نبذة عن كتاب الاختلاط (تحريرٌ وتقريرٌ وتعقيب) للشيخ عبد العزيز الطريفي مقالات مجلة بلاغ العدد ٦٥ – ربيع الأول ١٤٤٦ هـ
من مشاركات القراء
من سمات العلماء الربانيين الاهتمام بقضايا الأمة التي تحياها بعيداً عن المعارك الجدلية الذهنية الباردة التي لا تنفع الأمة في قليلٍ ولا كثيرٍ، كما أن من سماتهم التصدي للزائغين الذين يريدون إضلال الأمة وحرفها عن دين ربها تبارك وتعالى وسنة نبيها ونهج الصحب الكرام.
وبين أيدينا اليوم كتابٌ من الكتب المهمة التي تعالج موضوعًا في غاية الأهمية وهو الاختلاط لعالمٍ من العلماء الربانيين ـ نحسبه والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدًا ـ وهو الشيخ الجليل والعالم الراسخ والبحر الزاخر عبد العزيز الطريفي فك الله أسره.
هذا الكتاب يتناول موضوع الاختلاط بين الرجال والنساء مبتدئاً بمقدمةٍ عظيمة النفع غزيرة الفوائد تحدث فيها عن الأثر السلبي لمخالطة الباطل فقال:
“أعظمُ ما يُحيل الإنسانَ عن الحق، ويحيده عنه، هو كثرة مخالطة الباطل حسًا ومعنىً، بلا معرفةٍ سابقةٍ بالحق محكمةٍ، وكما جاء في الأثر “كثرةُ النظر في الباطل تُذْهِبُ بمعرفة الحق من القلب”، ولهذا جاءت النصوص في الوحيين بالتحذير من الخوض في الباطل وإدامة النظر فيه أو الجلوس بين المبطلين {فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [النساء:140] لأن القلب يُشرب الفكرةَ والرأيَ شيئًا فشيئًا، حتى تستحكم منه”.
وبيّن في المقدمة النافعة أن إعمال العقل المجرد أمرٌ نادرٌ بل لا بد للإنسان أن يتأثر حكمه بعوامل خارجيةٍ تجعل الحكم العقلي المجرد في غاية الندرة، كما بيّن أن جدة الاصطلاح لا تؤثر على التحريم والتحليل إذ العبرة بالحقائق والمعاني وليس بمجرد الألفاظ، كما نبه إلى خطورة التنبه إلى المآلات “والعالِمُ وعلى الأخص من تولى مسؤوليةً يجب عليه أن يفرق بين الحالات ويدرك المآلات، ويميز بين قضايا الأعيان المتشابهة في الحال، المختلفة في المآل، والتفريق بين المنكرات العارضة، والمنكرات المقننة، فالمنكر العيني العارض ولو كَبُرَ (إلا الشرك) أهونُ من المنكر الصغير الذي يراد له التقنين”.
ثم بيّن أن تحريم الاختلاط متفقٌ عليه عند أهل العلم منذ القرن الأول إلى يوم الناس هذا وقام بنقل النصوص عن أهل العلم من المذاهب الأربعة وغيرهم.
“ويكفي المنصف أنه لا يُعلم عالمٌ على مر قرون الإسلام الخمسة عشر قال بجواز الاختلاط في المجالس والتعليم والعمل، وكنتُ طالبًا للإنصاف، وَتَحَصَّلَ لي أكثر من مائة عالمٍ وفقيهٍ عبر تلك القرون يقطعون بعدم الترخيص فيه، بل رأيت منهم من يسقط عدالة فاعله، بل وقوامته على الأعراض”.
ثم بيّن حرمة الاختلاط في السنة وساق عددًا من الأحاديث:
“ومن ذلك ما روى أبو داود في سننه عن أبي أسيد الأنصاري “أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء «استأخرن فإنه ليس لكن أن تَحْقُقْنَ (أي ليس لكن أن تسرن وسطها) الطريق عليكن بحافات الطريق» فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به”.
– ومن ذلك ما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «خيرُ صفوف الرجال أولها وشرُّها آخرها، وخيرُ صفوف النساء آخرها وشرُّها أولها» وهذا في حال الصلاة وفي موضع العبادة، فكيف بغيره، والرجالُ حالَ الصلاة مستدبرين النساء، مع ذلك استحق هذا الوصف لوجود التقاء عارض عند الدخول والخروج، فكيف لو تحصَّلَ اجتماعٌ وجلوسٌ وتقابلٌ، بل كيف لو لم يكن ذلك في موضع عبادة”.
ثم عرض للشيخ للشبهات التي يوردها من في قلبه مرضٌ لتسويغ الاختلاط المحرم وبين أن بعضًا منها منسوخٌ لا يجوز الاحتجاج به وبعضًا منها مجملٌ لا دليل فيه وبعضًا منها قد فُهم على غير وجهه والسبب في ذلك هو الهوى الذي يُعمي الإنسان عن اتباع الحق، ويصرفه عن تبصّر الأدلة الواضحة القاطعة بين يديه.
نسأل الله أن يتقبل من الشيخ الطريفي عمله وأن يبارك له في علمه وأن يعجل بفك أسره ورده إلى أمته سالمًا.