها أكثر من 250 مليون دولار.

والبهائية تقتفي أثر اليهودية في نظرتها إلى علامات يوم الخلاص، حيث تعتبر أن قضية الخلاص مرتبطة بعودة اليهود إلى “أرض الأجداد” -بزعمهم-، وبهذا الخصوص كتبت لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة تقريراً أشارت فيه إلى أن “علاقة البهائيين باليهود في فلسطين هي أعمق من علاقة المسلمين بفلسطين، وأن البهائيين يدعمون تشكيل دولة صهيونية”.

– الدروز واليهود:

كان من أولويات الكيان اليهودي فور إنشائه في العام 1948م انتقاء الدروز من بين العرب وتمييزهم عنهم واحتواؤهم، وفي المقابل رأى دروز فلسطين كيان اليهود فرصة للعب على التناقضات بين المسلمين واليهود خروجاً بأعلى مكسب يمكن أن تحققه أقلية لا يزيد عن 250 ألفاً بين عرب يزيد تعدادهم عن 250 مليونا “أي 1 في الألف فقط”.

وقد بدأت الاتصالات مبكراً بين نشطاء الحركة الصهيونية والدروز منذ عام 1930م، وخلال هذا وقَّع معظم زعماء الدروز على البيان الذي يعلن أن موقف الطائفة الدرزية من “النزاع اليهودي الفلسطيني” هو موقف محايد.

وفي عام 1948م بعد إعلان قيام “دولة اليهود” انصرف جل اهتمام اليهود إلى تحقيق أقصى استفادة عسكرية من وجود الدروز، بعد أن تأكدت نيتهم بالتعاون غير المحدود مع الكيان الصهيوني؛ مما دفع الاحتلال اليهودي إلى إنشاء وحدة خاصة في الجيش هي وحدة الأقليات، كما نجحت الآلة العسكرية الصهيونية في استعمال الشبان الدروز لأكثر أدوارها فظاعة وقسوة بحق أهل فلسطين، ويبلغ عدد الدروز حالياً في الجيش الإسرائيلي قرابة 19000 مجند، فهم عملياً عناصر المهمات القذرة في قوات الاحتلال، بدءا من الصورة التقليدية الرائجة للجندي الدرزي في حرس الحدود، الذي يقتحم البيت الفلسطيني في الضفة الغربية أو قطاع غزة ليمارس الترويع، وانتهاء بقائد سرية يمارس أبشع المهمات.

والوقوف في صف الاحتلال اليهودي ضد الفلسطينيين، باركه وأيده شيخ الطائفة في فلسطين وزعيمها الروحي (موفق طريف)، فهو لا يعارض أن يخدم الدروز في جيش الاحتلال، وفي مقابلة له مع صحيفة (الصنارة العربية) الصادرة في فلسطين المحتلة في شهر تشرين الأول – أكتوبر 2004م طالب طريف الدروز بالإخلاص لدولة اليهود، والقتال تحت علَمِها.

وللوقوف على أسباب ذوبان دروز فلسطين في المشروع الصهيوني كتب سليمان الناطور: “إن أقطاب الحركة الصهيونية فطنوا إلى حقيقة الخلافات المذهبية بين الدروز وباقي العرب الفلسطينيين، فاتصلوا بهم من أجل تعميق هذه الخلافات وتشعيبها وأقاموا معهم علاقات حميمة، وقد برز من بين القادة الصهاينة في هذا المجال “أبا حوشن”، رئيس بلدية حيفا في ذلك الوقت الذي أقنع الكثيرين من الدروز بالتعاون مع المنظمات الصهيونية العسكرية قبل الإعلان عن الدولة العبرية وخصوصاً “الهاجناة” وبعد إقامة الدولة العبرية صادرت الحكومة الإسرائيلية معظم الأراضي التي تعود للدروز، فحرموا من مصدر رزقهم الوحيد: الزراعة، وبذلك وجد الدروز في الخدمة في الجيش الإسرائيلي مصدراً للرزق، حتى إن الكثيرين من القيادات الدرزية قد وقَّعت في العام 1955على عريضة تطالب الحكومة الإسرائيلية بفرض الخدمة الإجبارية على الدروز، وهذا ما كان في العام الثاني”.

ونظراً لصعوبة تمييز الدروز عن بقية العرب من حيث الشكل واللغة، فقد انخرط عدد كبير منهم في أجهزة الاستخبارات “الإسرائيلية” المختلفة، ووحدات المستعربين التي تعنى باغتيال واختطاف ناشطي جماعات المقاومة الفلسطينية، وكذلك في المهمات التجسسية كما حدث في مصر مع الجاسوس الدرزي (عزام عزام)، ونسبة 40 % من القوى العاملة الدرزية يعتاشون على الخدمات الأمنية والعسكرية أي بانضمامهم إلى جيش الاحتلال.

ومع كل هذه الخدمات التي قدمتها الطائفة الدرزية للمشروع الاحتلالي في فلسطين والإخلاص المنقطع النظير لهم إلا أنهم يعاملون معاملة مجحفة في كثير من الأحيان من المؤسسات اليهودية، على اعتبار أنهم عرب، فهم مستثنون من العمل في المواقع المهمة في الكيان الصهيوني، وهم كما وصفهم الصحفي صالح النامي “عرب في الحقوق.. يهود في الواجبات”، وهذا دفع بعض الناشطين من دروز فلسطين إلى المطالبة بالتساوي في الحقوق والامتيازات باليهود.

– أخي القارئ الكريم: نقلت لك بعض الحقائق عن علاقة الفرق الباطنية مع أعداء الله من اليهود، وقد تكون فاتتني كثير من المعلومات المهمة في هذه العلاقة الخبيثة التي جمعت بين شر الخلق، والذين لا يجتمعون في شيء كما يجتمعون في عداوتهم للإسلام والمسلمين.

وسيأتي اليوم الذي ينتهي فيه هذا الاجتماع وينقلب السحر على الساحر، يقول الله تعالى: (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ).

هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى