ثياب العيد – ركن_المرأة – مجلة بلاغ العدد ٤٨ – شوال ١٤٤٤هـ
الأستاذة: خنساء عثمان
بسم الله الرحمن الرحيم
ها قد رحل شهر رمضان، يحمل معه ما سجلته الملائكة في صحائف أعمالنا، من طاعات وغيرها، لِيُغْلَقَ ملف هذا الشهر ثم لا يفتح إلى يوم القيامة، يوم الحساب والجزاء، يوم الجائزة أو العقاب…
وجاء شهر شوال يحمل معه هدية من الله الودود، عيدا يفرح به المؤمنون في الدنيا زيادة على ما ينتظرهم من أجور في الآخرة، عيداً الفرح فيه عبادة، تماما كما الصيام والقيام في رمضان عبادة.
وهنا تتجلى عظمة ديننا ورحمة ربنا؛ نشكر الله لإنعامه فنؤجر، ونصبر على طاعته ونرضى بأقداره فنؤجر أيضاً، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.
وليمت أعداء الله بغيظهم فلن ينالوا خيرا، ولن يحصلوا على ما يتمنونه، فمن اعتصم بالله وأسلم وجهه لله وعلم أن منهج الله متكامل يراعي الدنيا والآخرة والروح والمادة…، لا يلتفت للشرق أو الغرب يستجدي مناهجهم البشرية المتهالكة والمهلكة لأهلها ولمن يقلدونهم…، نعم يقلدونهم ويتركون منهج خالق السموات والأرض؛ مثلهم في ذلك كمن يترك اللحم الطازج رغبة عنه ويأتي للحم النتن رغبة فيه.
فهل عرفنا هذه المعاني في عيدنا الذي هو شعيرة من شعائر الله لها آدابها ولها تعظيمها (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (سورة الحج: الآية 32)؟
وهل تمسكنا بهذه الشعيرة بهويتنا فارتقينا أم أضعناها فهوت بنا الأهواء إلى الهاوية؟
نعم رأينا من بعض الأسر والأمهات ما يثلج صدور المؤمنين من قوة الشخصية الإسلامية والثقة بمنهج الله والتصديق بموعوده للثابتين على الحق أمام هجمة الجاهلية الشرسة على الفطرة السليمة من حب الستر والعفاف.
لكن نظرة والتفاتة للسواد الأعظم تجعل الحليم حيرانا ومستنكرا يطلق زفرات الأسى على هذا الإنسان كيف يعصي هذا الرب الكريم الرحيم الودود مالك الملك الجبار القهار؟
كيف يطيع أعداءه؟ كيف ينسى فطرة الله التي فطر الناس عليها؟ كيف يغره الغَرورُ بالله فيسوقه إلى سوقه ليشتري للعيد الملابس الفاضحة ويورده موارد تسهيل وسائل التبرج وإظهار مواطن الفتنة التي نهى الله عن إبرازها ولو للمحارم!
ألا فليتق الله، ألا فليستح من الله.
ألا يا خجلاه من رب العالمين الذي يرينا ويسبغ علينا ما لا يحصى من كرمه وفضله ونعمه ورأفته ورحمته ورزقه ولطفه، ثم نقلد أعداءه ونتبع بيوت أزيائهم التي تتسابق في تصدير ما يخالف ديننا وعفافنا وحياءنا، ويكرس عمله لترسيخ شعائر دينهم المنحرف.
أين تركنا أمر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بمخالفتهم؟
إن القرآن الذي عكفنا على تلاوته في شهر رمضان أُمرنا أيضا بتدبره، وإن سورة الأعراف حكت لنا بداية المعركة مع إبليس وأخبرتنا أن الهدف الأول من وسوسته هو نزع اللباس وإبداء السوأة (يَابَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) [سورة اﻷعراف: الآية 27]، “ومن هنا يستطيع المسلم أن يربط بين الحملة الضخمة الموجهة إلى حياء الناس وأخلاقهم والدعوة السافرة لهم إلى العري الجسدي باسم الزينة والحضارة والمودة! وبين الخطة الصهيونية لتدمير إنسانيتهم، والتعجيل بانحلالهم، ليسهل تعبيدهم لملك صهيون! ثم يربط بين هذا كله والخطة الموجهة للإجهاز على الجذور الباقية لهذا الدين في صورة عواطف غامضة في أعماق النفوس! فحتى هذه توجه لها معاول السحق، بتلك الحملة الفاجرة الداعرة إلى العري النفسي والبدني الذي تدعو إليه أقلام وأجهزة تعمل لشياطين اليهود في كل مكان! والزينة «الإنسانية» هي زينة الستر، بينما الزينة «الحيوانية» هي زينة العري.. ولكن «الآدميين» في هذا الزمان يرتدون إلى رجعية جاهلية تردهم إلى عالم البهيمة. فلا يتذكرون نعمة الله بحفظ إنسانيتهم وصيانتها!” [في ظلال القرآن].
