أين الظلمة وأعوان الظلمة
برهان لنشر الوعي بالسياسة الشرعية
➖ وفي أحد هذه المجالس عند المنصور وبين حاشيته طلب ” المنصور” من ” عمرو أن يناوله الدواة، فأمتنع عمرو عن مناولة الخليفة للدواة، فقال له المنصور أقسمت عليك إلا ناولتني. فقال عمرو: أقسمت لا أناولك. فقال له المهدي ولي عهد المنصور : أمير المؤمنين يُقسم عليك يا عمرو أن تناوله الدواة، وتُقسم أنت ألا تناوله !! فقال أمير المؤمنين أقوى على كفارة يمينه مني، وبعد خروجه من عند المنصور سأله أصحابه: ما منعك أن تناوله الدواة؟ قال: لم آمن أن يكتب في خطب مسلم فأكون قد شاركته في قتله بمناولته الدواة ؛ فإذا كان يوم القيامة نادى منادِ : أين الظلمة وأعوان الظلمة ؟ فأكون ممن أعانه .
في حين ظهر نوع من الفقهاء أو العلماء مالوا إلى أبوب الحكام، وصاروا علماء وفقهاء للسلطة القائمة يُبررون لها كل المظالم، ويُحسنون ويُجمّلون كل المساوئ والخطايا ويُشيطنون كل خصم أو معارض بل تجدهم في خطابهم للحاكم يُوظّفون الآيات القرآنية التي خُوطب بها الرسول صلى الله عليه وسلم لتأييد أفعاله وتبريرها وتحسين تصرفاته وتمريرها بإعطائها الصبغة الشرعية.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « مَا مِنْ أَحَدٍ يَخْذُلُ مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ , وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ , إِلَّا خَذَلَهُ اللهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُ فِيهِ نُصْرَتَهُ , وَمَا مِنِ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ , وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ , إِلَّا نَصَرَهُ اللهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ » أخرجه البيهقي.
فمن خذل مسلمًا وقت احتياجه للنصرة عاقبه الله بنفس الجزاء بالخذلان والتخلّي عنه وقت شدّته وبلائه، ومن نصر مظلومًا نصره الله على من ظلمه.
ما أحوج الأمة في هذه الأيام إلى التبرؤ من الظلمة والركون إلى المظلومين وقول الحق وتبيانه والوقوف معه والدوران معه أينما دار وما أحوج الأمة إلى علماء الحق ليسجّلوا ما سجّله عمرو بن عبيد لتكون شاهدة لهم لا عليهم.