ما بعد هزيمة بشار.. الفرص والمخاطر – مجلة بلاغ العدد ٦٨ – رجب ١٤٤٦ هـ
الأستاذ: حسين أبو عمر
بدايةً؛ نحمد الله أن نزع ملك بشار، وأذله وجندَه وأنصارَه وحلفاءَه، كما نحمده سبحانه على فكاك الأسرى والأسيرات، وعلى تخليص بلادنا وأهلينا من تسلط وظلم عصابة الطغيان والإجرام.. عصابة الكيماوي والبراميل.. عصابة المكابس والمسالخ البشرية في صيدنايا وغيرها من المسالخ، التي يندى لها جبين البشرية..
كيف حصل هذا الانهيار السريع والمفاجئ لجيش بشار وميليشاته وحلفائه؟ بالرغم من أهمية معرفة قدراتنا وأسباب انهيار العدو في إعطاء الفرص والمخاطر حجمها الحقيقي؛ إلا أني مضطر لإرجاء التعليق على ذلك إلى أجل.. وعلى كل حال، فقد كان معلوماً للجميع أننا متى ما أسقطنا بشار ستواجهنا تحديات جديدة سيتوجب علينا مواجهتها، سواء سقط بشار سريعا أم ببطئ؛ فالحمد لله الذي منحنا هذا النصر، وهذه الفرصة..
*الفرص على الصعيد الداخلي:
لا شك أننا اليوم في حال لا تقارن بما كنا عليه قبل النصر؛ إذ باتت معظم مساحة البلد تحت سيطرة المجاهدين، بعد أن كنا محاصرين في جيب صغير في إدلب، وأصبح جزء جيد من إمكانيات وثروات الدولة بحوزتنا. وبسقوط بشار ورؤوس نظامه زال أهم حجاب كان يحول بين الناس والدعوة، إذ أن أصحاب المُلك والملأ هم أهم الحجب التي تحول بين الناس والدعوات، كما هو معلوم من التاريخ؛ كما أن النجاح والانتصارات من أهم وسائل الإبهار والجذب للأفكار، ومن أهم أدوات القوة الناعمة، والكثير من النفوس تعرف الحق بحسب القوة المادية والانتصارات التي يحققها؛ فكيف إذا أضيف إلى ذلك أن هذا النصر قد أخرج الناس من وضع مأساوي كانوا يعيشونه، مأساوي بكل ما تحمل الكلمة من معنى؛ فسيكون الإقبال أشد؛ فبتحقق هذا النصر بات من السهل إرجاع الناس إلى الدين، وإدخالهم في الدعوة.. {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا} [النصر:2-1].
كما أننا كنا قد راكمنا خبرات، وأصبح عندنا كوادر في مجالات شتى تمكننا من الاستفادة من الواقع الجديد، وغالبيتها أبدت استعدادها للمشاركة في المحافظة على المكتسبات وفي البناء، ولا ينقصنا إلا أن تُستثمر هذه الخبرات وهذا الإمكانات وهذا الواقع الجديد بشكل جيد.
بالإضافة إلى أن الكثير من نخب وكوادر الأمة منفتحون اليوم علينا، ومستعدون لتقديم العون والدعم.
*على الصعيد الدولي والإقليمي:
لا شك أن الهزيمة التي مُنيت بها أمريكا وحلفاؤها في أفغانستان قد أزالت صورة الغرب الذي لا يُقهر من أذهان كثير من الناس، وأحدثت تلك الهزيمة مع مجيء ترامب إلى الحكم تهلهلا في المعسكر الأمريكي، وكذلك صعود الصين وما تشكله من خطر على نفوذ أمريكا وهيمنتها على العالم، واستدارة أمريكا نحوها والدخول في منافسة حادة معها، بالإضافة إلى الحرب الروسية – الأوكرانية صرفت الكثير من تركيز أمريكا عن منطقتنا، وأثرت حتى على بعض تحالفاتها في المنطقة.