فهل من مستيقظ ومنتبه؟
نعم، يظن المغفلون أن هذه قشور لا تؤثر ولا قيمة لها، وهذا تفكير خاطئ مردود، أما أنها لا تؤثر فالرد عليها أمر طالبان وقد رأينا كيف أعزهم الله عندما اعتزّوا بملابسهم الساترة ولم يغيروها بعد أن اعتزوا بعقيدتهم الثابتة ولم يتزحزحوا عنها.
أما أنها لا قيمة لها؛ فالتاريخ يشهد المعركة التي قادها مصطفى كمال أتاتورك لخلع حجاب المرأة وفرض السفور على النساء ومنع العمامة والطربوش العثماني وفرض القبعة الإنكليزية “البرنيطة” على الرجال [الرجل الصنم، ترجمة عبد الله عبد الرحمن ص ٣٨٠]، وأعدم من رفض ذلك، وكان مصير محمد عاطف أفندي الذي كتب كتابا سماه “تقليد الفرنجة والقبعة” الإعدام أيضا، فلنتأمل.
وقد يأتي تساؤل للنفس: أن كيف أصمد في مواجهة مجتمع اعتاد حتى استمرأ الملابس الفاضحة واعتبرها طبيعة بل هي عنوان الأناقة والرشاقة والتقدم والانفتاح، بل اعتبر الملابس المحتشمة الساترة للعورة المهذبة تأخرا وجهالة و”شرشحة” بتعبيره؟
أقول وبالله التوفيق: توكلي على الله حتى لو أوذيتِ ففي سبيل الله ما لقيتِ، ووطني نفسك على الصبر فأنت على ثغرة لو رابط عليها الجيل الذي قبلنا لما وصلنا هذا الكم من التعري والنزول لمستوى البهيمية خطوة وراء خطوة، وها قد وصلنا إلى مرحلة متدنية جدا نتيجة التدرج لإفساد فطرة الإنسان التي فطره الله عليها حتى لبس ذراري المسلمين ما كان سابقا شعار بائعات الهوى يعرفن به لمن يقصدهن في زوايا الشوارع، فلننهج منهج الأنبياء بالصبر على التغيير.
جاء في كتاب “ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين” للندوي: “فصل: “منهج الأنبياء في الإصلاح والتغيير” أتى النبي صلى الله عليه وسلم بيتَ الدعوةِ والإصلاح من بابه، ووضع على قفل الطبيعة البشرية مفتاحه..، ودعا الناس إلى الإيمان بالله وحده ورفض الأوثان والكفر بالطاغوت بكل معاني الكلمة، وقام في القوم ينادي: (يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله، تفلحوا) ودعاهم إلى الإيمان برسالته والإيمان بالآخرة”.
فلنكن نورا يشق طريقه بين ركام الظلام، وتأكدي بأن النصر لا يتنزل على المولعين بتقليد أعدائهم، قال ابن خلدون في مقدمته: “المغلوب مولع بتقليد الغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحوال عوائده”، وكما هو معلوم فإن التقليد يؤدي إلى المزيد من قوة الغالب وإضعاف المغلوب، فحذار أن يضعف المسلمون بسببك، فكوني الطود الشامخ من أولي البقية الذين يستبقون لأنفسهم الخير عند الله فينهون عن الفساد في الأرض ويصدون الظالمين عن الظلم، الذين لو وجدوا لما أخذ الله القرى بعذاب الاستئصال (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ) [سورة هود: الآية 116] جعلنا الله منهم.
وما أجمل قول الدكتور إياد قنيبي:
عيدي إن لاقت كلماتي
أفئدة فيها ما فيها
شك أو زيغ أو شبه
فأكون بذاك مداويها
وتصير قلوبا سالمة
تشتاق لرؤية باريها
عيدي ببذور ألقيها
فلعل إلهي يسقيها
….
وكفى شرفا إن نحن قضينا
العمر بنصرة دين الله
حتى إن مرت تجربة
وثبتنا فيها بإذن الله
ذهب الظمأ وبل العرق
وثبت الأجر بإذن الله
اللهم استعملنا ولا تستبدلنا، واجعل أعيادنا كما تحبها منا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.