الخوف في الجهاد – الركن_الدعوي – -مجلة بلاغ العدد الثامن والثلاثون ذو الحجة ١٤٤٣ هـ
الشيخ: أبو حمزة الكردي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
* أصل الخوف:
هو فزع يصيب الإنسان عند حدوث ما يخشاه، وهو يكثر عند القتال حيث تكون أهوالها سببا للشعور بالخوف.
والله عز وجل خلق الإنسان من ضعف، قال تعالى: (وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا)، وهذا الضعف سبب للخوف على النفس من التلف بالإصابة ومن الهلاك بالقتل ومن الفقر والحاجة بكثرة الإنفاق..، وهذا الضعف وما ينتج عنه من خوف هو ابتلاء من الله جل وعلا يرفع به درجات الصادقين ويميز الخبيث من الطيب، قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ).
ولنعلم عظم أمر الخوف في الجهاد وما يترتب عليه في النفوس، فقد شرعت صلاة الخوف على سبع هيئات مراعاة لشعور المجاهدين وأحوالهم ومخاوفهم..
* مراتب الخوف في الجهاد:
– الخوف الطبيعي:
وهو الخوف الفطري الطبيعي الذي خلقه الله عز وجل في النفوس، كالخوف من الكوارث والزلازل والرعد والبرق والقتل والقصف والسجن والارتفاعات الشاهقة والظُلمة والوحدة..
والشيطان يعمل على إخافة المؤمن من الكافر بالكذب والتهويل، فلا ينبغي تصديقه، (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
– الخوف الممدوح:
هو الخوف من الله تعالى والخوف من استحقاق غضبه وعذابه والخوف من التقصير في الجهاد، والخوف من أن تؤتى الثغور من قِبل المرء.
وكذلك الخوف الذي يدفع لمزيد لجوء إلى الله عز وجل واعتصام بحبله والتزام بأمره وثبات على طريق الحق، وهذا فعل من قال الله جل وعلا عنهم: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ).
– الخوف المذموم:
هو خوف متبوع من متبوع أي خوف بشر من بشر مخلوق مثله، خوفا يدفعه لترك الواجب وفعل المحرم ، وهذا فعل من قال الله جل وعلا عنهم: (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا)، وقال تعالى: (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ)، وهو خوف مذموم لا يقع إلا لمن في قلبه مرض أو تقصير أو سوء ظن بالله عز وجل.
وهذا الخوف المذموم هو سبب الجبن، الذي هو من سيئ الأخلاق، قال صلى الله عليه وسلم: «شَرُّ ما في رجُلٍ شُحٌّ هالعٌ وجُبنٌ خالعٌ» رواه أبو داود، قال ابن القيم رحمه الله: “فإنَّ الشحَّ والجبن أردى صفتين في العبد، ولا سيما إذا كان شحُّه هالعًا، أي ملقٍ له في الهلع، وجبنه خالعًا أي: قد خلع قلبه من مكانه، فلا سماحة، ولا شجاعة، ولا نفع بماله، ولا ببدنه”.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو دبر صلاته: «اللهم إني أعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر» رواه البخاري.
* كيفية التعامل مع الخوف في الجهاد:
– احتساب الأجر وتجديد النية في الخوف الذي يصيب العبد المسلم أثناء سيره في طريق الجهاد: فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ، وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى، وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» رواه البخاري.
– الإيمان بقضاء الله وقدره: كما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما، فقال: «يا غلام، إني أُعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سأَلت فاسأَل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأُمة لو اجتمعت على أَن ينفعـوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف» رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
– كثرة ذكر الله عز وجل والتعوذ والاعتصام به واللجوء إليه: قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)، وقال جل وعلا: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) يقول السعدي رحمه الله: “أي: يزول قلقها واضطرابها، وتحضرها أفراحها ولذاتها”.
– الإعداد العسكري والنفسي والبدني والإيماني: قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ).
– التثبت والتبين من الأخبار المخيفة وردها لأولي العلم، وعدم الإرجاف بها، قال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ).
* خاتمة:
اللهم آمنا في أوطاننا وديارنا وأهلنا وأرزاقنا، اللهم آمن روعاتنا، اللهم نسألك طمأنينة في جهادنا وحياتنا وعند مماتنا وفي قبرنا ويوم حشرنا وعرضنا ويوم نلقاك وأنت راض عنا، والحمد لله رب العالمين..
لتحميل نسخة من مجلة بلاغ اضغط هنا
لمتابعة بقية مقالات مجلة بلاغ العدد 18 اضغط هنا