أما عن حلفاء النظام، فإن تورط روسيا في المستنقع الأوكراني أشغلها إلى حد معين عنا، وسيبقى تركيزها منصرفا عنا طالما بقيت حرب الاستنزاف في أوكرانيا مستمرة. بينما أدت حرب لبنان إلى خروج الإيرانيين وحزب الله خارج المعادلة في سوريا بشكل شبه كامل.
أزمة اللاجئين، والخوف من موجات لجوء جديدة، ستدفعان بعض الدول للسعي من أجل استقرار البلد بغض النظر عن رؤيتهم تجاه ما حصل..
*المخاطر:
ذكرت ضمن الفرص أننا بتنا نمتلك خبرات وكوادر في مجالات شتى؛ لكن في الحقيقة، إن أعداد هذه الكوادر مجتمعة وخبراتها غير كافية إلا لتغطية جزء يسير مما فُتح علينا؛ وأما أعداد المجاهدين فهي أقل بكثير من أن تغطي مساحة البلد، ومن أن تستطيع المحافظة على المكتسبات التي امتن الله علينا بها؛ وأمام هذا النقص الكبير في الكوادر والقواعد، مازال القوم يتعاملون بعقلية التفرد بكل شيء، وعدم إشراك حتى أقرب الناس إليهم في الأمر!!
ومن المخاطر التي مازالت قائمة هي الفصائل الانفصالية الكردية في شمال شرق سوريا، واستمرار سيطرتها على معظم حقول النفط، بالإضافة إلى الأراضي الزراعية الخصبة، والفصائل الدرزية في الجنوب؛ وإصرار الطرفين على شكل من أشكال التقسيم، سواءً تحت مسمى اللامركزية أو الفيدرالية، أو غير ذلك من المسميات.. وكذلك قوات أحمد العودة في ريف درعا، وقوات سوريا الحرة المدعومة من قبل الأمريكيين في منطقة التنف، بالإضافة إلى فلول النظام، والحركات العلمانية التي باتت ترفع رأسها وصوتها..
بعض هذه النزعات، وهذه التجمعات هي مشاريع جيوسياسية استثمرت فيها دول لسنوات طويلة، ومازالت تحصل هذه التجمعات على الغطاء وعلى الدعم السياسي والعسكري والأمني من تلك الدول، فليس من السهل أن تتخلى عنها بهذه البساطة؛ بل وأصبحت ترى دول أخرى في هذه النزعات فرصة للاستثمار وتحقيق نفوذ جيوسياسي؛ الصهاينة -على سبيل المثال- يتحدثون صراحة عن إنشاء تحالف أقليات مع الدروز والأكراد، وعن ممر يربطهم بكردستان (ممر داود).
وإن كانت حركات الكيان بخصوص سوريا حاليا بطيئة؛ وذلك غالبا لأنهم لديهم نية لإجبار إيران على التخلي عن مشروعها النووي، أو تدميره، مع قدوم ترامب، ثم بعد ذلك يحولون جهدهم إلى سوريا.
كما أن الكيان قد دمر جزءًا مهمًا من الأسلحة الاستراتيجية، وفي نفس الوقت لم يشمل تخفيف العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا وزارتي الدفاع والداخلية، ما يعني تخويف الدول من توقيع عقود مع هذه الوزارات، والإبقاء على الجيش الجديد ضعيفا. بل ولم ترفع أمريكا التصنيف عن قائد هيئة تحرير الشام؛ ربما من أجل الابتزاز فقط، وربما لتسهيل الانقلاب على الوضع الحالي لاحقا.
وكذلك، ترى الدول التي دعمت الثورات المضادة في السابق في الواقع الجديد مهددًا لعروشها وسلطانها، ولذلك ستسعى لإفشاله والانقلاب عليه.
هذا طرفٌ من الفرص والمخاطر التي تواجهنا، وليس المقود تقصيها كلها.. وأنبه إلى أن الإشكاليات الداخلية أكبر وأعمق مما كانت عليه في ليبيا، والموقع الجغرافي أهم، والتداخلات الدولية أكثر وأعمق؛ وبالرغم من كل ذلك يصر البعض على صنع صورة وردية للواقع وللمستقبل، ويجزم بعدم إمكانية حصول سيناريو مشابه لما حصل في ليبيا!!