مائة سنة والثورة مستمرة || كلمة التحرير || مجلة بلاغ العدد الثاني والعشرون شعبان ١٤٤٢ هجرية
كلمة التحرير
انتشرت ظاهرة المواسم والذكريات السنوية، وأصبحت تشمل ذكرى حوادث كثيرة في مختلف جوانب الحياة، ورغم عدم صحة اتخاذ المواسم الْمُحدثة أعيادا فإنه لا مانع من التنبيه أحيانا على بعض المعاني والتنبيهات المهمة.
ففي هذه الأيام يحتفل بعض الناس بالذكرى السنوية العاشرة على قيام الثورة السورية ضد النظام النصيري في الشهر الثالث من عام 2011م، ورغم أنه مرت حقا عشر سنين على انطلاق الثورة السورية الأخيرة فإن هذه الثورة الأخيرة ما هي إلا حلقة من سلسلة ثورات قامت خلال المائة سنة الأخيرة والتي بدأت بالثورة على الاحتلال الفرنسي الذي دخل سوريا قبل مائة سنة في الشهر السابع من سنة 1920 بعد معركة ميسلون، وهو الاحتلال الذي أوصلنا لما نحن فيه اليوم.
لقد ثار الشعب السوري على الاحتلال الفرنسي قبل أن تصل جنوده دمشق في معركة ميسلون، وانطلقت الثورة من المدن والقرى في دمشق وحلب وحوران والغوطتين والقلمون وغيرها، وعرف التاريخ كثيرا من الأبطال الذين واجهوا ذاك المحتل الغاشم..، ويكفي أن تعلم أن الشيخ البطل عز الدين القسام قبل أن تعرفه جبهات فلسطين مجاهدا ضد اليهود والبريطانيين، كان مجاهدا في أرض سوريا ضد الفرنسيين وأبلى بلاء حسنا في منطقة الساحل السوري.
واستمرت الثورة السورية بأشكالها المتنوعة خمسة وعشرين عاما حتى خرج المحتل الفرنسي، ولكنه خرج بعد أن وطد بالمكر السيئ أقدام عملائه وعملاء الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الثانية، ودعم من يومها هو ودوله الحليفة عبيده العلمانيين من قوميين واشتراكيين وناصريين وبعثيين..، وصدق الأستاذ علي الطنطاوي الذي كتب عند جلاء الفرنسيين على لسان حال أحد عملائهم يقول: “سأصنع في ليالٍ معدودات ما لم تصنعوه أنتم في ربع قرن وتسعة أشهر، سأريكم قوتي، وليست القوة أن تسوق على عدوك العسكر اللجب والمدافع والدبابات تضرب بها قلعته، ولكن القوة أن تأتيه باسماً مصافحاً، فتحتال عليه حتى يفتح لك قلعته بيده فإذا أنت قد امتلكتها بلا حرب ولا ضرب..، وأنا أعرَف بأهل بلدي وإن لم يكن دينهم من ديني؛ إنهم لا يؤتَون بالقوة ولا تنفع فيهم، وقد جرّبتم ورأيتم، فما قتلتم منهم كارهاً لكم إلا وُلد عشرة هم أكره منه لكم، وما هدمتم دارا من دورهم إلا هدمتم معها ركناً من انتدابكم عليهم، ولا أشعلتم النار في حيّ لهم إلا كانت هذه النار حماسة عليكم في قلوبهم ونار ثورة تُتعِبكم”.
خرج المحتل الفرنسي ووسد عملاءه في السلطة، فاستمرت الثورة على عملائه جيلا بعد جيل حتى برز الشيخ مروان حديد فأبلى بلاء حسنا هو وتلامذته تقبلهم الله، ورغم المجازر التي ارتكبها السفاح حافظ الأسد وقتها إلا أن الثورة ظلت مشتعلة في قلوب الناس تنتظر ساعة الصفر التي دقت في سنة 2011 لتعيد الأمة أمجاد آبائها الذين صدقوا وسبقوا في مقاومة المحتل وزبانيته المجرمين.
فنحن اليوم لسنا في الذكرى العاشرة فقط لقيام الثورة، بل نحن اليوم في ظل ثورة بدأت قبل مائة سنة وهي مستمرة لليوم، وخصمها ليس السفاح بشار وحده، بل خصمها كل عملاء الاحتلال ممن ينوبون عنه في حرب الإسلام ونشر الكفر وحماية الصهاينة وسرقة خيرات البلد، سواء رفع العملاء راية البعث أو الاشتراكية أو الناصرية أو أي راية علمانية أخرى.
فجزى الله خيرا جموع الثائرين الصادقين الصابرين المصابرين، أولهم وآخرهم، سابقهم ولاحقهم، الذين شردوا المحتلين وأعوانهم المرتدين، فالله حسيبهم وهو مولاهم فنعم المولى ونعم النصير.