وقفات مع عبادة انتظار الفرج – كتابات فكرية – مجلة بلاغ العدد السادس والثلاثون شوال ١٤٤٣ هـ
الدكتور: أبو عبد الله الشامي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.. أما بعد:
فإن الله تعالى يطيل طريق النصر ابتلاء واختبارا، والسعيد من أكرمه الله بالصبر والاحتساب والثبات والاستمرار حتى نيل إحدى الحسنيين؛ وفي هذا السياق تبرز عبادة انتظار الفرج تحقيقا لحسن الظن بالله والثقة بموعوده بأن العاقبة للمتقين في الدنيا والآخرة، ومن المهم جدا والأمة تتعرض لحملة غير مسبوقة من الاحتلال والتغريب أن يتم توضيح معنى هذه العبادة وأثرها، وهذا ما سأتناوله في هذه الوقفات التي أسأل الله أن ينفع بها، فأقول وبالله التوفيق:
الوقفة الأولى – معنى عبادة انتظار الفرج:
في قوله تعالى: ((حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ)) يقول ابن كثير رحمه الله: «يخبر تعالى أن نصره ينزل على رسله، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، عند ضيق الحال و”انتظار الفرج” من الله تعالى في أحوج الأوقات إلى ذلك، كما في قوله تعالى: ((وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ))» وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد رحمه الله قوله: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأنَّ الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا) يقول ابن رجب رحمه الله: «ومن لطائف أسرار اقتران الفرج بالكرب واليسر بالعسر، أن الكرب إذا اشتد وعظم وتناهى وحصل للعبد اليأس من كشفه من جهة المخلوقين؛ تعلق قلبه بالله وحده، وهذا هو حقيقة التوكل على الله، وهو من الأسباب التي تُطلب بها الحوائج، فإن الله يكفي من توكل عليه، كما قال جل من قائل: ((وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ))»، ويقول أيضا: «إذا اشتد الكرب وعظم الخطب، كان الفرج حينئذٍ قريبا في الغالب، قال تعالى: ((حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ))».
الوقفة الثانية – عبادة انتظار الفرج بالمفهوم الصحيح تقي بإذن الله من محذورين خطيرين:
1 – الاستعجال وتفويت الثمرة (لكنكم تستعجلون).
2 – استبطاء النصر واستطالة طريقه والنكوب عنه إلى مزالق الباطل ودركات التنازل.
الوقفة الثالثة – المعنى الإيجابي للتربص والانتظار والارتقاب:
في سياق الكلام عن عبادة انتظار الفرج من المهم توضيح المفهوم السني للتربص والانتظار والارتقاب المذكور في كتاب الله تعالى.
1 – التربص: قال تعالى: ((قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ))، وقال سبحانه: ((قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ))، أي: انتظروا فإني منتظر معكم، وستعلمون لمن تكون العاقبة والنصرة في الدنيا والآخرة.
2 – الانتظار: ((قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ)).
3 – الارتقاب: ((فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ))
يقول السعدي رحمه الله: «(فَارْتَقِبْ) أي: انتظر ما وعدك ربك من الخير والنصر ((إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ)) أي: ما يحل بهم من العذاب، وفرق بين الارتقابين: رسول الله وأتباعه يرتقبون الخير في الدينا والآخرة، وضدهم يرتقبون الشر في الدنيا والآخرة».
فالمقصود أن أتباع الرسل في كل زمان ومكان تجري فيهم هذه السنة، والواجب في حقهم في هذه الحال الصبر والثبات والاستقامة وانتظار الفرج والعاقبة الحسنة، وألا يزيدهم تكذيب الخلق وأذاهم إلا صبرا وثباتا واستمرارا في الدعوة إلى الحق حتى ينالوا إحدى الحسنيين ((وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا)) فاصبر كما صبروا، تظفر كما ظفروا.
والحمد لله رب العالمين.