الشعر في الجهاد – الركن الدعوي – مجلة بلاغ العدد ٣٠
مجلة بلاغ العدد ٣٠ - ربيع الثاني ١٤٤٣ هـ
الشيخ: أبو حمزة الكردي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.. وبعد:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَنْفُسِكُمْ وَأَمْوَالكُمْ وألسنتكم».
ومن جهاد اللسان قول الشعر ونظمه وإلقاؤه؛ إغاظة للأعداء وكسرًا لعنفوانهم وهمتهم في أماكن ظهورهم وقوتهم ورفعتهم، وعند النزال وحين التحام الصفين، والشعر يرفع همم المجاهدين ويحضّهم على المزيد من البذل والتضحية حين يحمى الوطيس ويشتد البأس ويتكالب الأعداء.
وقال تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) يقول السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: “وهذا الجهاد يدخل فيه الجهاد باليد، والجهاد بالحجة واللسان، فمن بارز منهم بالمحاربة فيجاهد باليد واللسان والسيف والبيان”.
* من فضله:
– التأييد من الملائكة:
عن البراء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت: «اهجهم – أو قال: هاجهم- وجبريل معك» متفق عليه. أي أنه مؤيد من الملائكة في شعره وهجائه للمشركين.
وعن أبي سلمة، أنه سمع حسان بن ثابت، يستشهد أبا هريرة: أَنْشُدُكُ الله هَلْ سَمِعْتَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَا حَسَّانُ، أَجِبْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: نَعَمْ. متفق عليه.
– أجر كأجر الرماة المقاتلين في الصفوف للكفار:
عن كعب بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده، لكأنما تنضحونهم بالنبل فيما تقولون لهم من الشعر».
* من أغراض شعر الجهاد:
– الحماسة:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: كانت الأنصار يوم الخندق تقول:
نحن الذين بايعوا محمدا * على الجهاد ما حيينا أبدا
فأجابهم صلى الله عليه وسلم:
«اللهم لا عيش إلا عيش الآخره * فأكرم الأنصار والمهاجره»
– إغاظة الكفار:
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ وَابْنُ رَوَاحَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ يَقُولُ:
خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ * الْيَوْمَ نَضْرِبْكُمْ عَلَى تَأْوِيلِهِ
ضَرَبًا يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ * وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ
قَالَ عُمَرُ: يَا ابْنَ رَوَاحَةَ فِي حَرَمِ اللَّهِ، وَبَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَقُولُ هَذَا الشِّعْرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَلِّ عَنْهُ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَكَلَامُهُ أَشَدُّ عَلَيْهِمْ مِنْ وَقْعِ النَّبْلِ».
– الرثاء:
ومنه موقف الصحابي خبيب بن عدي رضي الله عنه وهو يرثي نفسه، حين سألوه فقالوا: أتحب أن محمدًا مكانك، فقال: والله ما أحب أني في أهلي وولدي وأن محمدًا شيك بشوكة، ثم أنشدهم:
ولست أبالي حين أُقتل مسلما * على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ * يبارك على أوصال شلو ممزع
– الهجاء:
قال حسان بن ثابت يهجو أبا جهل ويذكر غزوة بدر:
لقد لعن الرحمن جمعا يقودهم * دعيّ بني شجع لحرب محمّد
مشوم لعين كان قدما مبغّضا * يبيّن فيه اللؤم من كان يهتدي
فدلّاهم في الغيّ حتى تهافتوا * وكان مضلّا أمره غير مرشد
فأنزل ربّي للنبيّ جنوده * وأيّده بالنّصر في كلّ مشهد
* من ضوابط الشعر في الجهاد:
– كثرة ذكر الله عز وجل:
قال تعالى: (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)
قال ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيرًا}: “ذَكَرُوا اللهَ فِي شِعْرِهِمْ”.
وقَالَ الطبري في تفسيره: “وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ وَصَفَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اسْتَثْنَاهُمْ مِنْ شعراءِ الْمُؤْمِنِينَ بِذِكْرِ اللَّهِ كَثِيرًا، وَلَمْ يَخُصَّ ذَكَرَهُمُ اللَّهَ عَلَى حَالٍ دُونَ حَالٍ فِي كِتَابِهِ، وَلَا عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ، فَصِفَتُهُمْ أَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا فِي كُلِّ أَحْوَالِهِمْ”.
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “أَشْعَرُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَتْ بِهَا الْعَرَبُ كَلِمَةُ لَبِيدٍ: أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلا اللَّهَ بَاطِلُ“.
– الانتصار للدين إذا ظُلم أو بُغي عليه:
قال تعالى: (وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا). عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: “يَرُدُّونَ عَلَى الْكُفَّارِ الَّذِينَ كَانُوا يَهْجُونَ الْمُؤْمِنِينَ”.
وقال ابن زيد، فيها: “وانتصروا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا”
* نماذج من الشعر في الجهاد:
لا يخلو عصر من الأعصار من شعراء ترنموا بذكر الجهاد والتحريض للنفير وهجاء الأعداء؛ وجمعُ شعرِ الجهاد يحتاج جهودا عظيمة لعل الله ييسر من يسعى لذلك. ومن نماذج شعر الجهاد:
– قول عمير بن الحمام رضي الله عنه يوم بدر:
ركضاً إلى الله بغير زادِ * غير التقى وعمل المعادِ
والصبر في الله على الجهادِ * وكل زادٍ عرضةً للنفادِ
غير التقى والبر والرشاد
– وقول كعب بن مالك عن يوم بدر:
وبيوم بدر إذ نرد وجوههم * جبريل تحت لوائنا ومحمد
وهو أفخر بيت قالته العرب كما قال صاحب العقد الفريد.
– وقول حسان رضي الله عنه قبيل فتح مكة
عدمنا خيلنا إن لم تروها * تثير النقع موعدها كداء
– وقول جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه يوم مؤتة:
يا حبذا الجنة واقترابها * طيبة وباردة شرابها
والروم روم قد دنا عذابها * كافرة بعيدة أنسابها
– وقول عبد الله بن رواحة يوم مؤتة كذلك:
يا نفس إلا تقتلي تموتي * هذا حمام الموت قد صليت
وما تمنيت فقد أعطيت * إن تفلعي فعلهما هديت
– وقول أبي محجن الثقفي يوم القادسية:
كفى حُزنًا أن تُرد الخيل بالقنا * وأُترك مشدودًا عليَّ وثاقيا
– وقول عبد الله بن المبارك:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا * لعلمت أنك في العبادة تلعب
من كان يخضب خده بدموعه * فنحورنا بدمائنا تتخضب
– وقول أبي تمام:
السيف أصدق أنباء من الكتب * في حدّه الحدّ بين الجدّ واللّعب
– وقول العظيمي:
ألا أبلغ طغاة الشرك أنك آخذ * بثاراتنا منهم عليها فزائد
– وقول ابن القيسراني:
حذار منا وأنى ينفع الحذر * وهي الصوارم لا تبقي ولا تذر
– وقول محمد إقبال:
من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسمك * فوق هامات النجوم منارا
كنا جبالا في الجبال وربما * سرنا على موج البحار بحارا
– وقول: سيد قطب:
أَخِي أنت حرٌّ وراء السدود * أخي أنت حرٌّ بتلك القيود
إذا كنت بالله مستعصما * فماذا يَضيرُك كيدُ العبيد؟!!
– وقول مروان حديد:
وسبيلنا بذل النفوس لخالق * وجزاؤنا جنات خلد لا تبيد
* أسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أهل القول الحسن والفعل الرشيد، والحمد لله رب العالمين.
لتحميل نسختك من العدد 30 من مجلة بلاغ اضغط هنا
لقراءة باقي المقالات اضغط هنا