معركة التغيير والأخطاء القاتلة / 19 – داء التغلب البدعي || كتابات فكرية || مجلة بلاغ العدد ٢٧ – المحرم ١٤٤٣ هـ

الدكتور: أبو عبد الله الشامي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.. أما بعد:

ففي قوله تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} يقول السعدي رحمه الله: «{وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} لأن الظلم من صفة النفوس {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} فإن ما معهم من الإيمان والعمل الصالح، يمنعهم من الظلم {وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} كما قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}» انتهى كلامه رحمه الله.

ومن خلال ما سبق؛ يتضح سبب ما ابتليت به ساحات الجهاد ودفع الصائل من كثرة البغي وشهوة التغلب والرئاسة وما نتج عنه من إضعاف للساحات وإهدار للطاقات وتعطيل للقدرات وتسلط للأعداء، وإن العاقل المتجرد ليجد أن ذلك كله يحدث من خلال:

1 – دعاوى الاعتصام الزائفة التي يراد منها التغطية على شهوة التغلب والرئاسة وحالة الاندماج القسرية الابتلاعية الإلغائية.

2 – قياس الإمارة الخاصة على الإمامة العامة، وإعطاؤها أحكامها المطلقة زمانًا ومكانًا.

3 – عقلية جبرية ملكت القوة فترجمت ذلك نموذجًا جبريًا بدعيًا في التعاطي مع مسائل الإدارة، ومع الخصوم، ومع الأعداء.

4 – تغليب المصلحي المتوهم على الثابت المتيقن والمصلحي المعتبر.

5 – حزبية مقيتة ومرجعيات شرعية على مقاس اجتهادات الحزب واختياراته، الأمر الذي أفرز فقهًا انتقائيًا تلفيقيًا ومنهجًا تبريريًا متلونًا، ضاعت معه المصداقية وفقدت الثقة وتناقضات الفتاوى.

6 – تسييس تهم الغلو والإرجاء والإفساد والعمالة.

كل ما سبق ترجم باقتتالات بينية – بتكييفات مصلحية حزبية – ونتائج كارثية استفاد منها الأعداء – توظيفًا واحتواءً وشيطنة – في تنفيذ أجنداته الرامية إلى وأد ثورات الشعوب المسلمة وجهادها المبارك، والتمكين لمنظومات الحكم العميلة.

وأمام ذلك كله وفي ساحات معقدة ومتشابكة داخليًا -حيث تكثر المشارب والتوجهات-، وخارجيًا -حيث يكثر المتربصون من الأعداء-، من المهم وضع معالم عامة للتعاطي السني مع داء التغلب البدعي ومنها:

1 – الكلام السابق يخص الجماعات والأحزاب -السنية منها والبدعية- ضمن دائرة الإسلام ولا يتناول الجهات الخارجة، أو ثبت خروجها من دائرة الإسلام -بطريقة سنية- فهذه لها تكييفها المعلوم وطريقة التعاطي المعروفة.

2 – القاعدة في ساحات دفع صيال الأعداء تجنب الاقتتالات الداخلية إلا اضطرارًا دفعًا للصائل، والاتفاق على منعها ولو بالقوة من أهل العلم والعقلاء من جميع الجهات.

3 – أحكام دفع الصائل المسلم وأحكام الخروج والبغي قواعد متفق عليها شرعًا ويعتريها أثناء التطبيق التسييس الداخلي من ناحية، والالتقاء مع الأجندات الخارجية من ناحية ثانية، الأمر الذي يحتاج معه إلى تدقيق وتبين وتقوى.

4 – أهل العلم -غير المتحزبين- والعقلاء والوجهاء والجنود الصادقون هم بمثابة صمام أمان في منع الاقتتال وأطر الظالم، ومعرفة الصادق من الكاذب، وتبيان حال الغلاة والجفاة والخوارج والبغاة والمفسدين والمتلاعبين.

وفي ضوء ما سبق يتضح الآتي:

1 – الظلم من صفة النفوس، وهو سبب ما ابتليت به ساحات الجهاد ودفع الصائل من كثرة البغي وشهوة التغلب والرئاسة وما نتج عنه من إضعاف للساحات وإهدار للطاقات وتعطيل للقدرات وتسلط للأعداء.

2 – كثرة البغي وشهوة التغلب غالبًا تتم من خلال دعاوى الاعتصام الزائفة وقياس الإمارة الخاصة على الإمامة العامة، وإعطائها أحكامها المطلقة زمانًا ومكانًا، وعقلية جبرية ملكت القوة وتغليب المصلحي المتوهم على الثابت المتيقن والمصلحي المعتبر، وحزبية مقيتة، ومرجعيات شرعية على مقاس اجتهادات الحزب واختياراته، وتسييس تهم الغلو والإرجاء والإفساد والعمالة.

3 – التعاطي السني مع داء التغلب البدعي يكون ب:

– التربية الإيمانية والجهادية المثمرة للتقوى المانعة للظلم.

– تعزيز فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتبيان الحق، وأطر الظالم، وتعرية البدعي والمتلاعب، وهذا دور العلماء الربانيين وطلبة العلم الراسخين بالدرجة الأولى، يقول تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}: يقول ابن كثير رحمه الله: «{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ} أي: منتصبة للقيام بأمر الله، في الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} قال الضحاك: هم خاصة الصحابة وخاصة الرواة، يعني: المجاهدين والعلماء، والمقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من الأمة متصدية لهذا الشأن، وإن كان ذلك واجبًا على كل فرد من الأمة بحسبه، كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان” وفي رواية: “وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل“».

 

والحمد لله رب العالمين.  

هنا بقية مقالات مجلة بلاغ العدد ٢٧ المحرم ١٤٤٣ هـ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى